ضربات اميركية للجيش السوري ؟ دينيس روس و أندرو جيه. تابلر
مبررات لضرب الأسد (أخيراً(
“نيويورك تايمز“
3 آب/أغسطس 2016
تريد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحد من العنف والمعاناة في سوريا، وسحق التنظيمات الجهادية فيها في الوقت نفسه. ولهذا السبب يروّج البيت الأبيض حالياً لخطةٍ تتمثل بتعاون الولايات المتحدة مع الجيش الروسي في سوريا، عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الضربات الجوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة». وفي المقابل، تقوم روسيا بإرغام حكومة الرئيس السوري بشار الأسد على التوقف عن استخدام البراميل المتفجرة وشن ضربات جوية على المناطق التي تخلو من عناصر كلا التنظيمين.
ولا يُخفى أن القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا يعتبر هدفاً مهماً. فبعد سنوات من الموت والدمار قد يُرحَّب بأي اتفاقٍ بين الفصائل المتحاربة في البلاد أو بين الجهات الراعية لها. إلا أن الخطة التي تطرحها إدارة أوباما والتي يعارضها الكثيرون في “وكالة الاستخبارات المركزية” ووزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة هي خطة شائبة. فهي لن تكتفي بتحصين الحصار الذي تفرضه حكومة الأسد على مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة، بل ستدفع كذلك التنظيمات الإرهابية واللاجئين إلى تركيا المجاورة. وعوضاً عن ذلك، يجدر بالولايات المتحدة استغلال هذه الفرصة لاتخاذ موقفٍ أكثر صرامة من الأسد وحلفائه.
ويأمل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن يسهم هذا التفاهم مع روسيا في تحقيق تقدم في مسائل أخرى، من بينها استئناف الهدنة الجزئية لـ “وقف الأعمال العدائية” التي بدأت في شباط/فبراير وتداعت في أيار/مايو، والعودة إلى المفاوضات بشأن عملية الانتقال السياسي. وهذه الأهداف منطقية، وقد كرّسها أيضاً قرار مجلس الأمن الدولي الذي اعتُمد في كانون الأول/ديمسبر الماضي.
إلا أن النص المسرّب من الاتفاقية المقترحة مع روسيا يُظهر أنها حافلة بالثغرات الخطيرة. فالممثلون من الجانبين الأمريكي والروسي يعملون حالياً على رسم حدود المناطق التي يعتبر فيها وجود «جبهة النصرة» “كثيفاً” أو “ملحوظاً”، والمناطق التي تُهيمن عليها جماعات المعارضة الأخرى، مع “بعض الوجود المحتمل لـ «جبهة النصرة»”. وبذلك سيبقى الأسد وداعموه الإيرانيون والروس قادرين على ضرب المعارضة من غير «جبهة النصرة» في تلك المناطق، فضلاً عن إحكام قبضة الحكومة السورية على السلطة.
ولكن ما هو أكثر مدعاة للقلق أن حكومة الأسد تفتقر إلى القوة البشرية اللازمة للسيطرة على المناطق السنية الريفية وبالتالي ستعتمد على «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى للقيام بذلك. ومن المرجح أن تقوم هذه الجماعات الطائفية الوحشية بإجبار «جبهة النصرة» وغيرها من المتمردين السنة على الارتحال إلى تركيا حيث سيصبحون – ومعهم خطر العنف المتشدد – أقرب من الغرب. وبالمثل، سيؤدي القتال إلى نزوح المدنيين السنة، وبالتالي سيحاول المزيد منهم شقّ طريقه نحو أوروبا.قد تكون مبادرة الإدارة الأمريكية مع روسيا وليدة أمل أو يأس، ولكنها بالتأكيد ليست وليدة خبرة. فخلال الهدنة الجزئية، استغلت روسيا ثغراتٍ مماثلة سمحت لها ولحكومة الأسد بمواصلة قتال الجماعات المعارضة من غير «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية». وقد أتاحت هذه الانتهاكات للأسد وحلفائه كسب الأراضي ومحاصرة حلب.
ويبدو أن إدارة أوباما تعتقد أن الرئيس فلاديمير ف. بوتين يبحث عن وسيلة للحدّ من انخراط روسيا في الحرب الأهلية السورية. ولكننا نشك في ذلك. فالرئيس بوتين أكثر اهتماماً في إثبات أن روسيا وأصدقاءها ينتصرون في سوريا والولايات المتحدة تخسر. وهو لن يغيّر نهجه إلا إذا اقتنع أن منهجيته أصبحت مكلّفة للغاية. ولكن بما أن الرئيس بوتين يعلم أن الولايات المتحدة لن تتخذ أي إجراء بحق روسيا عقاباً على دعمها لحكومة الأسد، فمن المرجح أن يتعامل هو والرئيس الأسد مع هذا الاتفاق الناشئ بطريقة لا تختلف عن تعاملهما مع سابقاته.
غير أن هناك بديلاً آخر وهو معاقبة الحكومة السورية على انتهاكها الهدنة عبر استخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ الجوالة لضرب مطارات وقواعد الجيش السوري ومواقعه المدفعية التي ينعدم فيها وجود القوات الروسية.
ويقول معارضو هذه الأنواع من الضربات المحدودة أنها ستحث روسيا على تصعيد النزاع وإقحام الولايات المتحدة بشكل أعمق في سوريا. إلا أن هذه الضربات لن تنفَّذ إلا إذا تَبيّن أن حكومة الأسد خرقت الهدنة نفسها التي تعلن روسيا التزامها بها. ولعلّ إخطار روسيا بهذا الرد يمكن أن يردع أي انتهاكات مماثلة للهدنة وللاتفاق العسكري المقترح مع موسكو. وعلى أي حال، سيشير للرئيس بوتين أن حليفه السوري سيدفع الثمن إذا لم يلتزم بالاتفاق.
إذا كانت روسيا ترغب في الحد من دورها في سوريا، يفترض أن التهديد بتوجيه ضربات محدودة سيقنعها على إجبار الرئيس الأسد على إحسان التصرف. وعلى العكس من ذلك، إذا صحّ قول المتشككين إن الرئيس بوتين لن يتعامل بجدية مع أي حلٍّ سياسي إلا إذا وجد أن تكاليف دعم الحكومة السورية تتعاظم، فمن المرجح أن يشكل التهديد بهذه الضربات السبيل الوحيد لبدء عملية سياسية لإنهاء الحرب.
ولطالما قال الرئيس أوباما ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنه لا يوجد حل عسكري للصراع في سوريا. ولكن للأسف يبدو أن روسيا وإيران تؤمنان بوجود هذا الحل – أو تؤمنان على الأقل بأنه لا يمكن التوصل إلى أي نتيجة سياسية مقبولة دون تقليص عدد المتمردين وتقوية الحكومة السورية. ولذلك حان الوقت لكي تتحدث الولايات المتحدة بلغةٍ يفهمها كلٌّ من الأسد وبوتين.
– دينيس روس شغل منصب كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط في الفترة 2009- 2011 وكان قبل ذلك في الخارجية الأميركية خلال ولاية بيل كلينتون عرف بانحيازه للكيان الصهيوني ويتوقع البعض ان يكون في طاقم هيلاري كلينتون إذا انتخبت للرئاسة.
– أندرو تابلر باحث في معهد واشنطن من مسؤولي الملفات العربية .