بقلم ناصر قنديل

ما بين سطور بوتين وأردوغان

ناصر قنديل

– من السذاجة أن يتوقع أحد بياناً يروي عطش الفضول لمعرفة ما دار في لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورجب أردوغان حول سورية وطبيعة ما تفاهما عليه. كما من السذاجة تخيّل حدوث اللقاء والاتفاقيات الاقتصادية التي تشكل إنعاشاً للاقتصاد التركي المتداعي، وفي لحظة تأزّم تركية غربية، بينما تقف موسكو وأنقرة في خندقين متقابلين في الحرب السورية، أو كما تفترض بعض التحليلات، أنهما يجريان تفاوضاً بالنار في حلب، تترجمه المائدة التي جمعتهما في بطرسبورغ. فاللقاء وما سبقه من قرار تركي بتلبية شروط روسيا للمصالحة بعد طول تردّد وعناد، يرتبطان كما يرتبط القبول المتلعثم، بما يجري في سورية من اختبار لرهانات تركية، لم يعد لها أفق، فتركيا هي من تزعّم حلف الحرب بمكانها في الجغرافيا ومكانتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وحلمها العثماني وأداتها الإخوانية. وبعد كلّ ما جرى صار سقف كلّ ما يمكن فعله أحد أمرين، إما الرهان على تقسيم سورية أو توظيف المكانة التي يمكن الإمساك بها في الجغرافيا السورية تفاوضياً، وقد كان واضحاً وصار أوضح، أنّ الأتراك وعلى رأسهم رجب أردوغان يدركون جيداً أنّ السير بلعبة التقسيم يعني أولاً وقبل كلّ شيء التسليم بنشوء كيان كردي على حدودهم، وهو ما بات منع قيامه أولوية الأمن القومي التركي، ما يعني أنّ الخيار الحتمي للأتراك هو التفاوض، ومَن أجدر بالتفاوض من روسيا، هذا هو السطر الأول من زيارة أردوغان.

– وحدة سورية قضية مشتركة لروسيا وتركيا. هذا هو السطر الثاني، وهو يعني عملياً التزاماً روسياً بمنع نشوء كيان كردي على الحدود التركية السورية، والتزاماً تركياً بالعمل لحلّ سياسي يعيد تسلّم دولة سورية واحدة كامل الجغرافيا السورية، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بشرطين، الأول أن لا تكون مناطق سورية بيد تنظيمات كداعش والنصرة لا مكان لها في أيّ حلّ سياسي، وأن تكون المناطق التي تضمّ ثلاثة أرباع سكان سورية ومدنها الرئيسية وأجهزة الدولة ومؤسساتها ويقودها الرئيس السوري، كما يعرف الأتراك جيداً، الشريك المحوري في هذا الحلّ السياسي، الذي يجب البحث عن شركائه الآخرين، ولو اتخذت عملية الاستدارة نحو هذا الحلّ كلاماً يطمئن هؤلاء الشركاء المفترضين ويعزز النفوذ عليهم، لجلبهم إلى حلّ مضمونه خطاب تركي يقول، نحن مثلكم لا نرغب ببقاء الرئيس السوري لكن تحقيق ذلك بالقوة فوق قدراتنا، وبعد ستّ سنوات يصير أبعد منالاً، والعالم كله متفق على أولوية الحرب على الإرهاب، فسقف المتاح الذي ننصح بقبوله هو حلّ يتيح انتخابات حرة بضمانات دولية، وإلا إذا كان الأتراك يتموضعون على خيار إسقاط الرئيس السوري بالقوة، فماذا عساهم يفعلون في موسكو، وإذا كان الجواب أنهم يراهنون على أن تمنحهم موسكو وعداً بحدوث ذلك، فيصير السؤال: أليس هذا ما سعى إليه أردوغان قبل عام عندما زاره بوتين في تركيا، وفشلت مساعيه، كما فشلت قبلها المساعي الأميركية والسعودية المشابهة، وكلّ ذلك قبل التموضع الروسي في الحرب السورية، وهو التموضع الذي اختار أردوغان مواجهته عسكرياً، لإسقاط مفاعيله التي يدرك أنها تقضي على أحلام إسقاط الرئيس السوري، فكيف الآن، وبعد هذا التموضع ونتائجه، وبعد الاستدارة التركية بعد فشل الرهانات والاختبارات؟

