مقالات مختارة

من يرفض وعد بلفور ويسعى الى محاكمة بريطانيا بسببه يتجاهل أن هذا الوعد واقامة دولة اسرائيل كانا في صالح الفلسطينيين: موشيه آرنس

 

يريد محمود عباس (أبو مازن) تقديم دعوى قضائية ضد بريطانيا بسبب وعد بلفور الذي نشر في تشرين الثاني 1917. والذي قضى بتأييد حكومة بريطانيا لاقامة البيت القومي للشعب اليهودي في ارض اسرائيل. التاريخ احتفظ بمكان لـ آرثور جيمس بلفور، وبحق، ليس فقط لأنه قام بالتوقيع على الرسالة المشهورة التي كانت موجهة الى ليونيل روتشيلد، بل لأنه كان رئيس الحكومة ووزير الخارجية في بريطانيا. وعباس في المقابل كان يمكن أن لا يكون معروفا لولا وعد بلفور.

من المحتمل أن الفلسطينيين لم يكونوا كيانا قوميا، معروفا من قبل الساحة الدولية ومن قبل أنفسهم، لولا وعد بلفور. ففي تلك الفترة لم يتم النظر اليهم على أنهم فلسطينيون، لا من قبل الاتراك ولا من قبل البريطانيين، حيث أن وعد بلفور تحدث عن “الجاليات غير اليهودية في فلسطينة”. وبعد ذلك بثلاثين سنة، في تشرين الثاني 1947، طالب قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة باقامة دولة يهودية ودولة عربية في ارض اسرائيل. وقد تم التعامل مع السكان غير اليهود من قبل المجتمع الدولي، ومن قبل أنفسهم ايضا، على أنهم جزء من الأمة العربية، وليس كيانا قوميا قائما بحد ذاته.

إن اقامة دولة اسرائيل والحروب التي فرضها العرب عليها هي التي أدت الى نشوء الوعي القومي الفلسطيني المنفصل. ومع مرور الوقت تم الاعتراف بهذه القومية، لأن وعد بلفور واقامة دولة اسرائيل هما اللذان أديا الى نشوء أمة فلسطينية، التي يزعم عباس قيادتها، ليس لأنه لا يوجد له سبب لتقديم دعوى قضائية ضد بريطانيا فقط، بل العكس، يجب عليه أن يشكرها على اسهامها في ولادة الأمة الفلسطينية.

ماذا كان سيحدث للسكان العرب الذين عاشوا في ارض اسرائيل اثناء فترة وعد بلفور، لو أن بريطانيا لم تتعهد بتأييد المشروع الصهيوني. ولو أن دولة اسرائيل لم تقم بعد ذلك بـ 31 سنة؟ حول هذا الامر يمكن طرح الفرضيات فقط. يمكن القول إن مصيرهم كان سيتعلق بمصير العرب الذين يعيشون في الشرق الاوسط في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الاولى. وكانوا سيتأثرون بهم على الاغلب.

إن المصير التراجيدي للعرب في الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة تم اثباته من خلال مقال سكوت اندرسون الذي نشر في 13 تشرين الاول في “نيويورك تايمز″ بعنوان “دول مهشمة ومحطمة: كيف تفكك العالم العربي”. يجب على من تابعوا الاحداث في المنطقة – القيادات القمعية، المعارك التي لا تنتهي، المذابح الجماعية، اللاجئون الذين هربوا من المنطقة – قراءة مقال اندرسون. يمكن القول بأنه لولا اقامة دولة اسرائيل لما استطاع الفلسطينيون التملص من الكارثة العربية.

قسم من الاقليات التي تعيش في اسرائيل بدأ، بتأثير الاحداث في سوريا، في التعبير عن تقديره للامن وللفرص الاقتصادية التي توفرها الحياة في اسرائيل، حيث أن هناك زيادة في عدد المتطوعين للجيش الاسرائيلي من المسيحيين العرب، والدروز في هضبة الجولان الذين تمسكوا بشدة طوال الوقت بهويتهم السورية ورفضوا الهوية الاسرائيلية، وهم يعبرون في الآونة الاخيرة عن رغبتهم في الحصول على المواطنة الاسرائيلية.

هل سيأتي اليوم الذي سيعترف فيه الفلسطينيون، مواطني اسرائيل والذين يعيشون في القدس وفي يهودا والسامرة، بحقيقة أن مصيرهم قد تحسن؟ وأن اقامة دولة اسرائيل قد أنقذتهم كما يبدو من المعاناة التي يتعرض لها العرب في الدول المجاورة؟.

يمكن الاستنتاج من الاقوال الانفعالية للقادة الفلسطينيين مثل أبو مازن في رام الله واسماعيل هنية في غزة وحنين الزعبي في الكنيست، يمكن الاستنتاج أنه ليس هناك شيء اسوأ من “الاحتلال الاسرائيلي”. ولكن مشكوك فيه أن جميع الفلسطينيين يصدقون أقوالهم. ويمكن أن بعضهم يعتقدون أن مصيرهم أصبح أفضل، وأن اقامة دولة اسرائيل كانت تحمل بركة خفية من اجلهم.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى