انكسارات على أبواب حلب في انتظار لقاء بوتين وأردوغان خليل حرب
من «ملحمة حلب الكبرى» الى «الغضب لحلب» ثم الى.. «غزوة». الموجة الثالثة ـ او الرابعة لا فرق ـ التي اعلنها ما يسمى «جيش الفتح» بقيادة «جبهة النصرة» ومَن التحق به من فصائل، انكسرت على ما بدا في ساعات الليل الاخيرة.
ايقاع الهجمات، وتكسر اندفاعات الهجوم «الجهادي» على محاور حلب الجنوبية الغربية، لها صدى ابعد من المدينة الحلبية، قبل خمسة ايام من القمة المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، والتزام موسكو ما يشبه الصمت الكامل بشأن جثث جنودها المقتولين في ادلب حتى الآن، بعدما كانت صحيفة روسية تحدثت عن «انذار روسي» وشيك بشأنهم.. ولم يصدر.
وهكذا، كما جرت العادة، تبادل شيوخ التحريض محاولات شحذ همم المسلحين للاندفاع مجددا نحو الجبهات الحلبية جنوبا وغربا، حيث انتظرتهم تحصينات الجيش السوري والحلفاء وغارات السلاح الجوي التي يبدو انها انزلت بهم ضربة مميتة في منطقة رحبة خان طومان التي كانوا استولوا عليها قبل اسابيع عدة، في ريف حلب الجنوبي، وكانوا يتجمعون فيها استعدادا للانطلاق باتجاه محاور القتال.
من السعودي عبدالله المحيسني الى القطري ـ المصري يوسف القرضاوي، تبدلت لهجة الثقة من الحسم السريع، وكلمات الملحمة والمعركة الكبرى، الى عبارات الدعوة والابتهال و… «الغزوة»! اللافت في الخطاب المعمم امس استذكار «ابراهيم اليوسف» لتحمل «الغزوة» اسمه، وهي خطوة لا تقتصر على تجسيد خيانة العسكري لرفاقه في العام 1979 في حلب خلال المواجهة بين الدولة وجماعة «الاخوان المسلمين» و «الطلائع»، وانما تعكس التفاف الفصائل «الجهادية» الحالية حول رمز «اخواني».
وبحسب آخر المعلومات المتقاطعة، الانجاز اليتيم وهو لم يكتمل على ما يبدو حتى ساعة متأخرة من الليل، تمثل في التقدم نحو تلة العمارة، واندلاع اشتباكات عنيفة، ونشوء خلافات حادة بين المجموعات المسلحة بسبب تعثر إحكام السيطرة عليها. الحشود المتكسرة على مختلف الجبهات، لم تعد تتمتع بالزخم ذاته قبل خمسة ايام، وجرى حثهم على الهجوم مجددا بصورة قسرية بعدما ارتكب إعلامهم الخطأ الجسيم برفع سقف خطاب المعركة والتهويل بتحقيق انجازات كبرى وسريعة، بدت لا مكان لها في وقائع الميدان، بما في ذلك الحديث عن كسر «حصار حلب» او احتلال الراموسة.
«الضربة النوعية» كما وصفها «الإعلام الحربي»، كانت للجيش السوري وحلفائه واسفرت عن مقتل وجرح أكثر من 40 مسلحاً وتدمير دبابتين وثلاث سيارات محملة برشاشات ثقيلة وآلية «بي ام بي»، بعد وصول معلومات عن تجمع لهم في منطقة رحبة خان طومان، حيث استهدف الطيران الحربي السوري والروسي ووسائط المدفعية المباشرة مكان التجمع اثناء تجهيزهم للانطلاق باتجاه نقاط ومواقع الجيش السوري.
لن نعلن عن أي تحرير حتى انتهاء هذه المرحلة حرصا منا على سير المعركة. الدعاء لإخوانكم وابنائكم (جيش الفتح).
وغداة رفض المحيسني الاقرار بفشل الهجوم على حلب قائلا انه «لم يبدأ بعد.. وانتظروا هجوما شرسا من محور لم يخطر على بالكم»، ثم انكسار الهجوم، خرج القرضاوي ليل امس ليطلق الدعاء من اجل «انتصار حلب». «الفايننشال تايمز» كانت تشير الى أن استعادة الجيش السوري لمنطقة شرق حلب التي حوصرت فيها فصائل معارضة، ستحرم مَن وصفتهم القوات المتمردة «المعتدلة» من تمركزهم في مدينة رئيسية كحلب، وقد تشكل هذه الاستعادة، المرحلة النهائية من «الثورة» التي بدأت في العام 2011 ثم تحولت إلى «تمرد».
ومن الثابت ان اعتماد الفصائل المهاجِمة، وهي بغالبيتها تحت الحضن التركي، على انقرة لم يتبدل حتى الآن، باعتبار ان هجوما واسعا كهذا لا يمكن ان يعد وينفذ من دون الرعاية التركية المباشرة، على الرغم من انشغال المخابرات التركية بأعباء ما بعد المحاولة الانقلابية. وبحسب ترجيح مصادر متابعة، فان ما يبدو انكفاء الشريك التركي في المعركة، يبدو ظاهريا، في حين ان «خلط الاوراق» الحاصل في الشمال السوري، والاخفاق العسكري للمسلحين، يؤرقان القيادة التركية عشية لقاء سان بطرسبرغ بين بوتين واردوغان الذي هو الاول بينهما منذ شهور، والاول منذ «الانقلاب» الفاشل في منتصف تموز الماضي.