– السطر الثالث أنّ روسيا وتركيا مصمّمتان على إنجاز اتفاق حول سورية، يضمن وحدتها، وحلّ سياسي، ومواصلة الحرب على الإرهاب. وهذا يعني ضمان الحرب التي تريدها روسيا على جبهة النصرة وتطلب تعاوناً تركياً فيها، وتطلب تركيا منعاً لنشوء كيان كردي على حدودها مع سورية، ومنع تغلغل حزب العمال الكردستاني في المناطق السورية، وتطلب دعم موسكو وضمانتها لتحقيق ذلك. وهذا يعني تشكيل آلية ثلاثية فعّالة، كما ورد في التصريحات التركية والروسية، تضمّ الخارجية والدفاع والاستخبارات، من الطرفين، لتبادل الطلبات التفصيلية بالأسماء والأرقام والتفاصيل والأماكن، ولكن وصولاً إلى ماذا عندما يقترب الفريقان من نيل الهدف؟ الجواب وصولاً إلى اشتراك الطرفين اللذين تشكل الدولة السورية بجيشها ورئيسها طرفها الأول، الذي تضمن روسيا مشاركته، وتشكل أطراف غامضة من المعارضة، يجب أن تتوضّح صورتها لدى الأتراك، ليتلاقيا على حلّ سياسي يكرّس وحدة سورية ومؤسساتها، ويضمن الاستقرار في الإقليم، وهذا ما لا يساور تركيا، التي تقول إنها لم تغيّر رأيها وموقفها من الرئيس السوري، وترى أنه من المبكر القول إنها وافقت على مرحلة انتقالية بشراكته، ومهم جداً أن السطر الرابع هو من المبكر، وكيف لا يكون مبكراً والمطلوب تزامن الإعلان عن هذا القبول بالقدرة على جلب أوسع تشكيل من المعارضة للشراكة في الحلّ السياسي، ودون ذلك شرطان، واحد يستدعي بقاء تركيا في موقع الثقة لدى هؤلاء بأنها لم تبع رأسهم في تفاهمها مع موسكو، والثاني أن يكون العمل العسكري الذي تقوده موسكو قد جرّدهم من أحلامهم، التي يمثلها الرهان على النصرة، التي ظهرت علناً كقوة تقود كلّ المعارك بوجه الدولة السورية وحلفائها، وتشكل العصب الرئيسي للجماعات المسلحة.

– السطر الخامس والأهمّ هو ما قالته بيانات وزارة الدفاع الروسية التي بلغت خمسة بيانات في يوم واحد، هو يوم نهاية القمة الروسية التركية، ليقول واحد منها إنّ سبعة آلاف إرهابي يحتشدون حول حلب، ويقول الثاني إنّ قتلى الإرهابيين في معارك الأيام الأخيرة بلغ ألف قتيل، ويقول الثالث إنّ الجيش السوري انتقل من الدفاع إلى الهجوم في جنوب غرب حلب، ويقول الرابع إنّ روسيا تعلن هدنة لثلاث ساعات يومياً في حلب، ويقول الخامس وهو الأهمّ إنّ الطيران الروسي سيواصل مهامه ضدّ الإرهابيين في حلب ومحيطها ويتوقف فقط خلال ساعات الهدنة المعلنة، وهنا تريد موسكو أن تقول إنها المعني الأول بما يجري في حلب، وإنّ ما يجري هو حرب مع إرهابيين، وإنّ الطيران الروسي سيواصل استهدافهم، وبالتالي من ينتظر تغييراً تنتجه القمة، فعليه انتظاره من الجانب التركي وليس من الجانب الروسي على الإطلاق.

– تقول موسكو نحن واثقون إنّ أردوغان يريد أن يستدير ولا خيار أمامه سوى الاستدارة، لكننا واثقون أنه بحاجة للوقت ولمواصلتنا للحرب ليتمكن من فعل ذلك، ويحتاج منا أن نتركه يقوم بالمهمة بهدوء، لكن ذلك لن يعني أبداً وقوعاً في مهل كالتي منحت للأميركيين، وترتب عليها تحضير وإعداد جبهة النصرة للتمكّن من خوض حرب كالتي تشتعل اليوم في حلب وتشعلها بنيرانها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى