صمتٌ وانتظار سياسي في دمشق زياد حيدر
في الوقت الذي تحصل تطورات بارزة على الصعيدين الميداني والسياسي إقليمياً ودولياً، يبقى ثقلُ الأزمات الداخلية سيد الحديث في دمشق، بانتظار ما سيقود اليه «الطباخون» الإقليميون والدوليون.
أحداث بارزة حصلت في الأيام الماضية، بينها التقارب التركي ـ الروسي من جديد، وما تبعه من تصريحات لرئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم، وبدء استخدام سلاح الجو الروسي لقواعد عسكرية إيرانية بالتنسيق مع العراق، إضافة للحديث عن قرب اتفاق الجانبين الروسي والأميركي على «التنسيق العسكري» ولو المحدود بشأن حلب، والمساعدات الإنسانية.
يأتي هذا مع تراجع الخطاب السوري الرسمي تراجعاً مدروساً، بعد تقدمه سابقاً اثر معارك الكاستيلو وإغلاق الطوق على القسم الشرقي من المدينة منذ 25 يوماً، والذي تلاه إعلان سوريا رغبتها في التعاون في مجال «مكافحة الإرهاب» وفي مجال «تسهيل العمليات الإنسانية في أحياء المدينة كافة»، في تعقيبٍ نادر لكن مستفيد من زخم انتصار حلب، على ما أشيع عن اتفاق أميركي ـ روسي لتنسيق الضربات الجوية، في الخامس عشر من تموز، حيث أكدت دمشق حينها في بيان رسمي استعدادها «لتنسيق العمليات الجوية المضادة للإرهاب بموجب الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة».
لكن التراجع العسكري في هجوم الفصائل الإسلامية المدعومة تركياً على الكليات العسكرية جنوباً، والذي فرضته اجندة لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ترافق مع تراجع في الخطاب السياسي في دمشق، بانتظار أن يكشف عن نتائج القمة التصالحية التي جمعت بين القطبين الدولي والإقليمي.
هذا كله يتطلب صمتاً، غير معروف متى يُكسر. تقدم الروس في نقل بعض عتادهم الجوي نحو إيران، وهمتهم على توسيع قاعدة حميميم في اللاذقية، والشائعات عن إمكانية القيام بشيء مماثل على الرصيف البحري في طرطوس، من جهة، كما تراجع الأتراك في حساباتهم نحو إعادة اللاجئين الى الشمال الشرقي لسوريا بدلاً من توطينهم في اللعبة الانتخابية التركية، وذلك لاستخدامهم مجدداً في مواجهة المشروع الكردي في الشمال السوري، هي ايضاً من التطورات التي يتم حساب فعاليتها وتأثيرها على مسار الازمة والحرب معاً.
يستمع المسؤولون في دمشق لما يقوله يلديريم ويعرفون أنه لا يتحدث من وحي وزنه السياسي، بل من دفتر ملاحظات رئاسي. لكنهم ايضاً لا يثقون بنزاهة العدو الموجود في أنقرة، كما لا يتوقعون منه خيراً. الورقة الكردية بنظر المراقبين في دمشق، ربما بدأت بالنضوج بعد انتصار منبج والتقارب الروسي ـ التركي، وانزلاق الأميركيين قريباً في حمى الانتخابات الرئاسية.
هل من سيناريو سوري إذاً؟ منذ أسابيع، وبعد انتصار الجيش المدوي في شرق حلب، كان تقييم القيادتين الروسية والسورية بأن شهر ايلول يمكن ان يكون موعد إعلان مدينة حلب تحت سيطرة الجيش، ولو نسبياً مع استثناءات جغرافية محدودة.
الموعد تراجع إلى تشرين الثاني، على الأرجح، نتيجة الانتكاسة الاخيرة في الجنوب، اذ دخلت حلب مجدداً في سياق الحسابات السياسية.
يعتقد كثر من المسؤولين في دمشق أن الإرادة الدولية بإشراف الراعيين الاميركي والروسي هي لإبقاء حلب في وضعها الحالي أو ما يقترب منه، دون خللٍ كبير في توازنات القوى، ودون قدرة طرف إقليمي أو محلي على الحسم النهائي.
لكن مسؤولين آخرين لا يرهنون أنفسهم للوقائع السياسية ولا لخلفياتها. «الانتصار الذي جرى في حمص يمكن أن يجري في حلب». يعتقد كثيرون، ممن لا يرغبون بالتراجع، أن أي خيار آخر يعني في النهاية إدخال العناصر الإسلامية «الجهادية» في خضم اللعبة السياسية المحتملة، وبالتالي سوريا «لا تستطيع احتمال هذا المخرج السياسي»، لأنه «سيحمل بذور حرب أخرى في المستقبل لا يمكن تجاهلها، ستطال أولاد مقاتلي اليوم أو أحفادهم».
المستقبل في صورته الواقعية يتمثل في اتفاق سياسي يراعي وجود أطراف مختلفة واعتقادات متنوعة، ولكن في ظل دستور علماني موحد، وبدون أي صيغة دينية أو مذهبية للحكم.
يعرف كثيرون في دمشق ان هذا مستحيل التوصل اليه مع ثلاثة أرباع المقاتلين على جبهة العدو إن لم يكن جميعهم. ما الحل إذاً؟ ما الذي تعنيه جنيف في هذه الحال؟ في الواقع لا حديث عن جنيف، رغم أن الخارجية السورية تقول إننا بانتظار الموعد التفاوضي المقبل. كما أن الجميع ينتظر أن يقول الروس ما الذي يعنيه تقوية نفوذهم في هذا الإقليم؟ قواعدهم العسكرية التي تتوسع على الشواطئ الدافئة، وفي سماء شرق المتوسط؟
يؤكد مرافقون للقوات الروسية الموجودة في سوريا، أن موسكو لا تزال تنظر إلى هذه الحرب باعتبارها مقدسة، ولا تزال تتعاطى مع التحضيرات لكل معركة باعتبارها معركتها. حتى لو لم تتدخل بقوة، فإنها تنتظر النتائج التي يمكن تسجيلها في دفتر المفاوض الروسي، والبناء عليها.
لكن هذا يعني ايضاً، أن الساحة السورية وجغرافيتها المتنوعة ومستقبلها الجيوسياسي انغمست أكثر من السابق ضمن اعتبارات المصالح الدولية والاقليمية، وأن المستقبل السياسي للبلاد بات أشبه بمصير المستقبل العسكري لحلب، إلا إذا كرّر الحلفاء انتصار حمص فيها.
(السفير)