مباحثات جنيف حول سورية؟ هل تستأنف؟ وبأيّ ضوابط؟ العميد د. أمين محمد حطيط
في نيسان/ ابريل الماضي ورغم إصرار دي ميستورا على تعيين تاريخ 13 من الشهر موعداً لبدء المحادثات التي يُقال عنها سورية – سورية حول الأزمة السورية، إصراراً مارسه بكيدية ليكون الموعد في التاريخ ذاته التي حدّد لإجراء الانتخابات النيابية السورية، رغم كلّ ذلك وعندما تيقّن معسكر العدوان على سورية بأنّ الحكومة السورية لن تقع في الشرك الذي نُصب لها ولن تتنازل عن أيّ حق أو مصلحة سورية وطنية، وأنها ليست على استعداد للتفريط بالسيادة السورية والقرار السوري المستقلّ، عندما تيقّن المعسكر العدواني من ذلك أقدم وفي مسرحية فولكلورية على تعليق مشاركة وفد ما أُسمي بمعارضة الرياض الى جنيف، ثم اندفع للإعلان عن إشعال الجبهات لتحقيق توازن ما يكسر بظنهم الأرجحية السورية في الميدان.
منذ ذاك التاريخ، أيّ منذ نيّف وثلاثة أشهر، يحاول معسكر العدوان على سورية فرض واقع ميداني يناسبه في سورية ويمكّنه من الجلوس على طاولة المباحثات بأرجحية أو على الأقلّ بندية وتكافؤ يسمح للمعتدي بتقاسم سورية وقرارها مع الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد المنتخَب شعبياً والمتمسك بقرار الشعب السوري المستقلّ وحريته في اختيار حكامه.
أما في النتائج فإننا وبموضوعية نقول بأنّ معسكر العدوان نجح في النصف الأول من الفترة المذكورة بتحقيق بعض الإنجازات الميدانية، وكاد يظن أنه سيحقق المبتغى من التأجيل والتفجير، لكن معسكر الدفاع عن سورية المتشكل أصلاً من سورية ومحور المقاومة مدعوماً من روسيا أدرك ما يخططه العدوان، ووضع الخطة المضادّة وتمكّن في النصف الثاني من المهلة أن يُفهم المعسكر المعتدي أنّ مناورته كُشفت، وأنها لن تكون قابلة للنجاح. وكان الموقف الأهمّ متجسّداً في خطة سورية وحلفائها لتحرير حلب تنفيذاً لوعد علني قطعه الرئيس بشار الأسد في هذا الشأن.
حاولت أميركا أن تقطع الطريق على الحكومة السورية وحلفائها لمنعهم من مقاربة ملف حلب، ثم طوّر الملفّ الى أن باتت حلب تختزل الأزمة السورية برمّتها وكلّ فريق ينظر اليها على أنها الأساس الذي منه يبدأ الحلّ النهائي للأزمة سلماً أو حرباً. وبعد أن احتوت سورية الهجوم الذي نظمه معسكر العدوان على حلب، وألقى فيه بكلّ ثقله انتقلت الى تنفيذ خطتها الهجومية القائمة على مراحل ثلاث تبدأ بتثبيت المواقع ونقاط الارتكاز وتحشيد القوى الملائمة وتنتهي بمرحلة التطهير والانقضاض والتحرير مروراً بالمرحلة الثانية التي تهدف إلى تهيئة الميدان عملانياً للمعركة الآمنة المنخفضة السقف في الكلفة.
نجحت سورية وحلفاؤها في تنفيذ الخطة المعاكسة الموضوعة، ومع غياب شمس يوم الخامس والعشرين من تموز الحالي استكملت إجراءات الخطة في مرحلتها الثانية ووضع معسكر العدوان أمام مشهد ميداني يصعب عليه تقبّله، مشهد ينبئ بأنّ تحرير حلب بات في اليد السورية، وأنّ إنهاءه بات مسألة وقت فقط سواء تمّ ذلك بحلّ ناري محض أو تفاوضي خالص أو حلّ مركّب من نار يبدأ بها وتفاوض لخروج المسلحين يُنهي الوضع.
