منافقون يتصدّرون الإعلام والسياسة: دي ميستورا ـ ولد الشيخ ـ العسيريان هولاند ـ كي مون ـ كلينتون
ناصر قنديل
– يحتلّ جمع من المنافقين واجهة الأحداث السياسية العالمية والإقليمية الكبرى، يمكن أن نستثني منهم الكثير في هذه المقالة لعدم اتساعها لهم جميعاً، خصوصاً من ينشغل منهم بمصائبه كحال الرئيس التركي الذي أقسم أغلظ الإيمان بأنه سيصلي في المسجد الأموي في دمشق أو في حلب، ولم يفعل ما يليق بكلّ زعيم أو قائد أن يفعل عندما تسقط خططه وتفشل أو يدّعي أنّ المتغيّرات قد قلبت سلّم أولوياته بأن يشرح ذلك ويعلن التغيير، أو كمن قال إنه سيأتي بيروت عن طريق مطار دمشق وتناسى القول، وصار يرمي تهمة ربط الوضع اللبناني بما يجري في سورية على سواه، أو مَن رفع يافطات جبهة النصرة كقوة اعتدال ودعا إلى منحها امتيازات أمنية وعسكرية بما أسماه «نصرة لاند» أسوة بما حصلت عليه المقاومة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي في اتفاق القاهرة، وتناسى وراهن أنّ الناس تنسى.
– مَن يحضرون في قائمة المنافقين هنا ليسوا الغائبين عن المسرح منهم، بل الحاضرون هذه الأيام بألسنة طويلة وعيون من زجاج لا تعرف الخجل، يتقدّمهم المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الذي يتباكى على حصار بدأ منذ أيام على أحياء حلب التي يسيطر عليها المسلحون، ويعلم علم اليقين أنّ حصاراً ممتداً منذ سنوات على بلدتين قريبتين منها، لا يقلل من خطر الحصار وشأنه أن يكون المحاصرون بالآلاف، فدي ميستورا قال من قبل عن داريا إنّ المسألة الإنسانية لا تقاس بالعدد بل بالألم الإنساني. ودي ميستورا رئيس مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للأزمات، يعلم أنّ إصراره على ربط أيّ حلّ سياسي في سورية بإدماج فقرة فيه عن مستقبل الرئيس السوري هي نفاق مبالغ فيه، فلا يخجل ولا يرفّ له جفن إنْ سأله أحد ماذا لو عرض الرئيس السوري على المعارضة السورية ما تعرضه مسودّة الحلّ اليمني الأممية التي حظيت بموافقتك قبل عرضها على القوى الوطنية هناك، وأنت تعلم أنّ شرعية الرئيس السوري بالمعايير القانونية والدستورية قائمة بقوة الاحتكام لصناديق الاقتراع خلافاً للرئيس اليمني المنتهية ولايته، كما تعلم انّ الشرعية الشعبية المترجمة في الولاءات المعلنة وفي تماسك البنية الرئيسية للدولة حوله، خصوصاً الجيش والدبلوماسية والإدارة، لا يمكن المقارنة بينها وبين حالة منصور هادي الذي لم يجد لا في صنعاء ولا في عدن مَن يحمل علماً يلوّح له به ولا جندياً يرفع بندقيته دفاعاً عنه، وتعلم في المقابل أنّ المعارضة السورية نالت فرصاً للسيطرة على سورية لم تحظ بالبعض منها القوى الوطنية اليمنية التي سيطرت قبل الغزو السعودي على كلّ اليمن، رغم فوارق الحدود البرية المفتوحة لسورية والدعم الخارجي وشراكة تشكيلات «القاعدة» معها، مقابل الحصار الذي يواجه القوى الوطنية اليمنية ونقاء خيارها في مواجهة الإرهاب، وما تعرضه المسودة الأممية في اليمن، تسمح للرئيس السوري بالقول إنّ أمام المعارضة برنامج زمني للحلّ يقوم على تسليم مناطق سيطرتها للشرعية وتسليم الأسلحة خلال خمسة وأربعين يوماً، وبعدها يبدأ البحث في الملف السياسي، ماذا سيقول دي ميستورا سوى أنه منافق؟
– ولد الشيخ أحمد العامل في ملف اليمن كمبعوث أممي منافق كزميله وأستاذه دي ميستورا، فهو يعلم ما يعلمه معلمه، ولا يتساءل ماذا لو قالت القوى الوطنية اليمنية إنها ترتضي ما يعرض على المعارضة السورية من حيث نظام حاكم يشتبك مع معارضيه بالسلاح، ويتقاسمان الجغرافيا الوطنية كما في اليمن، مع فارقَين هما أنّ المعارضة السورية تشكل في مناطق سيطرتها جغرافياً في الشمال والجنوب، عبر التواصل الجغرافي وليس عبر محاكمة الخيارات والنيات، واجهة لتدخلات خارجية تركية وسعودية غير مخفية، والثانية أنّ القوى المهيمنة على الشق العسكري من المعارضة السورية هي تنظيمات إرهابية مجمع على تصنيفها كامتداد لتنظيم «القاعدة»، ورغم ذلك الضعف في وطنية وشعبية هذه المعارضة المطعون باستقلالها ونقائها، ترتضي القوى الوطنية اليمنية التماثل معها، وتقبل ما يُعرض عليها، من قبول بربطها ايّ حلّ أمني بالحلّ السياسي، وربط أيّ حلّ سياسي بشراكة في الحكم، ويترك لها حق التداول في ربط مصير الرئاسة بأيّ حلّ سياسي متداول، سيجيب إسماعيل ولد الشيخ أحمد أنه منافق كأستاذه.
