بقلم غالب قنديل

الاختلاف الروسي الأميركي حول سورية

غالب قنديل

أثار تقدم الجيش العربي السوري والقوى المؤازرة بدعم جوي روسي في حلب غضبا وارتباكا ظاهرين في واشنطن فقد أبرزت التصريحات الأميركية ثلاثة مواقف متباينة حول مضمون العلاقة التنسيقية بين الإدارة الأميركية وحكومة روسيا الاتحادية :

أولا تراقصت تصريحات جون كيري وزير الخارجية الأميركية بين تأكيد التفاهمات مع روسيا حول لائحة الإرهاب وشمولها لجبهة النصرة بما في ذلك قواتها تحت يافطتها الجديدة فتح الشام ومن حولها من فصائل إرهابية تتسم بالطابع التكفيري القاعدي ومن ثم نفي التفاهمات ودعم جهود قطرية تركية سعودية واضحة لتعويم النصرة بادعاء انفصالها عن القاعدة وهو ما اتضح طابعه الشكلي والمسرحي بالكيفية التي ظهر فيها ذلك الإعلان كطلاق رضائي معد سلفا ولم يخف كيري اعتراضه الواضح على عمليات الجيش العربي السوري وحلفائه وخصوصا على مشاركة القوات الجوية الروسية في ضرب مواقع الإرهاب خلافا لما أشيع بعد لقاءاته المتكررة مع نظيره الروسي الوزير سيرغي لافروف وهو ما استدعى ردودا روسية قاسية تولاها معاونو الوزير الروسي .

ثانيا تميزت بعدائية شديدة مواقف آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي الجمهوري الذي عينه اوباما خلفا لسابقيه من الجمهوريين ( روبرت غيتس وجون بانيتا ) اللذين اختارهما الرئيس الديمقراطي منذ انتخابه تلبية لتوجيهات المؤسسة الحاكمة وقد أصدر كارتر مواقف علنية ضد روسيا والدولة الوطنية السورية انطلاقا من معارك طوق حلب وقد سبق له ان قدم غطاءا سياسيا لتجهيز الجماعات الإرهابية منذ اتفاق وقف العمليات العسكرية بأسلحة حديثة ولا سيما الصواريخ المضادة للطائرات التي استهدفت طوافة روسية في مسرح القتال برسالة واضحة من البنتاغون لردع العمليات الروسية الداعمة لجهود الجيش العربي السوري وحلفائه في محاصرة مواقع الإرهاب داخل احياء حلب الشرقية .

ثالثا بالمقابل أصدرالرئيس باراك اوباما موقفا احتوائيا ودبلوماسيا حول التمسك بالتعاون الروسي الأميركي في محاربة الإرهاب وفي التعامل مع الوضع السوري .

اظهر كلام اوباما حرص البيت البيض في الأشهر المتبقية من ولاية اوباما على عدم كسر الجرة مع الرئيس فلاديمير بوتين والذهاب إلى صدام وقطيعة مع روسيا الاتحادية انطلاقا من التسليم بتوازن القوى الدولي ولترك الباب مفتوحا امام المساومات الممكنة على مستقبل سورية دون ان يعني ذلك التراجع عن الأهداف الأميركية المعروفة والتي يتصدرها السعي لإطالة امد استنزاف الدولة السورية ومتابعة تشغيل فصائل الإرهاب وإعادة توجيهها انطلاقا من سورية نحو اهداف جديدة ستحددها الإدارة الأميركية المقبلة سواء كانت في روسيا ام الصين ام إيران ام في مصر او تركيا وغيرها من الدول التي قد ترتأي دوائر التخطيط الأميركية الجديدة بعد مغادرة اوباما للبيت الأبيض اعتمادها كساحات لحروب جديدة بالوكالة بهدف إخضاعها واستنزافها بالإفادة من دروس التجارب في سورية والعراق وليبيا وهذا ما ستقرره نتائج الانتخابات بين كلينتون وترامب.

لا تعكس المواقف الاميركية المتباينة اختلافا جديا في التعامل مع الوضع السوري بقدر ما تعكس تباين المواقع والأدوار في المرحلة الانتقالية الراهنة وضمن الاستراتيجية الأميركية ذاتها وهي تقوم على اختلاف حاسم في الأهداف والتوجهات مع الاستراتيجية الروسية وأبرزها :

1-    روسيا تسعى للقضاء على الإرهاب ومنع ارتداده وانتقاله بينما تريد الولايات المتحدة احتواء الإرهاب وإعادة تشغيله ونقله وتوجيهه نحو أهداف تخدم مصالحها.

2-    روسيا تساهم في القضاء على الإرهاب لحماية وحدة سورية ولحماية شعبها وهي تلتزم بمبدأ الحل السوري السوري وبدولة وطنية علمانية يشارك فيها الجميع وفقا لإعلان فيينا والولايات المتحدة تسعى لمنع تعديل التوازنات ولتثبيت خطوط التماس لطرح الفدرالية بعد استنزاف الدولة المركزية وتحاول إقحام عدد من عملائها في المعادلة السورية القادمة.

3-    روسيا تعتبر ان فصائل الإرهاب القاعدية وداعش وسواها من المسميات تنتمي إلى عقائد التكفير الإرهابية وتدرك ان بعض تلك الجماعات يعمل للانتقال إلى روسيا والصين وبعض الدول المحيطة وهذا ما قد تسعى إليه الولايات المتحدة فعليا خلال المرحلة المقبلة.

4-    روسيا تتبنى مبدأ توحيد الجهد الدولي والإقليمي لمحاربة الإرهاب وفقا للقانون الدولي انطلاقا من مجلس الأمن وبالشراكة مع السلطات الشرعية والدستورية السورية والولايات المتحدة تتمسك مع حلفائها بالتدخلات العسكرية والسياسية غير المشروعة التي تستهدف مستقبل سورية السياسي وبنية دولتها خلافا للقوانين الدولية وهي تعمل مع هؤلاء الشركاء الإقليميين والدوليين لإطالة امد الحرب عبر مواصلة دعم الجماعات الإرهابية التي تشغلها وتمولها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى