بقلم غالب قنديل

حلب بوابة التحول الكبير

غالب قنديل

هللت عواصم غربية وإقليمية كثيرة عندما اجتاحت الغزوة الاستعمارية مدينة حلب وأريافها بواسطة عصابات التكفير والعمالة متعددة الجنسيات وبإدارة تركية أطلسية خليجية مباشرة عبر تدفقات هائلة من الإرهابيين الخليجيين وشحنات التمويل والتسليح السعودية القطرية وقد سجل لسنوات تواجد حشد من ضباط المخابرات الأجانب على رأس الجهد الاستعماري الذي كرس لتثبيت السيطرة على الشمال السوري.

احتلال العاصمة الثانية للبلاد والمركز الاقتصادي الأهم كان تمهيدا للانطلاق إلى العاصمة السورية لتدمير الدولة الوطنية ولكن من حلب انطلقت مقاومة سورية وطنية للعدوان بثبات الجيش العربي السوري في بعض احياء المدينة التي تحصن اهلها بموقف وطني وقومي شريف من اول يوم لما يدعى بالأزمة فرفضوا التعبئة الطائفية وتمسكوا بوحدتهم الوطنية وساندوا دولتهم وقواتها المسلحة وتمسكوا برئيسهم الذي بادلهم الإخلاص والوفاء وعاهدهم على الصمود.

طيلة السنوات الصعبة عبرت حلب عن موقفها بمسيرات وتجمعات حاشدة تحدت القذائف والصواريخ ورغم المذابح التي نشرت الموت في داخل المدينة ومن حولها بينما انصرف أردوغان ولصوصه لتجريد حلب واحيائها الصناعية القريبة من آلات المعامل التي نهبت عن بكرة أبيها ونقلت إلى تركيا مع سجلات زبائن المنتجات السورية وعناوينهم في المنطقة والعالم بصورة تكشف الطبيعة اللصوصية للعدوان على سورية وكون ضرب دورها الاقتصادي في رأس قائمة الأهداف ورغم ذلك صمد الحلبيون في المدينة وحولها وانتقل بعض صناعييها بمعاملهم إلى مناطق سيطرة الدولة الآمنة والتقطوا كل فرصة لضخ الحياة من جديد طوال السنوات الماضية.

التقدم الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب هو أول بوادر انقلاب المعادلات وتحولها في سورية بفعل النفير إلى حلب الذي أقره محور المقاومة بالتحالف مع روسيا الاتحادية الشريك الاستراتيجي للمحور وكان السيد حسن نصرالله قائد المقاومة هو من أعلن القرار في خطابه الذي كرس محوره المركزي لمعركة حلب.

قبل التبصر في النتائج والاحتمالات التي ستكون مزيدا من التبدل في المعادلات الميدانية والسياسية لصالح الجمهورية العربية السورية ومحور المقاومة وشركاء الصمود بقيادة روسيا لابد من التوقف أمام مؤشرات وعلامات فارقة تحملها المعارك الدائرة والتي حققت تغييرات كبيرة وسريعة على الأرض في حلب.

أولا القرار الاستراتيجي بتحرير حلب اتخذ في قيادة التحالف الذي يضم سورية وروسيا وإيران والمقاومة اللبنانية وكان اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة في طهران نقطة انطلاق تنفيذية لتوجيه استراتيجي صدرعن القيادات العليا وعبر خطوط مفتوحة بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين وكل من آية الله السيد الخامنئي والسيد حسن نصرالله وبعد الاتفاق على انتهاء المهلة التي أعطتها روسيا للإدارة الأميركية قبل أشهر من خلال صيغة وقف العمليات القتالية وتحت شعار الفرز بين مواقع المعتدلين المزعومين وقوات كل من جبهة النصرة وداعش .

ثانيا التوقيت العملي للمعركة جاء بعد استثمار الأشهر الأخيرة في عملية تقطيع خطوط الإمداد عن مناطق سيطرة العصابات الإرهابية وحيث خاضت القوات السورية والوحدات المؤازرة معارك ضارية قدمت فيها مئات الشهداء وتوجت بالنجاح تحت غطاء جوي كثيف وفره الطيران الحربي الروسي وما جسده من مراكمة للتحول في توازن القوى على الأرض لصالح الجيش العربي السوري وحلفائه.

ثالثا استثمرت الدولة الوطنية السورية وحلفاؤها نتائج الوضع التركي الجديد الذي يسوده الارتباك وتقدم اولويات الداخل التركي على نحو يقود إلى استنتاج البعض توقع انكفاء طويل لأنقرة عن دورها الهجومي إقليميا وحيث تظهر مبالغات من نوع ترقب انقلابها من ضفة إلى ضفة في خياراتها الدولية والإقليمية وقد اختير توقيت المعركة بدقة وعناية في اللحظة الأمثل لاستثمار هذا البعد المتحرك في ميزان القوى العام لمعركة حلب وفي تناغم روسي إيراني بالتعامل مع الوضع التركي الجديد.

رابعا اكدت التغييرات الجارية في الوضع العسكري متانة الحلف الإقليمي والدولي الذي استند إليه صمود سورية وهي اظهرت بذلك بصيرة الرئيس بشار الأسد وصلابته وقوة إدارته الاستراتيجية للحرب الوطنية دفاعا عن استقلال سورية وسيادتها ووحدتها وانتصار حلب سيكون نقطة انطلاق جديدة ومهمة في مسيرة خلاص سورية ونهوضها وقد شكلت كلمة الرئيس الأسد لشعبه ونداءه للمسلحين وقرارات العفو التي أصدرها في يوم واحد إطلاقا لمرحلة جديدة من تاريخ سورية وفي ملحمة صمودها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى