بقلم غالب قنديل

من أين يأتي الإرهاب في أوروبا ؟

غالب قنديل

قبل سنوات تجاهل العديد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين تحذيرات الرئيس بشار الأسد إلى قادة الغرب وشركائهم في المنطقة من خطر ارتداد الإرهاب إلى بلدانهم بعد تورطهم في حشد عشرات الآلاف من عناصر تنيظمات الأخوان المسلمين وفصائل القاعدة وتفرعاتها ومثيلاتها من ثمانين بلدا لخوض حرب بالوكالة ضد الدولة الوطنية السورية وقد سخر بعضهم يومها من إشعار الخطر الذي توجه به الرئيس السوري داعيا للكف عن التورط في العدوان الاستعماري على بلاده وتغذية فصائل الإرهاب التكفيري على غرار ما جرى في أفغانستان قبل أكثر من ثلاثين عاما وعدم إهدار الدروس المكلفة لتلك التجربة مرة  جديدة.

عندما لاحت النذر فعليا في بعض الدول الغربية انطلقت سلسلة من المؤتمرات والاجتماعات الأوروبية تحت عنوان التصدي للخطر الإرهابي الذي بات العنوان المركزي لكل لقاء ثنائي او جماعي في اوروبا منذ ثلاث سنوات على الأقل وتوافد الزوار إلى دمشق يطلبون العون المعلوماتي والأمني من الدولة التي سعوا إلى إسقاطها بكل ما يمكنهم من قدرة مع حكومات تركيا وقطر والسعودية وبالقيادة الأميركية وكان هؤلاء الزوار يسمعون في دمشق ربطا مباشرا بين التفاهم السياسي الذي يعني خروج دولهم من حلف العدوان وأي تعاون أمني عندما يطلبون معلومات عن إرهابيين يحملون جنسيات دولهم وتخشى حكوماتهم إنتقالهم إلى الأماكن التي انطلقوا منها ليشكلوا انوية شبكات للتفجير والقتل ترتبط بالقاعدة وبمولودها المستجد داعش ولطالما ردد المسؤولون السوريون : كيف تطلبون منا المساعدة في حماية شعوبكم من الإرهاب الذي تدعمونه لإبادة شعبنا ؟.

تدابير الوقاية التقنية هي ما عملت عليه الحكومات الأوروبية التي شددت تدابيرها في كل مكان فشرعت تظهر وحدات من جيوشها في ساحات العواصم والشوارع الرئيسية والمطارات لكن الأحداث حملت تسارعا واتساعا في الهجمات الإرهابية وراكمت مزيدا من لوائح الضحايا الأبرياء الذين يتساقطون في هجمات هزت اكثر المدن امنا وتنقلت بين الدول الأوروبية التي يهزها ذعر كبير منذ أسابيع لهول ما أصابها بينما تصاعدت الحملات العنصرية ضد موجات النزوح والهجرة الناتجة عن حروب أشعلها الغرب والحكومات التابعة في المنطقة وليس الإرهاب سوى إحدى نتائج تلك المغامرات الاستعمارية منذ احتلال العراق.

من أين يأتي الإرهابيون الذين يقرعون بوابات الأمن الأوروبي ؟ هو السؤال الذي يطرح نفسه مباشرة بعد كل هجوم او حادث امني في اي من بلدان الغرب والواقع ان الإجابة تصلح معيارا لقياس فاعلية الوسائل والأدوات المعتمدة في التصدي لخطر دموي.

أولا يأتي ارتداد الإرهاب من منصات الحشد والتعبئة التي أقامتها حكومات أوروبية في بلدانها لتنظيم العدوان على سورية فقد تحولت منذ سنوات لخدمة تلك الوظيفة فروع تنظيمات الأخوان المسلمين في سورية وتركيا ومصر وفلسطين والمغرب العربي الموجودة في اوروبا والناشطة في صفوف الجاليات العربية والإفريقية والآسيوية التي تضم الملايين من المهاجرين وحيث توجد مئات المساجد والمراكز الإسلامية والجمعيات الممولة من حكومات المملكة السعودية وقطر والإمارات ومن مصادر متعددة في دول مجلس التعاون وهي قامت تحت حماية المخابرات الغربية وبدعم وغطاء حكوميين من الدول الأوروبية بتنظيم حملات التبرع والتجنيد لدعم القتال في سورية تحت شعار دعم ما سمي بالثورة السورية وشاركت في هذه الورشة المستمرة للحشد والتعبئة والتحريض قنوات فضائية متطرفة وتكفيرية وادوات إعلامية أخرى رخص لها بالبث والنشر في جميع الدول الأوروبية وهي ممولة من الخليج وغالبا من المملكة السعودية وهنا يصبح الإرتداد نتيجة طبيعية لتلك العملية التعبوية التحريضية الموجهة إلى ملايين المهاجرين المسلمين.

ثانيا في إطار توجهاتها العقائدية التكفيرية لا تخفي قيادات فصائل الإرهاب وخصوصا تنظيم داعش التصميم على استهداف الدول الأوروبية والغرب عموما وهو ما يقود إلى تنفيذ ضربات امنية في سياق تجاذب ينتج احيانا عن تعارضات بين قوى الإرهاب ومشغليها في الغرب بدوافع مالية واقتصادية او سياسية فقد كشفت بعد 11 أيلول خفايا كثيرة عن علاقة تفاوضية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان وشبكة القاعدة تولتها كونداليسا رايس قبل حوالي عشرين عاما كما نشرت تقارير كثيرة عن تفاهمات سرية بين القاعدة وحكومات إقليمية ودولية قاد انتهاكها إلى ضربات إرهابية تحذيرية.

في بعض الحالات تكون الهجمات التي تشنها عصابات التكفير وسيلة معتمدة لاستقطاب المزيد من المتأثرين بخطابها الإيديولوجي والإعلامي في العالم بينما تؤكد التجربة التاريخية إمكانية خروج بعض الجماعات والأفراد عن السيطرة وهو ما وصف به الرئيس الأميركي باراك اوباما اجتياح داعش للموصل الذي استتبع احتفالات تركية وسعودية دامت لأشهر ثم فرض الأمر على البيت البيض الإعلان عن حربه التي أراد منها رد التنظيم إلى السيطرة والتحكم الغربيين مباشرة وبواسطة حكومات المنطقة المتورطة في العدوان على سورية ولاسيما عبر تركيا التي كشف الانخراط الروسي خطوط دورها المركزي في تمويل داعش من خلال تجارة النفط المسروق من سورية والعراق.

ثالثا يقود التورط الأوروبي في مواصلة العدوان على سورية والسير في ركاب السياسة الأميركية إلى حرمان الحكومات والمؤسسات الأمنية من بنوك المعلومات السورية الضرورية لتعقب خطوط عودة الإرهابيين من حاملي الجنسيات الغربية أوالمرسلين بمهام تنفيذية لصالح القاعدة وداعش في دول الغرب وعاجلا ام آجلا ستجد حكومات اوروبا المهددة بحكم القرب الجغرافي والتداخل السكاني الذي ولده تاريخ طويل من الهجرات السكانية القديمة والمعاصرة أنها مضطرة للرضوخ امام دفتر الشروط السوري أي لمراجعة مواقفها السياسية من العدوان على سورية وتفكيك منصات العدوان التي أقامتها إذا أرادت فعلا الحد من خطر الهجمات الإرهابية الذي يتطلب تدابير سياسية وإعلامية وتنسيقا امنيا ينظم تبادل المعلومات مع المؤسسة الأمنية السورية .

عام 2013 كنت في جولة على بعض الدول الأوروبية بدعوة من الجاليات اللبنانية التي نظمت احتفالاتها بعيد التحرير ذلك العام وقد أطلقت من روما شعار: اوقفوا العدوان على سورية لتحموا اوروبا من خطر الإرهاب يومها كانت هذه المعادلة تبدو مستغربة لدى كثيرين لكنها اليوم باتت منطقية في نظر جهات اوربية عديدة سياسية وبرلمانية وبنسبة أقل حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى