حلب: هل يحافظ المتمردون على التحول في الأوضاع؟ فابريس بالونش
9 آب/أغسطس 2016
في الأيام القليلة الماضية، نجح المتمردون الوافدون من إدلب في إقامة روابط مع أولئك المحاصرين في شرق حلب. ويعوّض الممرٌ المفتوح في حي الراموسة جنوب غرب المدينة، عن خسارة المتمردين لـ “طريق الكاستيلو” في 28 تموز/يوليو، وهو الطريق الذي كان يربط مناطقهم في شرق حلب بالعالم الخارجي (انظر “القوات الكردية تدعم الأسد في حلب”). بيد، تقصف الطائرات الروسية هذا المعبر الجديد بكثافة، مما يحد من قدرة المتمردين على استعماله. وقد أفاد “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” أنه على الرغم من عودة بعض الشاحنات المحمّلة بالمحاصيل إلى شرق حلب في جعجعة كبيرة في 7 آب/أغسطس، إلا أن الطعام لن يغير حياة سكان المنطقة البالغ عددهم 250 ألف نسمة إلا تغييراً طفيفاً. ولكن الوضع في غرب حلب أفضل بعض الشيء: فقد فتح الجيش السوري طريقاً جديداً للإمدادات من الشمال على امتداد “طريق الكاستيلو”. وهذا الطريقٌ أطول من طريق الخروج السابق وأكثر خطراً ومعرّضاً للإغلاق إذا ما شن المتمردون هجوماً في الشمال الغربي، ولكنه يعتبر مصدر طمأنينة للمدنيين البالغ عددهم 800,000 شخص القاطنين في غرب حلب.
وفي التاسع من آب/أغسطس، وصلت قوة النخبة في «حزب الله» الملقبة “كتيبة الرضوان” مع ألفي مقاتل من الميليشيا العراقية “حركة النجباء” إلى حلب على مقربة من ممر الراموسة. وقد أدى القصف الروسي العنيف إلى جعل طريق الإمدادات الجديد غير صالح للاستعمال – في خطوةٍ تبيّن الرغبة القوية لكل من إيران وروسيا في إبقاء حلب إلى جانب الأسد، وتستدعي بذلك طرح السؤال التالي: هل يستطيع المتمردون الحفاظ على هذا التحول في الأوضاع؟
لا ينبغي تضخيم انتصار المتمردين
بابتهاجه من نشوة الانتصار أعلن «جيش الفتح»، الذي هومجموعة مظلة المتمردين في سوريا، أنه سيستولي سريعاً على المدينة بأكمها، إلا أن هذا الهدف يبدو طموحاً. فمنذ تموز/يوليو 2012، فشلت جميع محاولات المتمردين للسيطرة على الجزء الغربي من المدينة حيث لا يحبّذهم السكان (انظر المرصد السياسي 2499، “أكراد سوريا يفكرون الدخول في تحالف مع الأسد وروسيا في حلب”). ومع ذلك، فبين عامي 2012 و2013، كان معظم المتمردين من الإسلاميين غير الأصوليين، علماً بأن الوضع لم يعد كذلك اليوم. فتنظيم «جيش الفتح» هو تحت رئاسة فصيل سابق من فصائل «جبهة النصرة» – عُرف قبل الهجوم باسم “جبهة فتح الشام” – ويضم عدة تنظيمات جهادية، كـ “حركة شرق تركستان الإسلامية” و”جند الأقصى”، المعروفين بوحشيتهم الكبيرة (انظر المرصد السياسي 2579، “ما السبيل لمنع تنظيم «القاعدة» من الاستيلاء على منطقة آمنة في شمال غرب سوريا؟”). إنّ التطرف الذي طبع مؤخراً التنظيمات “المعتدلة” مثل “حركة نور الدين الزنكي” لا يُطمئن أبناء المدينة ذوي الطبقة المتوسطة في غرب حلب. فالانقسام الكبير بين المتمردين والفصائل المناصرة للنظام في حلب لا يقوم على المعارضة الطائفية – باستثناء الأقلية المسيحية المناصرة للنظام – ولكن بشكل رئيسي على الانقسامات بين الطبقات الاجتماعية والشرخ التاريخي بين المدن والأرياف. ولذلك تعتبر احتمالات نشوب انتفاضة ضد الأسد في غرب حلب غير موجودة. وإذا أراد المتمردون الاستحواذ على المنطقة الخاضعة للنظام في حلب، سوف تكون المعركة صعبة.
بالإضافة إلى ذلك، أن انتصار الراموسة ألحق خسائر كبيرة في صفوف المتمردين، فقد لقي خمسمائةٍ منهم حتفه، وفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. ولتحقيق هذا الهجوم الناجح، حشد «جيش الفتح» ما بين خمسة وعشرة آلاف مقاتل وتلقّى دعماً لوجستياً كبيراً من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، وفقاً لصحيفة فايننشل تايمز من التاسع من آب/أغسطس. كما أن الجهود العسكرية الأكثر تضافراً في شرق حلب لفك الحصار جاءت من «جيش الفتح». ففي الأول من آب/أغسطس، اخترق «جيش الفتح» خط الدفاع الأول للجيش السوري، ثم تم صدّ المقاتلين لبضعة أيام في “مدرسة المدفعية” التي تحولت إلى قلعةٍ فعلية، إلا أن التفجيرات الانتحارية المتعددة أتاحت له اختراقها في النهاية. وساهم المتمردون المنتمون إلى “غرفة عمليات فتح حلب” في شرق حلب بالحد الأدنى في الهجوم، على الرغم من أنهم نفّذوا في الثاني من آب/أغسطس عملية تفجير ناجحة في نفقٍ ممتد تحت حي الراموسة، مما أتاح لهم اجتياح شمالي الحي والتغلب على الجيش السوري من الوراء.
حلب هي أصعب معركة بالنسبة للأسد
في جنوب غرب حلب، لم يكن هجوم المتمردين مفاجئاً. ومنذ نيسان/أبريل، عمل المتمردون على استعادة القرى التي سقطت في يد الجيش السوري في خريف 2015 بدعمٍ كبير من ميليشيا «حزب الله» الشيعية، وربما أيضاً من القوات النظامية الإيرانية، والطائرات الروسية. إلا أن الهجوم المناصر للحكومة فشل في “خان طومان”، مما زرع بذور الهجوم المضاد الذي شنه المتمردون في ربيع عام 2016.
وهنا تُطرح الأسئلة عن سبب فشل الجيش السوري في صد الهجوم على الراموسة، مع تركز التكهنات على الثقة المفرطة بالنفس التي تتمتع بها القيادة، أو استنزاف القوات على الجهة الجنوبية الغربية بسبب الهجوم عند الجهة الشمالية. لا شك في أن الجيش السوري عانى من إهمال قائد قوات حلب اللواء أديب محمد الذي تم استبداله مباشرةً بعد الهزيمة باللواء زيد صالح من “الحرس الجمهوري” – الذي انتصر مع العقيد “النمر” سهيل الحسن في معركة “طريق الكاستيلو”. وتتقدم التعزيزات نحو حلب، بينما قصف الطيران الروسي “معبر الراموسة” والطرق التي تصل بين حلب وإدلب بلا هوادة من أجل إبطاء تعزيزات المتمردين، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود كافية. وفي هذا الصراع غير المتماثل، تصدّى المتمردون بنجاحٍ للهيمنة الجوية للنظام من خلال أعدادهم الكبيرة وطريقة هجومهم. فقد استولوا على سبيل المثال، على إدلب في آذار/مارس 2015 عبر التخطيط لهجمات انتحارية متزامنة عند مداخل المدينة، ليتسببوا بإحداث حالة من الذعر في صفوف المدافعين.
[وفي المقابل]، يبدو الجنود السوريون، ولا سيما العلويين، أقل عزماً على الدفاع عن حلب مما هم تجاه اللاذقية أو حمص أو دمشق لأن تلك المنطقة ليست أراضيهم. أما بالنسبة لحلفائهم الشيعة، فإذا بقي القتال ضد الجهاديين حافزاً قوياً لهم، فإن لمدينة الأمير الشيعي سيف الدولة الحمداني الذي عاش في القرن العاشر قوة أقل رمزية من دمشق حيث يتواجد مقام السيدة زينب (انظر المرصد السياسي 2665، “السيطرة على دمشق تقوي الأسد على الصعيد الوطني”). وكل ما هو معروف أن الحصار المفروض على شرق حلب سيكون أطول وأكثر صعوبة بكثير من حصار مركز حمص حيث احتل ألف متمرد فقط على نصف ميل مربع فقط. بيد أن مساحة شرق حلب تبلغ ثمانية أميال مربعة وفيها عشرة آلاف مقاتل من المتمردين. كما تقع حلب في منطقة معادية جداً للعرب السنة وقريبة جداً من الحدود التركية، في حين أن ريف حمص موالي بمعظمه للنظام بسبب وجود المسيحيين والعلويين والشيعة وقيام «حزب الله» بإغلاق الحدود اللبنانية بوجه المتمردين. وعلى الرغم من ذلك استمر حصار حمص أكثر من ثمانية عشر شهراً.
أردوغان وبوتين عام 2016: أصداء السادات وإسرائيل عام 1973؟
من الناحية الجغرافية – السياسية، كانت الفترة ما بين عامي 2013 و 2014 أقل مؤاتاةً للمتمردين حين كان مركز حمص محاصراً من قبل الجيش السوري. يشار إلى أنه في صباح التاسع من آب/أغسطس، التقى الرئيسان بوتين وأردوغان في سان بطرسبرغ في محاولةٍ لتطبيع العلاقات بين بلديهما. ولكن إذا كان أردوغان يرغب حقاً في التصالح مع بوتين فعليه إثبات استعداده لوقف دعم المتمردين. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان تركيا إغلاق حدودها مع سوريا لتحرم بذلك «جيش الفتح» من الدعم اللوجستي. وفي المقابل، تريد حكومة أنقرة ضماناتٍ بأن روسيا لن تدعم قيام كردستان سورية تمتد على طول الحدود التركية من نهر دجلة إلى مدينة عفرين. ومع ذلك، إذا توصّل الطرفان إلى اتفاق، فمن المرجح أن يتصرف أردوغان كما تصرف أنور السادات خلال “حرب يوم الغفران”، عندما شنّ الجيش المصري هجوماً في شبه جزيرة سيناء للتخفيف من الإهانة التي مُني بها في حرب عام 1967 ومن ثم التفاوض على السلام مع إسرائيل.
بالنسبة لأوباما، قد يكون الانتظار الخيار الأفضل
وفي النهاية، ما هي العواقب المترتبة على انتصار «جيش الفتح» بالنسبة للاتفاق الأمريكي الروسي ضد الفرع السوري لتنظيم «القاعدة» (أو الفرع “السابق”، رغم أن من الصعب تصديق أنه لم تعد هناك علاقات بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة»)؟ لقد وعد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالكشف عن تفاصيل الاتفاق قريباً. فهل القصف الأمريكي الذي استهدف «جبهة النصرة» في ضواحي حلب جزءٌ من الخطة؟ [إنّ صح ذلك] فهذا يعني أن واشنطن تساعد روسيا والجيش السوري على معاودة الحصار على حلب. من الممكن أيضاً أن يختار الرئيس باراك أوباما نهج الغموض المتعمد. ولعل انتظار مصير المعركة في حلب يبقى الخيار الأفضل أمام الرئيس الأمريكي.
فابريس بالونش، هو مدير الأبحاث في “جامعة ليون 2″، وباحث زائر في معهد واشنطن.