مقالات مختارة

حلب: مراوحة في خطوط التماس.. ومعركة الإرادات الإقليمية محمد بلوط

 

هدوء ما قبل العاصفة. حلب التي امتصت اربع موجات متتالية من الهجمات على جناحها الجنوبي الغربي، من دون ان تنكسر، تنتظر موجة جديدة من الهجمات خلال الساعات المقبلة. المهمة ستكون اصعب للمجموعات المسلحة التي شاركت في الموجات الاولى من عملية «ملحمة حلب الكبرى» خصوصا، انها تفتقد عنصر المباغتة في الجولات المقبلة، وانها منيت بهزيمة كبيرة مضاعفة لانها اصابت العمود الفقري للقوات التي تقاتل الجيش السوري، التي تضم «جبهة النصرة» و«احرار الشام«.

مصدر ميداني في المعارضة السورية قال لـ«السفير» ان شبكته التي تراقب الميادين، احصت اكثر من الف جريح في معارك الايام الاربعة الماضية. ادلب وحدها استقبلت اكثر من ستين مقاتلا من ابنائها الذين سقطوا على اعتاب حلب في صفوف «جيش الفتح». التقديرات في غرفة عمليات الجيش السوري، غربي حلب، تشير الى سقوط اكثر من ٢٥٠ قتيلا من المهاجمين. الحزب الاسلامي التركستاني، الذي قدم الانغماسيين وانتحاريين في الهجوم على مدرسة الحكمة، لم ينشر خسائره. وجريا على عادتها، لم تنشر «جبهة النصرة» ارقامها من المقاتلين العرب في صفوفها. الخسائر الكبيرة في صفوف المهاجمين، وقلتها في صفوف المدافعين، تعود بشكل خاص الى كونها معركة مدفعية، ومدرعات وصواريخ. مسؤول في غرفة عمليات الجيش في حلب قال لـ «السفير»، ان المعارك لم تشهد اشتباكات عن قرب، وان الراجمات والصواريخ والمدافع والقذائف الموجهة سادت خلال الايام الاربعة.

المعركة شهدت قصفا اعلاميا، أدارته غرفة من «الهواة» ينتمون الى قنوات فضائية عربية، لتسهيل تمرير الشائعات الكاذبة، تبين بعد الهدنة الطوعية، انها بالغت في «الانتصارات» لا سيما في اعداد الاسرى من «حزب الله»، الذين لم تستطع ان تخرج صورة وحيدة لهم، فضلا عن ايصال مقاتلي المجموعات المسلحة الى الراموسة، الممر الاساسي لحلب الغربية مدنيا وعسكريا، نحو السفيرة، وحماه، فيما كانت قوافل الامداد تعبر، ولم تتوقف الا لساعتين بسبب رصاص القنص، وحاصرت المعاهد العسكرية والفنية وكلية التسليح، وفرضت الحصار على حلب، فيما كان الجيش السوري يستوعب الهجوم ويستعيد المبادرة على اكثر الجبهات.

معركة الايام الاربعة استوعبت الهجوم. المجموعات التي قادتها «جبهة النصرة»، من خلال «جيش الفتح» حققت انجازا نسبيا من خلال السيطرة على مدرسة الحكمة، وقرية المشرفة، التي وضعتها في مواجهة تحصينات الجيش السوري في كلية التسليح. واحتفظت بتلة واحدة هي تلة كتيبة الصواريخ. التلال الاخرى استعادها الجيش السوري تباعا: تلة الحويزة، وقريتها، تلة الصنوبرات، تلة المحروقات. الاختراق حول كتلة الـ١٠٧٠ (شقق) في اقصى جنوب الجبهة، للالتفاف على الراموسة، لم يتوسع. اللجان الشعبية تخلت عن الجبهة امام تقدم «جبهة النصرة»، الى ان استعاد الجيش المبادرة في المنطقة.

ثمانية الاف جندي سوري وحليف، واجهوا عددا مماثلا من المهاجمين. النفق الذي بدأت المجموعات المسلحة حفره من العامرية نحو الراموسة بطول ٩٠٠ متر، منذ شهر شباط الماضي، لم يؤد تفجيره الى تغيير في مجرى العمليات، وفشل المهاجمون في الوصول الى المعبر، لان الجيش كان لا يزال يتحكم بمفصل الوصل مع حي العامرية، الذي جاءوا منه، من خلال سيطرته منذ العام ٢٠١٢ على كتلة الابنية في مدخل الحي لحماية حلب من اي تقدم نحو الراموسة.

