بقلم غالب قنديل

أولويات أردوغان وحروبه

غالب قنديل

اللقاء الذي عقده الرئيس التركي مع زعيمي حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية يوم امس يقدم صورة واضحة عن المشهد السياسي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة بحيث بدا نافرا استبعاد حزب الشعوب الديمقراطية عن اللقاء رغم إصدار هذا الحزب بيانا ضد المحاولة الانقلابية أسوة بالحزبين الاخرين بل إن متحدثا باسم الحزب قال إن الخشية من بطش الحكم العسكري لو نجح الانقلاب لا تقل عن الشكوى من القمع الذي يتعرض له مؤخرا بأوامر أردوغان جمهور الحزب الذي يضم ائتلافا واسعا للقوى الراديكالية واليسارية يمثل الأكراد جزءا رئيسيا منها إضافة إلى يساريين وعلمانيين منتمين لمكونات تركية عديدة .

ما يجري في تركيا يلهم مخيلات كثيرة حول الخلفيات والدوافع التي حركت الأحداث الأخيرة لكن كل شيء واضح في توجهات الرئيس التركي التي أبلغها للزعيمين المعارضين اللذين شكرهما على مساندته في صد المحاولة الانقلابية وبالتالي على التغطية السياسية التي قدماها لحملة التطهير التي يناهز تعداد ضحاياها حتى اليوم ستين ألفا من المدنيين والعسكريين الموزعين بين قرارات الطرد والاعتقال .

حربان تعهد الرئيس التركي بمواصلتهما داعيا زعيمي المعارضة لمشاركته في غمارهما هما : الحرب لتصفية جماعة فتح الله غولن والحرب لسحق حزب العمال الكردستاني وطبعا يقدم الرئيس التركي حروبه تحت شعار مكافحة الإرهاب داخل تركيا عملا بالموضة العالمية الدارجة مع ان باعه طويل في توليد واحتضان الإرهاب خصوصا عندما تكون الغاية تفريخ واجهات سياسية وتدريب عصابات تكفيرية لقيادة حرب بالوكالة ضد سورية وقد بلغ الأمر بالسيد أردوغان ان لعب دور المرجعية الراعية لأخطر مصنفات الإرهاب في العصر الحديث جبهة النصرة وداعش وتعهدهما بالتمويل والتسليح والرعاية واستولد معهما جماعات تركمانية وشيشانية أرسلها إلى سورية ودعمها وهي في الميدان السوري تتحضر للارتداد صوب الهدف الثمين : الضرب في روسيا وجوارها الآسيوي.

جماعة فتح الله غولين تواجه تدابير استئصال غير مسبوقة هذه الأيام وقد تحولت إلى علامة تعريف تلصق بأي معترض على حكم العدالة والتنمية في أسوأ تصفية حساب تعيشها تركيا وتعد لتنفيذها شبكة من المحاكم الخاصة على طريقة محاكم التفتيش بينما يعد الرئيس أردوغان بتعديلات دستورية طلب لها دعم زعيمي الشعب الجمهوري والحركة القومية تحت عنوان التصدي لإرهاب غولين كما يقول الرئيس ولمنع خطر قيام انقلابات عسكرية توهم ملايين الأتراك بعد وصول العدالة والتنمية ان زمانها قد ولى إلى غير رجعة .

الحرب الثانية التي اكد أردوغان التزامه بها هي حربه على حزب العمال الكردستاني التي تشل تسع ولايات تركية في حالة طواريء مستمرة منذ حوالي السنة على الأقل.

أعباء هاتين الحربين معا ستقع على امن تركيا واقتصادها وهو ما سيضطر الرئيس التركي والحزب الحاكنم لإعادة النظر بدرجة انخراطه في حروبه الخارجية بعيدا عن كل الحسابات التي تفرضها تداعيات الأحداث من التوتر على صعيد العلاقة التركية الأميركية او الشجار السياسي العلني مع دول الاتحاد الأوروبي حول قضية النازحين وحقوق الإنسان وغيرها من العناوين .

في وجه كل ذلك من المبالغة والسذاجة الاعتقاد بأن أردوغان سوف يستبدل عضوية الناتو بالتحالف مع روسيا وإيران وهذا احتمال لو حصل سيعقبه الانقلاب الحقيقي والدموي الذي لم يحصل بعد فمنذ حكم الكمالية في تركيا ترسخ النفوذ الغربي والأميركي في مؤسسات تركيا وعضوية الحلف الأطلسي ليست مسألة عارضة في بنيان الدولة التركية المعاصرة ولها تشعباتها وجذورها الاقتصادية والأمنية العميقة في الداخل التركي والعلاقات التركية مع إيران وروسيا لم تكن محرمة او تمردا على التوجيهات الأميركية زمن بل إن الولايات المتحدة وجدت فيها دائما ما يناسب إدارتها للصراع وهي التي هندست من حول إيران وروسيا هوامش مقننة ونوافذ تحت الرقابة للتهرب من العقوبات الأميركية والغربية ومن تدابير الحصار المفروضة على إيران وروسيا ولطالما تصرفت واشنطن بثقة كبيرة على ان مفاتيح الشبابيك التركية مع طهران وموسكو موجودة في البنتاغون وإذا اضطرت الولايات المتحدة سيكون بيدها قرار القطيعة التركية ولو اقتضت انقلابا جديدا وجديا ولذا ثمة حدود مرسومة لانفتاح أردوغان او سواه من قادة تركيا الملتقين في الحضن الغربي والأطلسي بمن فيهم قيادة حزب الشعوب إلى حد معين وفقا لما تؤشر عليه علاقة قوات الحماية الكردية في سورية بالولايات المتحدة وهي إحدى مصادر شكاوى أردوغان من السلوك الأميركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى