الحرب الأميركية على الصين
غالب قنديل
ينظر مخططو السياسة الأميركية بعدائية مرتفعة إلى تعاظم قدرات الصين الاقتصادية ويمكن القول إنه بينما يطفو على السطح أكثر من أي شيء آخر خطاب تحريضي اميركي ضد تنامي القوة العسكرية الروسية وحضورها في ميادين المواجهة مع الغرب وفي التصدي لحروب الوكالة التي تديرها واشنطن بواسطة شبكات الإرهاب لاسيما في سورية ففي العمق يعتبر المخططون الأميركيون ان الصين هي الظهير والشريك الأول لروسيا في التصدي لمهمة تخليص العالم من الهيمنة الأحادية الأميركية التي سيطرت على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
يستذكر متطرفو الخارجية الأميركية من المحافظين الجدد ان الفيتو الروسي الصيني المزدوج كان السد المنيع في مجلس الأمن الأدولي ضد غزو سورية وهذا الحلف الروسي الصيني يثير قلق النخبة الأميركية الحاكمة بعد تعاظم الشراكات الاقتصادية والتجارية العابرة للقارات كالبريكس ومنظمة شانغهاي والتي تقودها روسيا والصين معا إضافة إلى الشريك الثالث الذي تشتد ضده الحملات الأميركية وهو إيران رغم الاضطرار الأميركي لتوقيع الاتفاق النووي الذي لعبت في مخاضه الصين وروسيا دورا مهما في الدفاع عن حقوق إيران السيادية وهو إيران التي تنمي مزاياها وقدراتها في منطقة شديدة الحساسية للمصالح الأميركية تحولت إلى مستنقع فشل كبير لخطط الهيمنة منذ غزو العراق وهزيمة إسرائيل في حرب تموز ونتيجة الصمود السوري الذي دعمته الصين اقتصاديا وأعلنت مؤخرا عن عزمها على تطوير مساهماتها العسكرية في تعزيزه من خلال توسيع التعاون المباشر مع الجيش العربي السوري وتتخذ المسألة أهمية كبيرة في ظل الدور الذي تسنده المخابرات الأميركية لإرهابيين يحملون الجنسية الصينية يقاتلون في سورية وجرى تدريبهم في تركيا بإشراف الناتو حيث جرى تجميعهم وتسليحهم قبل ان يرسلوا إلى الشمال السوري بإشراف المخابرات التركية وبتمويل سعودي وقطري معلن وهو ما يشكل تهديدا للأمن القومي الصيني ونواة لحرب بالوكالة داخل الصين يتطلع إليها حزب الحرب الأميركي الذي يقف اليوم بجمهورييه وديمقراطييه خلف زعيمة حزب الحرب ومخططة الحملة على الصين هيلاري كلينتون.
خلف الخطب الأميركية المعسولة وابتسامات الصور التذكارية في الاجتماعات الصينية الأميركية بجميع مستوياتها يختفي كابوس المارد الصيني الذي يمتلك مقدرات اقتصادية عملاقة وينشر نفوذه بهدوء وسلاسة في جميع انحاء العالم وقد باتت تسنده قوة عسكرية ضخمة يجري بناؤها بصورة حثيثة ومن غير ضجيج وقد تركز عليها جانب كبيرمن اهتمام مراكز الدراسات الأميركية التي تابعت بقلق بناء الأسطول الحربي الصيني كذراع فاعلة وقوية لإمبراطورية عرفت تاريخيا بكونها إمبراطورية برية بحيث بات وجودها في البحار نذير تغير كبير في الاستراتيجيات والمعادلات الدولية .
محور لآسيا هو عنوان الخطة التي تستهدف الصين في الباسفيك وقد رسمت خطوطها هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية في إدارة اوباما الذي تعهد تنفيذ حلقاتها الرئيسية الهادفة لمحاصرة الصين في الباسفيك وقد أعطى الرئيس الأميركي الإشارة لمباشرة تحرك فاعل على أساسها وقام بجولات خارجية لحشد وتأليب حكومات بعض الدول ضد الصين بما في ذلك فيتنام مستثمرا شتى انواع التعارضات والتباينات مجندا عملاء واشنطن في الجوار الصيني تحت شعار محاصرة النفوذ الصيني ومنعه من الانتشار عارضا شتى الحوافز التجارية والتقنية بينما اطلق بنفسه خطابا عدائيا منكرا حقوق الصين الإقليمية في الباسفيك محفزا المنازعات التي أثيرت بتحريض اميركي حول حق الصين في استثمار مياهها الإقليمية وما في باطنها.
الجزر الصينية السابحة على كميات ضخمة من النفط والغاز هي عنوان تحرر الصين من أسواق الطاقة العالمية التي تهيمن عليها واشنطن والتي مارست فيها الولايات المتحدة بمعونة المملكة السعودية وغيرها من حكومات الدول المنتجة التابعة للغرب أسوء انواع الابتزاز والمراوغة لرفع كلفة النمو الصيني خلال السنوات العشرين الأخيرة وقد قاومت الصين تلك الضغوط بنجاح من خلال شراكتها مع روسيا وإيران وبعلاقات التبادل المتكافيء التي تقيمها مع اكثر من دولة منتجة في العالم واليوم يتوقع بعض المحللين والخبراء ان تصبح الصين الدولة العالمية الأولى في إنتاج الغاز خلال عشرين عاما.
الخطر الصيني كما يسميه الأميركيون يتربص بالخطط الاستعمارية الأميركية في كل مكان فالصين تعرض شراكات تجارية واقتصادية وفرص نقل التقنيات بأقل كلفة ممكنة لشركائها في العالم الثالث وهو ما يوسع نطاق نفوذها غير المشروط بأي طلبات او إملاءات سياسية بل تحيط به دائما نزعة التكافؤ في التعامل مع الجميع واحترام استقلال الدول الأخرى وهو ما يطلق عليه تعبير التغلغل الصيني في العالم وعين الولايات المتحدة بعد الباسفيك على أفريقيا بالذات القارة التي تعتبر منجم ثروات ضخم وفيها أسواق كبرى بعضها لا يزال على بكورية استهلاكية قابلة للاستثمار ولتصدير “النموذج الأميركي” للعيش .
تسعى الإمبراطورية الأميركية لترسيخ نفوذها السياسي وهيمنتها الاقتصادية في أفريقيا عبر الاضطرابات والحروب الأهلية وبواسطة الإرهاب التكفيري بينما الصين تقدم تعاونا نظيفا يناسب خطط التنمية والاستقلال في أفريقيا وما التدخل العسكري الأميركي مؤخرا في ليبيا بذريعة محاربة الإرهاب سوى نموذج وربما يكون رأس جسر لعمليات اميركية اوسع في شمال افريقيا وغير بعيد عن مالي ونيجيريا وغيرها من الدول التي دعم فيها محركو الإهاب والتطرف في الاستخبارات الأميركية انوية تضرب امنها واستقرارها في لعبة مزدوجة وخبيثة تستعمل القاعدة وفلولها ومشتقاتها كداعش وبوكو حرام في رحلتي الذاهاب والإياب لتنتج دورات عنف ودمار تنهك المجتمعات والدول وتخضعها للهيمنة كالعادة وتحت شعارات إعادة البناء وغزالة آثار الحروب التي يشعلها المخططون الأميركيون انفسهم.