مقالات مختارة

السعودية «تستنسخ» النموذج البحريني في لبنان: التجنيس بالامر الواقع ابراهيم ناصرالدين

 

عندما تشدد كتلة «المستقبل» النيابية على «أهمية ومحورية التمسك بنقاط الإجماع اللبناني الواردة في الدستور والميثاق التي أساسها رفض التوطين في لبنان، سواء كان توطين اللاجئين الفلسطينيين أو توطين النازحين السوريين، يبقى السؤال حول كيفية التطبيق العملي لابيات «الشعر» هذه في ظل الاصرار على «التبعية» العمياء للسعودية في رفض اي حل يتيح ارجاع السوريين الى بلادهم..اما عندما تحمل الكتلة حزب الله مسؤولية توسع دائرة النزوح، بعد ساعات من عودة الرئيس تمام من نواكشوط، وفشله في تليين الموقف السعودي، فان هذا الامر يكشف حقيقة النيات المبيتة في هذا الملف..

اوساط في 8 آذار تشير الى ان الخطر الحقيقي لا «يطل برأسه» فقط من النيات الغربية المبيتة ازاء التعامل مع ملف اللاجئين، وانما من دول الاقليم المتورطة بالحرب في سوريا، واذا كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اكثر وضوحا في محاولاته لاجراء تغيير ديموغرافي في مناطق محددة ذات اغلبية علوية عبرالاعلان مطلع الشهر الحالي بأن حكومته تعمل على مشروع من شأنه السماح للراغبين من اللاجئين السوريين الحصول على الجنسية التركية، فان السعودية تتعامل مع هذا المف «بخبث» واضح ودون ضجيج، وهي تحاول فرض الامر الواقع على اللبنانيين الذين يملكون الحل بين ايديهم لكن «الفيتو» السعودي يحول دون ذلك.

وبحسب تلك الاوساط، فشل رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام خلال القمة العربية في اقناع السعودية ببلورة صيغة واضحة لتشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة إنشاء مناطق إقامة للنازحين السوريين داخل الأراضي السورية، ولم تتلق دعوته ايضا لإنشاء صندوق عربي «لتعزيز قدرة المضيفين على الصمود وتحسين شروط إقامة النازحين المؤقتة«، اي صدى يذكر… وهذا ما يطرح الكثير من الاسئلة والهواجس حول نيات السعودية المبيتة ازاء الساحة اللبنانية، وعما اذا كانت المملكة تفكر جديا بتكرار النموذج البحريني دفعة واحدة وبقوة «الامر الواقع» وليس بالتدرج؟

وللتذكير فان المملكة تخوض حروبها في المنطقة تحت عنوان مذهبي لا يخفى على احد، في العراق تعمل على تخريب العملية السياسية ولا تريد للنموذج الشيعي في الحكم ان ينجح، وتتذرع بالحقوق المهدورة للسنة، وتشكو التوازن الديمغرافي المفقود، والذي لم تراعه ابان حكم صدام حسين.. وعندما تفاوض الرياض لحل الازمة السورية تتجاوز سياسات الرئيس السوري بشار الاسد وتطرح المقايضة بين حكم الشيعة للعراق مقابل حكم سني في سوريا.. اما دولة البحرين فتشكل النموذج الاكثر وضوحا في الاستراتيجية المذهبية السعودية والتي تقوم على حل الخلافات مع اعدائها باحداث تغييرات ديموغرافية..

وتكشف عينة صغيرة «خبث» هذا المخطط، مؤخرا حيث كشف السفير الباكستاني في المنامة عن أن »عدد الباكستانيين، الذين لديهم جواز سفر بحريني يتراوح ما بين 25 ألفاً إلى 30 ألفاً ، مع وجود ما يقارب 4000 إلى 5000 شخص ما زالوا على قائمة الانتظار، والسؤال إذا كان عدد من جنسوا من الجالية الباكستانية نحو 30 ألفاً، فكم عدد الجنسيات الأخرى التي نالت نصيبها من التجنيس؟ وهذا الامر ليس جديدا، فالسعودية التي تدير عمليا شؤون البحرين شجعت خلال عشر سنوات على تجنيس ما يزيد على 120 الفاً وهذا الرقم يمثل نحو 20 في المئة من إجمالي شعب البحرين ، طبعا الارقام غير رسمية، لكن اذا ما استمر الامر على ما هو عليه فخلال عشر سنوات سيصبح البحرينيون أقلية، طبعا هذا الامر لا يثير قلق السعوديين فالهدف الاستراتيجي القائم على التغيير الديموغرافي لتحويل السنة الى اكثرية والشيعة الى اقلية، يعتبر اولوية حتى لو صنف ذلك دوليا كإبادة جماعية للسكان الأصليين»… طبعا يتم ذلك امام اعين البريطانيين، اصحاب الحظوة الكبيرة في البحرين والاميركيين الذين لا يبدون اي اعتراض على هذه الخطوة.

وفي هذا الاطار، ثمة تلاق لمصالح الغربية – السعودية، وتلوح في الافق ملامح خطة دولية للتوطين ستصبح أمرا واقعا مع مرور الوقت، وهذا ما يفسر عدم اكتراث الدول الغربية باصرار لبنان على إعادة اللاجئين السوريين على الرغم من التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يتكبدها؛ فمليون ونصف مليون لاجئ وفق احصاءات غير رسمية منذ العام 2011 لم يحركوا اي رد فعل دولي متناسب مع حجم الخطر المحدق بالتركيبة اللبنانية، بل وتوحي الطروحات الدولية والاقليمية بوجود نية صريحة بتوطين اللاجئين في الدول التي تستضيفهم.

عدد من الدبلوماسيين الغربيين ابلغوا الحكومة اللبنانية إن دولهم غير مستعدة لمناقشة خلق اماكن ايواء امنة للاجئين داخل الاراضي السورية، انطلاقا من أن »لا أماكن آمنة داخل سوريا، وبالتالي لا يجوز نقل عشرات آلاف السوريين إلى مقرات قد تتحول إلى منطقة حرب «والتجاوب مع طرح مماثل ممكن فقط مع ضمان التوصل لحل نهائي للأزمة السورية…ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني صراحة ان «كرة النار» ستبقى في «حضن» اللبنانيين ومع الوقت سيتحول التوطين الى امر واقع، واذا لم يحصل التجنيس قانونا، يكفي السعوديين حصول توازن ديموغرافي يحدث خللا في توازن القوى مع حزب الله والشيعة بواقع ان معظم اللاجئين من السنة ويمكن الاستثمار بهم في الوقت المناسب… طبعا لا احد يكترث لـ«ذوبان» المسيحيين بل ثمة من في الغرب يشجعهم على الهجرة..

انطلاقا من هذه المعطيات، وبحجة عدم «اغضاب» السعودية تتمنع الحكومة اللبنانية عن فتح قنوات اتصال جدية ورسمية مع الحكومة السورية لمعالجة هذا الملف،على الرغم من اعلان السوريين اكثر من مرة استعدادهم للبحث في حل واقعي يفضي الى اعادة متدرجة لمعظم النازحين، اما الى مناطقهم الاصلية او الى تجمعات تقام في مناطق آمنة، مع العلم ان امكان إنشاء «مراكز استيعاب على الحدود اللبنانية ـ السورية متاح لكن يحتاج الى تنسيق مع الوزارات السورية المختصة، بيد أن الطرف اللبناني يصر على الرفض دون اسباب موجبة او مقنعة، ويتمسك فريق 14 اذار بسياسة «الناي بالنفس»، وعدم الاعتراف بشرعية النظام السوري، وكأن الحكومة السورية تنتظر من لبنان ان يعطيها الشرعية..

وجاءت مسارعة الرئيس سلام الى توضيح موقف لبنان في «قمة الامل» من خلال التاكيد انه تحفظ فقط عن وصف حزب الله بالارهابي ولم يتحفظ عن ادانة تدخلات ايران بشؤون دول الجوار، ليثبت مجددا حرص هذا الفريق على عدم «اغضاب» المملكة التي لم تبادل في المقابل لبنان بأي حرص على استقراره الهش وتصر على «اللعب» «بنار» ملف اللاجئين السوريين، مع علمها المسبق ان الامر سيكون «الصاعق» المفجر للساحة اللبنانية اذا ما اسيء استخدامه.. اذا «رياح» الاخطار تهب على لبنان ليس من ورقة عمل أعدّها بان كي مون وتدعو الى جعل النازحين «مواطنين بالتجنّس»، وليس عبر مؤتمر دولي يرأسه باراك أوباما في ايلول يحض الدول المضيفة على «البدء بالاجراءات القانونية لاعطاء الجنسية للنازحين، بل من «ذوي القربى» في مملكة تظن قيادتها الشابة انها قادرة على اعادة رسم التوازنات السياسة والطائفية في المنطقة؟!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى