إسرائيل تطوق غزة بجدار تحت الأرض حلمي موسى
عندما عُرِضت قبل أعوام فكرة مقاومة الأنفاق الهجومية من قطاع غزة عبر إنشاء جدار فاصل تحت الأرض، جوبهت الفكرة بالسخرية. فإسرائيل التي نشأت على مبدأ أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، كانت ترفض فكرة الجدران فوق الأرض وتحتها. ولكن بعد إنشاء الجدار الفاصل في الضفة الغربية وإنشاء الأسيجة الإلكترونية على طول الحدود، وخصوصاً بعد الفشل في منع العمليات، صارت فكرة إنشاء جدار تحت الأرض معقولة.
وهكذا للمرة الأولى، نشرت وزارة الدفاع الإسرائيلية قبل أيام أول عطاء لإنشاء جدار تحت الأرض على طول الحدود مع قطاع غزة، وبغرض منع الانفاق الهجومية من الوصول إلى ما وراء الخط الأخضر.
وهكذا لم تعد فكرة الجدار تحت الأرض مسألة نظرية. فوزارة الدفاع الإسرائيلية نشرت مطلع الأسبوع أول عطاء لأعمال الحفر والبناء للخط الدفاعي الإسرائيلي الجديد حول قطاع غزة لمواجهة الأنفاق الهجومية التي صارت علامة مميزة لفكر حركة «حماس» العسكري. وأشارت «يديعوت أحرنوت» إلى أن العطاء مغلق، وتم إرساله إلى حوالي 20 شركة مقاولات كبرى في إسرائيل. ويتعلق العطاء بأول مقطع في الحدود بطول عشرة كيلومترات في إطار خطة لبناء جدار تحت الأرض على طول 60 كيلومتراً هي حدود القطاع مع الأراضي الفلسطينية المغتصبة في العام 1948.
وكانت صحف إسرائيلية قد نشرت أن الجدار تحت الأرض المنوي إنشاؤه على طول حدود قطاع غزة يقام على عمق عشرات عدة من الأمتار تحت سطح الأرض، ويرتفع أمتار عدة فوق الأرض.
والجدار ليس مجرد عائق مادي ضد الأنفاق التي سبق لـ «حماس» أن استخدمتها في تنفيذ عمليات ضد مواقع الجيش الإسرائيلي قرب الحدود، وأيضاً في إدخال مقاتلين خلف خطوط العدو، وإنما هو ذو طبيعة إنذارية. فالجدار تحت الأرض مزود بمجسّات تسمح بتوفير إنذار مبكر لإسرائيل حول أي اهتزازات أو حفريات بقربها، الأمر الذي يسمح للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لإحباط أي عمل.
ويشكل بناء جدار عميق تحت الأرض تحدياً للشركات الإسرائيلية التي لم يسبق لها أن عملت في هذا المجال، ما سيضطرها للتعاون مع شركات عالمية وأجنبية ذات خبرة في هذا المجال. وقد أشارت «يديعوت» إلى أن بعض الشركات الأجنبية التي جرت مخاطبتها بشأن هذا المشروع رفضت التعاون مع الشركات الإسرائيلية نظراً لحساسية الأمر. ومع ذلك معروف أن بين أكبر الخبراء في العالم على صعيد حفريات من هذا النوع شركات أميركية متخصصة في محاربة الأنفاق على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وفي كل حال، فإن مشروع إنشاء جدار تحت أرضي كان قد نفذ بطريقة ما من جانب الجيش المصري بخبرات أميركية على طول الحدود مع قطاع غزة. وليس معروفاً إن كان فشل المشروع من الجانب المصري يعود إلى عدم جديته، أم إلى قلة الخبرة المستخدمة فيه. وهذا ما تحاول إسرائيل تجنب الوقوع فيه. وتتنافس حالياً على العطاء الأول أربع شركات، بينها كبرى شركات المقاولات الإسرائيلية المعروفة باسم «سوليل بونيه» التي نفذت حتى الآن تجربة بناء جدار بطول مئات الأمتار فقط.
وتقدر تكلفة بناء الجدار تحت أرضي هذا، والذي يشكل خط الدفاع الإسرائيلي الجديد في مواجهة قطاع غزة، بما يزيد عن ملياري شيكل (أكثر من 500 مليون دولار) ما يعني أن قيمة عطاء المقطع تبلغ بضع مئات من ملايين الشواقل. وتأمل إسرائيل أن يحل لها الجدار تحت الأرض بشكل نهائي خطر الأنفاق الهجومية من قطاع غزة ليشكل لها نوعاً من «قبة حديدية» تحت أرضية موازية لـ «القبة الحديدية» ضد الصواريخ على سطح الأرض.
تجدر الإشارة إلى أن كبير المعلقين في «يديعوت»، ناحوم بارنيع، كان أشار قبل حوالي أسبوع إلى الجدار تحت الأرض هذا، موضحاً أن وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، كانت أول من عرضت فكرته على الجيش في العام 2014 بعدما درست الفكرة مع مهندسٍ مقربٍ منها. وتقوم فكرة الجدار تحت الأرض على أساس بناء «جدار سيلاري»، وهو خندق توضع فيه مواد معينة ليّنة تنتفخ وتخلق ضغطاً معاكساً، الامر الذي سيردع «حماس» من حفر الانفاق الى داخل اسرائيل.
ولكن الفكرة عند عرضها على الجيش قوبلت بالرفض باعتبار أنها مكلفة جداً من الناحية المالية. في حينه، تم تقدير تكلفة المشروع بأكثر من 20 مليار شيكل، لكن حالياً التكلفة تدور حول 2.5 مليار شيكل فقط.
وكتب بارنيع أن «المشروع الحالي قام بإعداده عيران أوفير، من وزارة الدفاع، والذي لعب دوراً مركزياً في بناء العائق على طول الحدود مع مصر. الفكرة تبدو واعدة، وفي الجيش، يقتنعون أنه بعد اقامة العائق تحت ارضي، فإن مستودعات سلاح حماس ستصبح فارغة. والقبة الحديدية ستسقط الصواريخ. والجدار سيُفشل الانفاق. وتبقى الراجمات بالطبع، ومع وجود اختراع أو اختراعين لم نفكر بهما بعد سيتم حل المشكلة. إننا نعرف كيفية ايجاد اختراع لمشكلة الانفاق، لكننا لا نعرف ايجاد اختراع ضد اليأس».
(السفير)