هنا التقطت أميركا اللحظة وسارعت الى موسكو عارضة التفاوض حول سورية عامة وحلب خاصة، مبدية الاستعداد للانتقال من التنسيق السلبي المانع للتصادم الى التنسيق الإيجابي الذي يُقدّم خدمات استخبارية معينة من أجل تحرير حلب مقابل ثمن ما. ولم ترفض موسكو العرض الأميركي طالما انه لم يشترط كما كان دائماً وقف تحرير حلب أو هدنة تحفظ المسلحين في حلب بما يشوّه أو يمنع تحريرها، وحتى لا تضيع الفرصة أوعزت أميركا الى دي ميستورا الذي لا يتحرك إلا بأوامر أميركية، أوعزت له للعودة الى تحريك ملف المباحثات في جنيف فاستجاب وحدّد موعداً أولياً لذلك لا يكون أبعد من آخر آب المقبل.
إنّ الموافقة الأميركية على الاتفاق مع روسيا، ومسارعة دي ميستورا الذي نسيه العالم وإعلامه طيلة 3 أشهر، الى الحديث عن تفكير بتحريك المفاوضات، ما كان ليكون لولا أمرين: الأول فشل الخطة الأميركية التي اعتمدت منذ 3 أشهر في تحقيق أهدافها ونجاح سورية وحلفائها في إدارة معركة حلب بما ينبئ بحتمية الإنجاز والانتصار فيها.
وعلى هذا الأساس نرى أنّ سير الحكومة السورية قدماً في تنفيذ خطة حلب حتى استكمالها بأيّ سيناريو من السيناريوات الثلاثة المتقدّمة الذكر نار أو حوار أو نار يعقبها حوار هو أمر لا جدال فيه، ولا يستحق الوقت لمناقشته، فالقرار اتخذ ولا رجعة عنه. أما الذي يستحق التوقف عنده والبحث فيه فهو العودة الى جنيف والأسس التي ستقوم عليها المباحثات وتحديد أطراف المعارضة المشاركين فيها.
قبل الإجابة ينبغي ألا تغيب عن الذهن ثابتتان… الأولى انّ معسكر العدوان خسر رهانه الذي راهن عليه والذي من أجله علق مباحثات جنيف في نيسان/ ابريل الماضي، والثانية أنّ الحكومة السورية ومعها الحلفاء حريصة على إنهاء الأزمة وبأسرع وقت ممكن وتوفير أيّ جهد يمكن توفيره طبعاً مع الثبات على المبادئ الرئيسية التي حملتها لخوض هذه الحرب الدفاعية منذ ما يقرب من ست سنوات. وعلى هذا الأساس نرى أنه بات من الضرورة بمكان:
1 ـ إعادة النظر بتشكيل وفد ما يُسمّى المعارضة السورية والانتقال من الوفد الفئوي الممثل لمصالح معسكر العدوان بمكوناته الدولية والإقليمية الى الوفد السوري الذي يبحث عن المصلحة السورية العليا، بقطع النظر عن مصالح الخارج.
ورغم أنّ هذا الطموح يعتبر طوباوياً مثالياً، فإننا نقول يجب على الأقلّ أن يعمل الوفد المعارض بذهنية تضع مصلحة سورية قبل مصالح الآخرين، وأن يكون هذا الوفد شاملاً كلّ من يناهض الحكومة السورية ويلتزم العمل السياسي بعيداً عن العنف سواء كان من معارضة الداخل أو من مناكفة الخارج.
2 ـ اقتصار النقاش على أمرين اثنين… كيف يُحارب الإرهاب؟ وكيف تتضافر الجهود لإنجاز مهمة تطهير سورية منه؟ وكيف يطوّر ويصاغ النظام السياسي لسورية بما يحاكي تطلعات الشعب السوري وصولاً الى وضع المشاريع التي تأخذ طريقها الى الشعب ليوافق او يرفض؟ أما الخوض في مَن يكون الحاكم وفي الحصص في الحكم وعلى أيّ أساس، فإنها تعتبر من قبيل الشروط المعطلة لأيّ مباحثات.
3 ـ إدراك الجميع أنّ العدوان على سورية، ومعها العراق، قد فشل في تحقيق أهدافه، رغم ما أحدثه من تدمير وتهجير وقتل، ولكن الغاية الرئيسية التي انطلق من أجلها أيّ وضع اليد على المنطقة كلياً او جزئياً لم تتحقق. وبالتالي فإنّ الدخول في الحلّ السياسي من شأنه ان يختصر المعاناة ولكن يجب ان لا يغيّر النتائج، وأنّ جنيف ليست مكاناً لمنح جوائز ترضية للخاسرين.
(البناء)