الوحش الذي يفتك بشبابنا
غالب قنديل
تؤكد التقارير والتقديرات أن السنوات الأخيرة تشهد ارتفاعا هائلا في معدلات البطالة وتراجعا دراماتيكيا في فرص الهجرة للعمل في الخارج ما يعني تزايدا ضخما في أعداد الشباب المهمشين الذين ترميهم قلة فرص العمل في حالات من اليأس وتدفع بهم نحو آفات خطيرة تفتك بالمجتمع اللبناني المعرف سكانيا بأنه مجتمع فتي قياسا لمعدلات الأعمار.
في الثانويات والجامعات اللبنانية جرى الكشف مرارا عن شبكات للدعارة ولترويج المخدرات ويمكن الجزم بان ما لم يكشف عنه أدهى واخطر وفي الأحياء الشعبية تنتشر تلك الشبكات على نطاق واسع عبر المقاهي ومحلات النارجيلة التي تصل البيوت معززة مكرمة وعلى بعضها رشة او خلطة مخدرة كما تردد التحقيقات الصحافية وكما يردد الناس العاديون وفي بعض تلك الدكاكين اعشاش للمروجين يصطادون عبرها الزبائن ويطلقون حملات مربحة لمضاعفة أعداد المدمنين وتوسيع سوقهم.
تلاحقت مؤخرا عمليات ناجحة لقوى الأمن ضبطت خلالها ملايين حبوب الكبتاغون المعدة للتهريب وهي تستدرج السؤال عن الملايين المكدسة للترويج داخل لبنان وعن المعامل المنتجة وعن الرؤوس الكبيرة التي تديرها وتحميها لتطلق تلك الآفة التي تستلب عشرات الآلاف وترمي بهم في غياهب الشلل والعته وتدفع الكثير منهم في عالم الجريمة وإلى سلوكيات انتحارية مدمرة فالسؤال ليس فحسب عما ينتجه لبنان من المخدرات لتصديره بل عن الكميات المستهلكة في لبنان والتي تسري في شرايين الشباب اللبناني لتسلب العقول وتدفع عشرات آلاف الشباب في الغيبوبة.
لا نعرف شيئا عن رؤوس تلك الشبكات التي تنتج وتستورد وتروج المخدرات وتغزو بها الأحياء والجامعات والمدارس وعلب الليل وتخترق الشلل الشبابية في كل مكان من لبنان ولم تقدم طيلة سنوات أي معلومات رسمية عن هذا الأخطبوط ما يعني انه يعمل على راحته دون منغصات ويحظى بحمايات إجرامية يقدمها سياسيون وامنيون كبار والدليل في ما تردد عن ترويج المخدرات داخل السجون نفسها التي يخرج منها مدمنون صغار وقد جرى اعتمادهم خلف القضبان ضمن شبكات الترويج والبيع كما بينت محاكمات وتحقيقات كثيرة.
تتعدد العناوين : من الحشيش إلى الكابتاغون وحتى المشروبات المنشطة التي تحظرها الدول المتحضرة وتمنع الإعلان عنها ولكن تبث إعلاناتها جهارا في لبنان واكثر من ذلك يربط المعلنون تعاطيها بوجوه المتعة والغواية الجنسية إنها ادوات مشرعة لتدمير الطاقة الشابة في المجتمع اللبناني وهي طاقة تائهة نتيجة الفراغ واليأس والإحباط وتلك توصيفات تدور على جميع الألسنة وفي جميع المناطق لظاهرة هي نتيجة القحط السياسي والفراغ الثقافي واختفاء الرياضة الشعبية لصالح شركات التسويق الرياضي والإعلانات الرياضية التي يديرها الرأسمال العقاري والمصرفي كسواها وكذلك بنتيجة إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية التي كانت مدرسة لتنشئة الشباب وطنيا ولدفعهم في التفاعل الحي مع هويتهم وانتمائهم داخل مؤسسة الجيش .
للمخدرات خرائطها الطبقية وهي تصنف على حسب قدرة الشاري ولذلك من البديهيات ان للطبقة المترفة عالمها الخاص وهي مثال التفسخ والانحلال في إدمان منظم على اطباق ذهبية تدور في الحفلات المعتمة التي تشهد شتى انواع الفجور لاسيما لو تصدرها زائر من كبار الأثرياء او الزعماء او من الامراء الذين تعد لهم سهرات بكامل التخت الموسيقي وسائر التخوت الراقصة حيث يقبض المتعهدون مبالغ طائلة عن ليلة واحدة وفقا لعدد ” المضيفات ” و”تحويجة” الضيافة ونوعية البرنامج الفني وحجم المشاركات والمشاركين في وكر الفجور الراقي !
إنه مشهد لبناني مخفي لا يفصح عنه، بينما تتردى الحياة السياسية وتنهار القيم وتنشغل وسائلنا الإعلامية الغارقة بتفاهة الاستهلاك والابتذال وبدافع الإثارة في مطاردة بعض الجرائم الصغيرة لكن الجرائم الكبيرة المسكوت عنها هي جزء من لعبة بات بعض الإعلام منخرطا فيها وشريكا احيانا في توفير الخدمات واللوازم وعلى الهواء مباشرة. مسخرة ومأساة في آن معا والمطلوب قرع الجرس لنفير وطني حتى لا نفيق فجاة على ركام جيل تلف بمعظمه وتلاشى في غيبوبة لا صحو منها !