تدرك أنقرة كما طهران ودمشق وغيرها من العواصم، ان المشهد الحلبي يشكل منعطفا اقليميا كبيرا. رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي اعلن في العاصمة السورية امس ان «الانتصار» الحاصل، سيغير خريطة القوى في المنطقة. وبهذا المعنى، فان التقدير الاساسي للموقف التركي ينطلق من فكرة ان أنقرة تحاول التصرف كأنها تحافظ على حصتها الكبرى في الصراع القائم في حلب، قبل ذهاب اردوغان الى سان بطرسبرغ تقديرا لموقف بوتين من «الانقلاب»، ولإعادته العلاقات الى طبيعتها مع انقرة بعد شهور الجفاء الاخيرة.
لكن اردوغان بالتأكيد لا يريد الذهاب مجردا مما يراه «الاوراق السورية» القوية بين يديه. وغالب الظن، ان بوتين سيضع امامه، الى جانب قضايا اخرى كبرى، ملف الجنود الروس المقتولين في ادلب، لا من اجل استعادتهم فقط، وانما لإحراجه ومحاولة الحصول منه على تنازل سوري حيوي، كاغلاق الحدود امام الفصائل المسلحة، والمساهمة في اغلاق معسكرات التنظيمات «الجهادية» المتحركة بحرية مفضوحة بالقرب من الحدود التركية، والآن في هجوم حلب عبر الفصائل المحتضَنة تركيًّا والتي تقوم بدور رأس الهجوم على المدينة. حلب اضحت رهانا روسيا كبيرا بعد تحرير تدمر قبل شهور، ورمزا لقدرة موسكو على ترسيخ دورها الاقليمي.
تتحدث التقارير الميدانية عن مئات الغارات التي شنها سلاح الجو الروسي خلال الايام الخمسة الماضية في محيط «الطوق الحلبي» لمنع كسر خطوط الدفاع السورية عن العاصمة السورية الثانية. وبالعمل الى جانب سلاح الجو السوري، جرى ضرب مواقع للمسلحين في كل محاور القتال المباشرة، وابعد منها في خان العسل والمنصورة ومعراتا والزربة وضهرة عبد ربه وخان طومان واورم الكبرى وكفر حمرا.
وقد تقدم الجيش السوري في منطقة «مشروع الـ1070» بعد مواجهات عنيفة منع المسلحين، وتصاعدت حدة الاشتباكات في منطقة الراموسة. وذكر مصدر عسكري يقود عمليات الجيش في المنطقة، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، أنه «بعد فشل هجوم المسلحين على كلية المدفعية (المجاورة للراموسة) عبر ثلاثة محاور، حاولت مجموعات أخرى التقدم في المنطقة من المحور الشمالي الشرقي عبر منطقة الشيخ سعيد، لكنها فشلت في احراز أي تقدم»، مضيفاً: «المعركة أضحت مكلفة جدا للمسلحين وأعتقد أننا سنشهد في الأيام المقبلة انسحابات بالجملة لعدد كبير من الفصائل المتحالفة بقيادة جبهة فتح الشام (النصرة سابقا)».
ونجح الجيش في صد هجوم على قرية منيان، بوابة مدينة حلب من جهة الغرب، حيث حاول المسلحون تحقيق خرق بعد فشلهم في التقدم عبر الجهة الجنوبية الغربية.
الأمم المتحدة
أعرب نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، رمزي عز الدين رمزي، عن ثقته في استئناف مفاوضات السلام السورية بنهاية آب الحالي، مشيراً إلى وجود جهود ديبلوماسية مكثفة بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن هدنة إنسانية.
وقال رمزي، في ختام اجتماع في جنيف لمجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الانسانية الى سوريا، إن الولايات المتحدة وروسيا تخوضان نقاشات مكثفة «لتعزيز» الهدنة المنهارة، لافتاً إلى أن خبراء البلدين العسكريين ما زالوا يحاولون الاتفاق على خطة تعاون «تؤدي إلى حل شامل».
البيت الأبيض
لم تُخفِ الإدارة الاميركية أن الأولوية في سوريا يجب أن تعطى لهزيمة «داعش» لكنها لا تزال تأمل في «تغيير النظام» في دمشق، حسبما صرح به الناطق باسم البيت الابيض جوش إيرنست.
وقال إيرنست: «لا شك أننا نعتبر أنه يجب إعطاء الأولوية لهزيمة المتطرفين. للأسف، لا تتفق العمليات العسكرية الروسية مع هذه المقولة، إن العسكريين الروس يولون جزءا كبيرا من اهتمامهم ومواردهم ووقتهم وطاقتهم لدعم نظام الأسد، والنتيجة هي مزيد من الفوضى في سوريا».
وتهرب الناطق باسم البيت الأبيض عن الإجابة على سؤال عما إذا كانت واشنطن مستعدة لقصف مواقع «جبهة النصرة» إلى جانب روسيا، واكتفى بالتذكير بأن الولايات المتحدة قالت مرارا إنها كانت سترحب بـ «تركيز روسيا الكامل على هزيمة المتطرفين، بدلا من استخدامها قوتها العسكرية لدعم نظام الأسد، فلو اتخذت روسيا هذا الموقف لكانت الولايات المتحدة وشركاؤنا في التحالف على استعداد للتعاون معها بشكل أكثر فعالية بكثير، لكن روسيا تأبى فعل ذلك».
كما تجنب إيرنست الرد على ملاحظة أحد الصحافيين أنه لا توجد في سوريا حاليا معارضة «معتدلة» تواجه القوات الحكومية.
(السفير)