– العسيريان العميد والسفير، الأول يقول إنّ السعودية ليست طرفاً في الصراع الداخلي في اليمن ويريد من الناس أن تصدّق أنّ حرب الإبادة التي تخوضها السعودية في اليمن منذ سنة، هي حرب لا تتصل بحماية فريق يمني أثبتت المواجهات الداخلية، وهو يمسك بمقاليد الحكم، أنه بلا تأييد شعبي، ولا يملك سوى الغزو السعودي لفرضه على اليمنيّين، وأنّ هذه الحرب هي ذروة التدخل في الشأن اليمني، وأنّ الفريق الذي تعتمده السعودية لا يجرؤ على التنفّس بكلمة على طاولة التفاوض بلا أمر ملكي سعودي، وأنه مجرد أداة سعودية، والعسيري الثاني السفير يريد للناس أن تصدق أنّ السعودية لا تتدخل في الشأن الرئاسي اللبناني، بل أنها تقف على مسافة واحدة من الأطراف اللبنانيين، وهو نفسه كان قد قال بعد الإعلان عن ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية، أن هذا الترشيح يحظى بدعم أسياده في المملكة قبل أن يتراجع ويتحدّث عن التوافق اللبناني، أما عن المسافة الواحدة من الأطراف فكلامه بحق حزب الله على مائدة العشاء الأخير دليل لا يقبل الشك على الحياد السعودي بين الأطراف اللبنانية؟
– بان كي مون وفرنسوا هولاند قلبهما مفطور على الممرات الآمنة التي أعلنتها سورية وروسيا بعد العملية العسكرية في حلب، ويرفضان مبدأ الممرات أولاً ثم يطلبان ثانياً وضع الممرات تحت إشراف مراقبين دوليين، ومعلوم أنّ القضية ليست إلا تأمين خطوط إمداد للمسلحين الذين فقدوها وليست قضية المدنيين، الذين كان حديث بان كي مون وهولاند قبل شهور عن تأمين مناطق آمنة لهم على الحدود التركية عملاً بخطة أردوغان لإقامة منطقة عازلة، ولم يكن الأمر يستدعي لا الحديث عن عدم ضرورتها وحصر البحث في إدخال المؤن للمحاصرين ولا في مراقبة أممية على الممرات، وليس من تفسير إلا أنهما على رأس لائحة المنافقين.
– هيلاري كلينتون المرشحة للرئاسة الأميركية تتحدّث عن أنها ستغيّر الخطة في سورية إذا تولت الرئاسة، وتضع إنهاء حكم الرئيس السوري كأولوية، وتتجاهل أنها فعلت ذلك كوزيرة للخارجية، فقالت للمسلحين لا تقبلوا بإلقاء السلاح، ثم قالت إن ليس هناك خطر للإرهاب في سورية، وإنّ مجيء تنظيم «القاعدة» شأن عارض سيزول قريباً، وقامت كوزيرة للخارجية بتأمين السلاح الكيميائي من ليبيا للجماعات المسلحة وخصوصاً لجبهة النصرة في سورية بواسطة السفارة الأميركية في بنغازي، وكان تسابق جماعات «القاعدة» وفروعها على هذا السلاح وراء مقتل السفير الأميركي هناك، كما تقول وثائق التحقيقات الأميركية، فماذا بقي لكلينتون مما لم تملك فعله في الوزارة وستوفره لها الرئاسة غير أزرار الحرب النووية، فهل هذا ما ستفعله كرئيسة أم أنها ترغب بتصدّر سجل المنافقين؟
(البناء)