الهجوم الذي لم تشهد له حلب مثيلا منذ العام ٢٠١٢ والغزو السلفي التركي لقطاعها الشرقي، سقط بسرعة لاستعجال المهاجمين التقدم نحو معبر الراموسة، من دون استكمال السيطرة على النقاط التي استهدفوها. اذ تقدموا الى المشرفة، لكنهم احجموا عن اختراق تحصينات «كلية التسليح»، للتوجه نحو الراموسة. كما ان الهجوم من الشرق من العامرية، لم يتقدم خطوة واحدة، بعد فشل خرق تحصينات الجيش بتفجير النفق. الهجوم على الشقق الـ١٠٧٠ توقف عند الكتلة الاولى، مما سمح للجيش بالعودة بسرعة وصد المهاجمين.

الغارات الجوية ايضا استنزفت الاعداد للهجوم قبل انطلاقه. فخلال الليل استطاعت «السوخوي» تدمير قسم كبير من ستين مدرعة وآلية كانت ستشارك في «ملحمة حلب الكبرى». الخلافات بين «نورالدين الزنكي» و «جيش الفتح» ايضا ساهمت في هزيمة المجموعات المسلحة . «الزنكي» ترك الجبهة الغربية الشمالية، التي فتحت لاشغال الجيش، لـ «جيش الفتح»، وتم تأجيل الهجوم بسبب ذلك الى اليوم التالي، مما افسح في المجال امام الجيش للتفرغ للهجمات في اقصى الجنوب الغربي. وعندما تقدم انغماسيو التركستان لفتح الطريق للمقاتلين في الخط الثاني للهجوم، في مناشر «منيان» التي تتيح لهم سيطرة نارية على الخط الاول من حلب الجديدة التي لا تبعد عنها اكثر من ٥٠٠ متر، امرت غرفة عمليات الجيش، القوة المدافعة عن الموقع بالانسحاب ٢٠٠ متر . صواريخ «زلزال» تولت ابادة الموجة الانغماسية التركستانية، فقد خلالها الجيش شهيدين. المهاجمون فقدوا ٤٢ قتيلا، الجيش استطاع سحب عشرة منهم بقوا على ارض المعركة.

الحرب ستدور كلها حول «كلية التسليح»، المفتاح الرئيسي لمعركة المجموعات المسلحة لمحاصرة حلب. الخاصرة الجنوبية الغربية للمدينة، التي يبلغ طولها ٢٠ كلم، ستشهد هجمات جديدة لانتزاع الكلية. الموقع الذي يمتد من الراموسة نحو الجبهات الغربية، اكثر من اربعة كيلومترات، استقبل تعزيزات من ألوية الحرس الجمهوري التي انتزعت معامل الليرمون شمال غرب حلب، واقفلت الطوق الحلبي على مسلحي شرقي حلب خلال ثماني ساعات. الكتائب التى تدافع عن الكلية، وتقاتل في هذه الجبهة تملك خبرة كبيرة في مواجهة «جبهة النصرة»، والانتحاريين والمفخخات، لانها واجهت موجات كثيرة منها، وقاتلت اكثر من عام في قلب حصار سجن حلب المركزي، قبل ان تحقق الاتصال مع قوات سهيل الحسن.

«ملحمة حلب الكبرى» لم تغير شيئا، لا في الاستعدادات لعمليات اخرى، ولا في إلهاء الجيش عن مواصلة القضم في مخيم حندرات شمالا، والوحدات المقاتلة لم تفقد وتيرة التقدم رغم اشتعال جبهات الجنوب والغرب في المدينة، ليس لاستكمال الطوق فحسب، وانما لتعزيز ممرات اخرى للمدنيين والجيش، في حال تقدمت المجموعات المسلحة نحو الممر الحلبي الجنوبي في الراموسة. لم يتغير شيء ايضا في حركة طائرات النقل العسكري التي لا تزال تحمل يوميا الى مطار النيرب، تعزيزات من الحلفاء الايرانيين والعراقيين نحو حلب. الرحلات لم تعرقلها «ملحمة حلب الكبرى» ولا الطرق الاعلامي. التعزيزات لا تستهدف الدفاع عن حلب فحسب، ولكنها تدخل في نطاق الاستعدادات الجارية لفتح معركة ريف حلب الجنوبي مجددا، والتوجه مجددا نحو خان طومان، وتلة العيس، ومنها الى هدف ابعد لفك الحصار عن كفريا والفوعة.

اكثر من اربعة كيلومترات، من جدران «كلية التسليح» وتحصيناتها غربي حلب، وحتى حي العامرية جنوب شرق حلب، هي المسافة التي ينبغي ان تقطعها المجموعات المسلحة، لاعادة خط الامداد مع المجموعات المحاصرة في شرق المدينة، واسقاط الحسم السياسي في سوريا.

لائحة طويلة من المجموعات تقود الحرب في حلب: جبهة النصرة، صقور الجبل، احرار الشام، فيلق الشام، اجناد الشام، لواء الحق، نورالدين الزنكي، والفرقة ١٦، والحزب الاسلامي التركستاني. اللائحة كلها تنتمي الى محور قطر والسعودية وتركيا. تقودها مباشرة الاستخبارات التركية. تقول معلومات غرفة العمليات السورية في حلب ان هؤلاء يعدون الموجة الثانية من الهجوم. عشرات الانغماسيين بدأوا الاستعداد في صفوف التركستاني، وخمس مفخخات يجري اعدادها للجولة المقبلة.

الجولة الاولى للمعركة انجلت عن استمرار خطوط التماس، وخريطة القتال في الشمال السوري على حالها، دون ان تظهر حتى الان نتائج الانقلاب التركي على مستوى الدعم العسكري واللوجستي الذي تقدمه تركيا للمجموعات المسلحة في الشمال السوري، خصوصا في حلب. ولا يزال كسر الارادات الاقليمية عنوان معارك حلب، خصوصا ان ميدان القتال، والهجوم على حلب غربا وجنوبا، لا يزال يعتمد بشكل واسع على القواعد الخلفية في تركيا، ويتصل بخطوط امداد مفتوحة، من دونها سيكون مستحيلا على المجموعات المسلحة، ادارة معركة تتطلب دفقا مستمرا من الاسلحة والذخائر، من دعم وتنسيق تركي او عن طريق تركيا في الحد الادنى. كما ان انخراط الاميركيين في الرهان على اطالة الحرب، ومواصلة استنزاف الجيش السوري وحلفائه لا يزال قائما، بل وتطور مباشرة ولم يعد يمر عبر وسطاء، مما يظهر ان الولايات المتحدة، لن تكتفي بالتفاهم مع الروس، للبقاء في سوريا، ولن تقبل بالبقاء فيها تحت شروط روسية، حتى الان.

الشريط الذي وزعه الجيش السوري عن صناديق لصواريخ «تاو» في مستودع للفرقة ١٦، بعد هروبها من حي بني زيد، يبين ارقاما تسلسلية (دي اي اي اتش ٠١-٧٤سي٠٥٤٤) تشير الى عقد موقع مع الجيش الاميركي في العام ١٩٧٤. ويعني ذلك ان الجيش الاميركي قدم من مخازنه اسلحة وصواريخ للفرقة ١٦ ، ومجموعات اخرى. وتظهر في الشريط على الصناديق نفسها، اشارات من الجيش الاميركي تظهر ان اخر عملية صيانة، تعيير للصواريخ ، قبل تسليمها تعود الى ايار من العام ٢٠١٥. وكانت هذه المجموعات في الشمال السوري، بحسب معلومات فرنسية لـ «السفير»، قد تلقت صفقة اسلحة ومعدات سعودية قبل اشهر. وتقول معلومات لـ «السفير»، ان السعوديين طرحوا مناقصة لشراء معدات وتجهيزات فردية لثلاثين الف مقاتل، عبر وسيط لبناني في باريس، وان دولا من اوروبا الشرقية تقدمت الى المناقصة، كما تقدمت شركات فرنسية واسبانية، واسرائيلية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى