بقلم غالب قنديل

خطاب الحصاد بعد عشر سنوات

غالب قنديل

لم يكن خطاب قائد المقاومة عاديا في ذكرى الانتصار العاشرة ويبدو ان التردي المهني والبلادة الفكرية والكيد السياسي تجمعت لتحول دون اعطائه الاهتمام الذي يستحقه فهو بكل معنى الكلمة خطاب نوعي من حيث قيمته الاستراتيجية لاسيما وقد استند فيه السيد نصرالله الى الشواهد والوقائع التي ادلى بها القادة الصهاينة ورددتها وسائل اعلام العدو وفي ذلك تفوق الخطاب اخلاقيا ومنطقيا وارتكز الى الحقائق الصلبة في التعامل مع منظومات القوة التي راكمتها المقاومة خلال عشر سنوات كرست عبرها امساكها بزمام المبادرة وثبتت حقيقة العجز الصهيوني عن شن حروب جديدة يعرف الصهاينة كلفتها وعجزهم عن تحقيق اهدافها المتخيلة بل انهم يعيشون هاجس المبادرات الهجومية المحتملة للمقاومة ضمن خططها للدفاع الاستراتيجي والردع الذي سيتكفل بانهاء اي حرب قادمة بانتصار للمقاومة لا يحتمل المجادلة .

الشواهد الاحدى عشرة التي بسطها السيد وغيرها مما دعا الى البحث عنه والتفتيش عليه في يوميات القلق الوجودي التي تقض مضاجع الصهاينة تعكس خمس حقائق تاريخية في حصيلة عشر سنوات مرت على تقرير فينوغراد وعلى سجالات خصوم حزب الله داخل لبنان لنفي الانتصار ولإقناع اللبنانيين بانهم لم ينتصروا بمنع العدو من تحقيق الاهداف التي وضعها ونادى بها جهارا ثم اعترفت لجنة فينوغراد بانه فشل في تحقيقها .

الحقيقة الاولى عجز الكيان الصهيوني عن تجاوز الثغرات الخطيرة التي كشفتها الحرب على الرغم من الجهود الضخمة والمثابرة المستمرة التي قامت بها القيادات العسكرية والسياسية الصهيونية بإشراف اميركي مباشر في مجالات التسليح والتدريب والتصنيع والتجهيز التقني المتطور وعشرات المناورات العسكرية الصهيونية وبعضها بالشراكة مع الجيش الاميركي وليس ادق تعبيرا عن الفشل من اعلان الكيان الصهيوني منذ بضعة اسابيع ان جبهته الداخلية غير جاهزة لحرب جديدة رغم كل ما انفق عليها وخطط لها في عشر سنوات ومن ابرز الاسباب ان منظومة الردع التي لدى حزب الله تعاظمت خلال السنوات العشر والعدو يلهث خلفها في جميع المجالات.

الحقيقة الثانية ديناميكية المقاومة وتفوقها في الابتكار واحتفاظها بزمام المبادرة في توليد واستنباط معادلات جديدة وليس ادل على ذلك من كابوس وثبة الجليل في اي حرب مقبلة وترددات انذار السيد بقصف اهداف يعادل انفجارها قنابل نووية وهو ما تسنده حقائق يعرفها العدو عن تطور قدرات المقاومة القتالية والصاروخية وهو ما يشهد للمقاومة ولقيادتها بانها جعلت تطورها وتمرسها وتنمية قدراتها هدفا مركزيا منذ لحظة توقف العدوان في شهر آب 2006 كما يشهد بمصداقية المحور الذي شكل حزب الله راس حربته لجهة تمكين المقاومة ماليا وعسكريا من كل ما تحتاجه لإبقاء اسرائيل مردوعة وقلقة.

الحقيقة الثالثة هي ان قيادة حزب الله تمكنت خلال السنوات العشر من احتواء واحباط كل ما استهدفت به في الداخل اللبناني وخارجه من حملات ومحاولات لإضعاف المقاومة وقد حافظت على تماسك منظومة الدفاع اللبنانية ومثلثها الذهبي واحبطت خطط الفتنة المذهبية وما يعيبه البعض عليها من افراط في المرونة احيانا كان بهذا الدافع بالذات بفعل اولوية التناقض مع الكيان الصهيوني واولوية قضية فلسطين في منظومة التفكير والثقافة والعقيدة عند قيادة المقاومة ومناضليها.

الحقيقة الرابعة نجاح حزب الله في تحويل التهديد الى فرصة منذ انطلاق العدوان على سورية وبعد افلات وحش التكفير في لبنان والمنطقة التي تمثل البيئة الاقليمية للمقاومة بتخطيط اميركي كما نوه قائد المقاومة وبعدما تحدث الصهاينة وراهنوا كثيرا فتخيلوا نزيفا قاتلا للمقاومة في ملحمة الدفاع عن عامود محورها الاقليمي سورية ثم باتوا حائرين في احتواء ما راكم حزب الله والجيش العربي السوري من قدرات وخبرات مشتركة لها انعكاساتها الاكيدة في معادلة الصراع العربي الصهيوني واهمها ثلاثة كوابيس على الاقل هي امتلاك الصواريخ والاسلحة المتطورة وانبثاق كتلة عربية مقاتلة تكتنز خبرات مشتركة في ميادين متحولة ومعقدة جغرافيا وقتاليا وبالتالي مستقبل جبهة الجولان.

الحقيقة الخامسة هي انه اليوم وفي ضوء ما حققه في مواجهة التكفير والارهاب يقدم حزب الله نموذجا رائدا ليس فحسب للمقاومة الفتية التي تنهض في فلسطين بل كذلك في الحماية الوطنية من خطر الارهاب ومن العدوان الاستعماري المباشر ام بالواسطة كما تبرهن تجارب العراق واليمن في القتال عبر القوى الشعبية التي تستلهم نموذجه وتجربته وتقتبس خبراته كما صرح السيد سابقا وقدم القليل من المعلومات عن مبادرات المقاومة خارج لبنان وسورية ويعترف الصهاينة لذلك لحزب الله بالتحول الى قوة اقليمية فاعلة كبرى وهذا هو سر الشراسة الاميركية في السعي لمحاصرة الحزب والتضييق عليه بشتى السبل فالغاية الاهم في الخطط الاميركية كانت وستبقى حماية اسرائيل.

بعد عشرات سنوات يترسخ النصر حقيقة قاهرة لا تضعفها المهاترات ولا الاكاذيب ويستحق الفخر بالانتماء الى زمن المقاومة الجديد رغم ضراوة الحروب والمخططات الاستعمارية الصهيونية التي تحشد فيها الرجعية العربية كل ما لديها من قدرات وامكانات لتعيق تطور محور المقاومة وانبثاق واقع اقليمي جديد انطلاقا من ملحمة الصمود السوري بالشراكة مع حزب الله وجميع الاحرار في لبنان والشرق العربي والخليج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى