مقالات مختارة

«وزير خارجية» حزب العمال الكردستاني لـ«السفير»: انقلاب تركيا سيتكرر ومصطلح «فدرالية روجافا» خطأ محمد نور الدين

 

الأكراد هم الشعب الأكثر اضطهاداً في المنطقة منذ أكثر من مئة عام. ورغم انهم قومية كبيرة وعريقة وراسخة القدم في المنطقة، غير انهم وقعوا ضحية النزعات القومية للإمبراطوريات التي تواجدوا فيها وحكمتهم من جهة، وبين مصالح الدول الاستعمارية من جهة أخرى.

فدرالية شمال العراق كانت «الإنجاز» الأكبر لهم حتى الآن. ينظرون الى تجربتهم في شمال سوريا والمنطقة التي يطلقون عليها بالكردية اسم «روج آفا» بتفاؤل كبير. لكن التجربة لم تكتمل، وسوريا ساحة حرب كونية مليئة بالتعقيدات. أما في تركيا، فيواجهون الاضطهاد الأكثر عنصرية رغم انهم هناك الأكثر عدداً والأكثر عراقة في النضال المسلح والأكثر تقدمة للتضحيات.

الأكراد هم اللاعب المتميز اليوم في الشرق الأوسط، لا سيما بعد ظهور ما يسمى بـ «الربيع العربي». اما «حزب العمال الكردستاني» فبرز كعاملٍ مؤثر بقوة في التطورات، لا سيما في سوريا وتركيا، ويَعرِف حضورُه في العراق تصاعداً لافتاً خصوصاً لجهة محاربة «داعش»، وله حضور على جبهات القتال المتفرقة هناك.

وليس هناك أفضل من محاورة واحد من أبرز قيادات الحزب ومن مؤسسيه، والذي تنقل في اكثر من موقع قيادي مسؤول، آخرها وحتى اليوم مسؤوليته عن العلاقات الخارجية للحزب، أي أنه بمثابة «وزير خارجية» الحزب، وهو من المواقع الحساسة في مرحلة التقاطعات الإقليمية والدولية الراهنة في المنطقة. إنه رضا ألتون الذي تعرفه الساحة اللبنانية والسورية أيام وجود عبد الله اوجلان في لبنان وسوريا. اما في تركيا، فهو من بين الأسماء الأولى للمطلوبين من قبل أنقرة. وبطبيعة الحال، لا يتواجد قادة «الكردستاني» في أماكن محددة. هم دائمو التنقل، لذا فإن الوصول الى ألتون حتى عبر وسائل التواصل التكنولوجية ليس سهلاً. لكن في النهاية، وبفضل هذه الوسائل بالذات، نجحنا في ان نجري هذا الحوار الذي يعبر عن وجهة نظر الحزب في هذه اللحظة الحساسة من تاريخ المنطقة، ومنها تركيا لا سيما بعد الانقلاب العسكري الأخير.

سؤال تقليدي: هل مطلب الدولة الكردية المستقلة في تركيا لا يزال قائماً؟

نحن لا ننظر الى موضوع القضية الكردية من زاوية قومية وإثنية محددة، بل نعتبرها اساساً لحرية شعوب الشرق الأوسط كلها، وعلى هذا الاساس يتكون الترابط بين مكونات الشرق الأوسط.

موقفنا بشكل عام مرتبط بالروابط التاريخية والاجتماعية لكل مكونات الشرق الأوس. عادةً عندما نطلّع على تاريخ الشرق الأوسط، فقد حاولت كل تجربة ان تتبع نهجاً قومياً في تأسيس كيان ما، انتهت الى صراع مع الآخر لأجل هذا الكيان الإثني او القومي او حتى الديني والمذهبي. لذلك نحن لا ندخل في هكذا مطب. ولو نحن دخلنا في التجربة نفسها لدخلنا في الدوامة ذاتها الموجودة في الشرق الأوسط اليوم، وسنضيف مشكلة أخرى الى القضايا العالقة فيه. نحن نبحث عن حل لهذا الانسداد القائم حالياً. من ذلك، التركيز على حل يقوم على «دمقرطة» البلدان تُحترَم فيه التعددية الإثنية والدينية والمذهبية.

وبدلاً من الدولة المستقلة والدعوة الى الانفصال والتقسيم وما شابه، التركيز على الحرية المجتمعية لمكونات المنطقة. قبل الحرب العالمية الأولى، لم يكن هناك شيء اسمه دول. كانت هناك امة عربية تضم عشائر وقبائل، وكانت تلك المجتمعات أكثر تكافلاً في ما بينها. ولكن بعد الحرب وتقسيم الأمة الى دول متعددة كثرت المشكلات والتناقضات بين مكونات الأمة.

يعني هل يمكن اعتبار طرح «حزب العمال الكردستاني» في وقت سابق للدولة المستقلة طرحاً خاطئاً؟

بدلاً من القول صح او خطأ، وقتها كنا ننادي بالدولة المستقلة. لكن لو حينها كان هناك إمكانية لتحقيق كيان بهذا الشكل ربما لركّزنا على دمقرطة كيان الدولة التي كنا نسعى اليها وتكريس الحريات. لكن هذا لم يحدث. واستبدلنا مع الزمن مصطلح الاستقلال بمصطلح الحرية لأنها الأساس بالنسبة لنا ولغيرنا. حتى في المصطلحات، فإن مصطلح الاستقلال لا يشمل الحرية بينما، مصطلح الحرية يشتمل على الاستقلال ايضاً.

لو عدنا الى حال الشرق الأوسط خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة الى دول قومية، فإن هذا الحل لم يجلب سوى المزيد من المشكلات. لذا فالتركيز على قيام كيان كردي قومي سيكون مجرد زيادة للمشكلات القائمة، بينما التركيز على الحرية هو الذي يدفع باتجاه الحل.

ما يسمى بـ«الربيع العربي» كان رفضاً للنظام الذي قام بعد الحرب العالمية الأولى. لذا فلا يمكن من خلال هذه الأنظمة ان تخرج الحرية والسعادة والرفاهية.

مع انتفاضة «الربيع العربي»، ظهر التيار السلفي الذي يمثله «داعش» وهو تيار تكفيري. ونحن نفكر في كيفية مواجهة هذا التيار الذي يقوم به داعش والتيار السلفي لا يمكن ان يكون حلاً، بل حتى ليس حلاً لتكوين دولة الخلافة.

من ناحية ثانية، القوى الرأسمالية والحداثة الرأسمالية والامبريالية هي ايضاً تريد تمرير سياساتها من خلال التدخلات التي تقوم بها. وهي منبع تقسيم الشرق الأوسط الى دول وتأليبها على بعضها البعض. وهذه هي الذهنية الاستشراقية التي تضفي الطابع المتخلف على الشرق وهي ليست حلاً. إلى اين الشرق الأوسط؟ وما الذي يمكن فعله في خضم هذه الفوضى؟ مع ظهور الكيانات القومية بدأت المشكلات تظهر. لا مشكلة في ظهور كيانات قومية تعكس الهويات القومية، لكن التعصب لهذه القومية في هذه الكيانات هو المشكلة. لذا فلا يجب ان نعمل لانفصال حريتنا عن حرية من حولنا.

الاختلاف والتنوع الإثني مهم وضروري، ولكن إذا وصلنا الى مفترق، إما الاختلاف او الاتحاد، سنقول اننا مع الوحدة ضمن الاختلاف. سأتحدث عن الكرد والعرب والفرس وأستثني تركيا على أساس ان الأتراك جاؤوا الى المنطقة لاحقاً، وهم ليسوا شعباً عريقاً مثل الشعوب الثلاث الأخرى. هذه الثقافات الثلاث حافظت على هويتها الإثنية، لكن مجموعها شكل الثقافة الكونية لهذه المنطقة.

ثقافتنا وعاداتنا ومطبخنا وغيرها متشابهة بحيث تشكل وحدة متكاملة. ضمن هذه الوحدة المتكاملة كيف يمكنك القول إنني أريد الانفصال عنها؟ نقول إننا كلنا مسلمون، ولكن الاسلام يؤمن بحق كل مذهب بالتعبير عن نفسه. لكن نرى أنه باسم الاسلام يتم هذا التناحر المذهبي وتأليب الطوائف على بعضها البعض. فكيف يكون هذا اسلاماً ويكون حلاً؟ هذا يخالف المبدأ الأساسي الموجود في الاسلام. المشروع الذي يطرحه أوجلان هو دمقرطة الشرق الأوسط، وان تعبر كل الكيانات عن نفسها ضمن هذا المشروع الكونفدرالي للمنطقة.

ما تقوله حل مثالي لمشكلات تزداد تعقيداً في المنطقة. لكن في الحالة التركية تحديداً، هناك فئات اخرى في المجتمع التركي من قوميين اتراك وعلمانيين متوحشين واسلاميين متشددين. هل يرى طرحكم تجاوباً من قبل هذه الفئات؟ ولماذا لم تحل المشكلة الكردية حتى الآن؟ وإذا لم يوجد تجاوب فما هو خيار الأكراد للحل: نضال سلمي عبر البرلمان ام مواصلة المعركة المسلحة؟

ما قلته عن تغيير الذهنية من الصعب أن يتحقق بين ليلة وضحاها. ولكن عندما تتحقق الأرضية لتغيير هذه الذهنية، نعتقد أن جميع الفئات في الشرق الأوسط ما عدا أصحاب النيات السيئة، جاهزون لتقبل هذه الذهنية. كل الشعوب التي تعاني الظلم والاستغلال والحروب وويلاتها، وبسبب حالة اليأس التي بداخلها، تبحث عن امل، ونعتقد أن هذا الطرح يمثل الأمل لهذه الشعوب.

وفي ما يتعلق بالواقع التركي فما تقولونه صحيح. الامور معقدة، لكن نحن نخوض الصراع منذ 40 عاما.

التيار الكمالي التقليدي مُصّر على التمسك بمقاليد الحكم، لكنه يتوجه نحو الإفلاس. وحتى التيارات القوموية بدأت تفقد تأثيرها وسط المجتمع.

ذهنية اردوغان وحزبه تنادي بالمذهبية وتلعب على السلبيات القائمة في الشرق الأوسط لتمرير سياساتها. لكن في الفترة الأخيرة، الحال التي وصلها هذا التيار يرثى لها.

كل التيارات المتناقضة التي أشرتم اليها تتوحد ضدنا. لكن كلما اشتد الصراع معنا، تدخل هي في تناقضات في ما بينها ويبرز احتمال الانقلابات أكثر. كلهم لا يعترفون بنا ويحاربوننا لكنهم لا يشكلون الحل لواقع تركيا.

ما ننادي به من طرح ليس مثالياً، وبمجرد ان تنفتح فرصة صغيرة يتم البدء بترجمته على أرض الواقع ويلقى صدى. على سبيل المثال، الأحزاب التي ظهرت لمحاربة الدولة هي نتيجة للذهنية التي نطالب بها. انتخابات 7 حزيران لها أهمية حيوية في هذا السياق. كانت الأساس الذي وقف عائقاً امام تحقيق احلام اردوغان ومنعته من تحقيق الغالبية في البرلمان. ولم يستطع حزبا «الشعب الجمهوري» و «الحركة القومية» أن يشكلا معارضة حقيقية لحزب «العدالة والتنمية». من شكل هذه المعارضة الحقيقية هو حزب «الشعوب الديموقراطي» بالذهنية التي مثلها على ارض الواقع وشملت كل المكونات من يسار وعلويين وإثنيات وشيوعيين ومسيحيين وكل الآخرين. أساس هذه الفلسفة هو الديموقراطية والقول لهم إنهم يستطيعون التعبير عن أنفسهم بحرية.

مثال آخر على هذه الذهنية ثورة «روج آفا» في سوريا. في القامشلي مثلاً، عرب وكرد وأرمن وشركس وتركمانيون وغيرهم. كلهم فيها ولم نقل إنها مدينة كردية، بل حتى هناك عرب استقدموا سابقاً في سياق سياسة التعريب ولم نقل لهم عودوا من حيث أتيتم. في «روج آفا»، لم نستخدم مصطلح الدولة لأنه بمجرد استخدام مصطلح الدولة يعني أن تعرّفها بقومية ما، وأن قومية ما هي الغالبة، وإقصاء الإثنيات الأخرى. نحن طرحنا بديلاً هو «الكانتون» حيث لكل قومية الحق بتمثيل نفسها وادارة نفسها، لكن الكل ينسقون عبر جهاز أعلى وهذا ما هو قائم.

دائماً نحن نركز على المكون الكردي ألا يتدخل في الشأن السرياني مثلاً وغيره، بشرط ألا يشكل هذا الأخير او غيره مثلاً خطراً جدياً على حياة الآخرين.

لكن تجربة «روج آفا» غير ممكنة التطبيق الآن في تركيا، والنسبة التي نالها حزب «الشعوب الديموقراطي» في تركيا هي 13 في المئة، وهي غيرت المعادلة بعد السابع من حزيران، وهي غير كافية للتغيير؛ فهل انتم مستمرون في اللعبة عبر البرلمان رغم ان أفقها مسدود ام ان السلاح هو الطريق؟ أي ما هو دور البندقية الآن؟

معركتنا متعددة الأساليب سياسياً، اجتماعياً، فكرياً، ديبلوماسياً، وإعلامياً وحتى عسكرياً. الوسيلة التي نتبعها مرتبطة بموقف الدولة. هناك إمكانية نسبية من بعض الفرص ونحاول الاستفادة منها. عندما تستخدم الدولة هجومات لتدمير وجودك، انت مضطر لاستخدام السلاح للدفاع عن وجودك. وهو ما برز مؤخراً. المنجزات التي سيحققها الكفاح المسلح سنستفيد منها في التغيير الديموقراطي.

مؤخراً هناك ضغوط كبيرة علينا، لذا لجأنا الى المقاومة المسلحة. أغلقت أحزاب ووسائل إعلامية، ورفعت الحصانة عن البرلمانيين، وجرت اعتقالات، فلم يبقَ امامك سوى نافذة وحيدة هي استخدام السلاح.

في العودة الى تركيا، من الذي قام بالانقلاب الأخير ومن وقف وراءه وما هو تأثيره على الحرب ضد الأكراد والقضية الكردية عموماً، خصوصاً بعدما أهين الجيش التركي أثناء الانقلاب. هل سيؤثر ذلك في اندفاعة الجيش في الحرب ضد الأكراد؟

الوضع في تركيا معقد جداً ولا يمكن ان نحسم بذلك. اردوغان يروج ان غولن قام بالانقلاب. بالمختصر هذا غير صحيح وإذا كان له ضلع، فبنسبة قليلة جداً.

في تركيا، تقليد كمالي يتم تكريس نفوذه عبر الوصاية العسكرية من خلال ذهنية معادية للأكراد والاسلام وضد الاشتراكية. وصول اردوغان الى السلطة كان بدعم من الغرب نتيجة لانسداد الحكم امام التقليد الكمالي ومنها القمع ضد الأكراد. خلال سنوات حكم اردوغان، دخل في مطبات متعددة صعوداً وهبوطاً، لكن كان هناك كسر للتقليد الكمالي. في هذه الفترة هناك تياران كماليان داخل الجيش. تيار يحاول التأقلم مع سياسة اردوغان، وتيار كمالي تقليدي اعتقد انه هو الذي قام بهذا الانقلاب. لكن في الوقت ذاته، عقد هذا التيار اتفاقاً مع شرائح أخرى داخل الجيش مستاءة من حكم اردوغان. الانقلاب فشل، وما يجري الآن هو انقلاب مضاد بطابع مدني. امامنا شخص واحد اسمه اردوغان لا يعترف بالدستور. من اعتقلوا حتى الآن يفوق عددهم الـ50 ألف شخص وكل اساتذة الجامعات طردوا من وظائفهم و17 ألف مدرس اعتقلوا. والرقم الى تصاعد.

ما نريد قوله إن الانقلاب الفعلي اليوم هو الانقلاب الذي يقوم به اردوغان. حتى لو افترضنا ان محاولة الانقلاب نجحت، فلم يكن ليظهر بعدها سلطة ديموقراطية بل سلطة معادية للأكراد. ليس احد أفضل من أحد: لا أردوغان ولا الجيش. بعد انتخابات 7 حزيران، قام اردوغان بانقلاب على النتائج. وهو الانقلاب الأساسي والدخول في نظام رئاسي وشلّ عمل المؤسسات الأخرى ومنها القضاء. الانقلاب العسكري الأخير انقلاب على الانقلاب الاردوغاني، لكنه فشل، فنأتي اليوم الى انقلاب جديد. باختصار، أردوغان خطر على الأكراد وعلى المنطقة. وما فعله مرآة لما سيفعله لاحقاً بعدما حاول التحالف مع داعش والنصرة وأحرار الشام وغيرها من الحركات الرجعية المتخلفة، ليكون من خلالها الزعيم الطبيعي للمنطقة.

لكن بعد الانقلاب، هل سيزداد القمع في الداخل وضد الأكراد؟

الدور الذي تطلع اليه أردوغان فشل. واليوم يحاول تطبيع العلاقات مع البعض. وهذا ما يفعله مع روسيا واسرائيل. لم يتبق له سوى قطر والسعودية. حتى مع الولايات المتحدة اختلف. إفلاسه دفعه الى إعادة النظر بسياساته. وفي الداخل، احداث غيّرت من الواقع ومن ذلك استئثاره بمفرده بالسلطة. حتى رفاقه في الحزب تخلى عنهم، ولم يبق أحد حوله سوى حاشية تصفق له، بل اتفق مع قوى اخرى لتمرير مشروعه. كل هذه التطورات شكلت الأرضية لمحاولة الانقلاب الأخيرة.

بعد الانقلاب، لن يعيد أردوغان النظر بسياساته السابقة، بل سيواصلها. اردوغان وصل الى مفترق: ان يبقى في الحكم ويقتل كل من يخالفه او يُقتل. لا طريق ثالثاً. ممارساته في حال المحاسبة تطاله من قتل وفساد ورشى. لا ينتهي الأمر هنا. مهما فعل من الآن وصاعداً، لن ينتهي من تكرار محاولات الانقلاب. سيحاول إدارة تركيا في ظل الفوضى، لكنه سيأخذ تركيا إلى فوضى أكبر. ما فعله واضح وسيستمر به، بل ايضاً سيواصل السياسة ذاتها ضد اكراد سوريا. في أساس مشكلات تركيا، المسألة الكردية وهي مفتاح الحل. إما الحل او استمرار الأزمة.

يعني انه رغم الانقلاب والانشغال الداخلي سيواصل دعم المعارضة السورية؟

عندما جاء «العدالة والتنمية» الى السلطة، اعترف اردوغان بقضية كردية وحمل خطاباً ديموقراطياً. وقال إنه سيحل المشكلة الكردية. وهذا وجد صدى ايجابياً لدى الشعب بنسبة 80 في المئة، وبدأ الحوار لحل المشكلة الكردية. لكنه انقلب على ذلك وعاد الى سياساته السابقة. ولأنه لم يحل المشكلة الكردية، فتح الباب امام الانقلابات العسكرية مجدداً. وبدأت موجة انقلابات ستتكرر ما دام ليس هناك استقرار في تركيا. ربما قريباً وربما لاحقاً. نحن نعارض سياسات اردوغان كما حال القائمين بالانقلاب العسكري. نحن الخط الثالث، وهو حل المسألة الكردية على أساس ديموقراطي.

هل يستمر اردوغان كضرورة لأميركا؟

علاقة تركيا بالغرب استراتيجية. والغرب يحب اتاتورك لأنه مال إليه. المشكلة أن الأتراك لهم ثقافتهم، ولكنهم يعيشون ثقافة الغرب. الغرب يستخدم الأتراك اداة ضد خصومه. أخذوا تركيا الى حلف شمال الأطلسي وإلى الاتحاد الأوروبي. لكن في حرب الخليج لم يتجاوب الأتراك مع الغرب. وللمرة الأولى، يخرج الكماليون عن السياسات الأميركية. فكان القرار بمجيء اردوغان والاسلاميين الى السلطة، حيث كان لأميركا دور كبير في ذلك. وهذا يضرب عصفورين بحجر واحد: أولاً كسر التقاليد الكمالية المتعفنة، وثانياً ان تكون سياسات اردوغان مختلفة. اردوغان ليس زعيماً خرج من الشعب، بل اميركا هي التي جهّزته وجاءت به. وبين ليلة وضحاها، سطع نجم اردوغان، ومع انه لم تكن له صفة رسمية غير انه ذهب الى اميركا وأمضى فترة هناك وعومل كزعيم. لكن بعد ذلك، اتسعت الهوة بين اردوغان واميركا. تعارضت سياساته معها في سوريا والعراق وليبيا واسرائيل ومصر وفي كل مكان. لم تعد اميركا تتحمل هذه السياسات الاردوغانية التي تسبب لأميركا مشكلات. الغرب يقول إنه ضد الانقلاب الأخير، لكنه بقي صامتاً في الساعات الأولى اي حتى اتضاح فشل الانقلاب. لو نجح الانقلاب لكانت التصريحات مختلفة.

هل يعني ذلك ان اميركا لها إصبع في الانقلاب؟

ربما. لأن أميركا صمتت في البداية.

لكن هل يمكن ان تدخل اميركا في انقلاب يحمل كل عناصر فشله؟

لا يمكن القول بصورة مؤكدة ان اميركا لها دور. لكن اردوغان يتهم غولن بالانقلاب. وغولن في أميركا ولا يمكن ان يقوم بانقلاب من دون معرفة أميركا.

مقاربة أميركا لتركيا مختلفة عن مقاربتها لدول أخرى، إذ إن اميركا مهما استاءت من تركيا تبقى بحاجة لها. المشكلات بين تركيا والغرب موجودة، لكن هذا لا يعني القول إنهم ليسوا بحاجة لتركيا. فلها دور مناط بها لتلعبه في المنطقة.

قلت إن اردوغان رغم ان اميركا جاءت به اتبع سياسات معارضة لها. ما هو السبب؟ هل هو في سياسة العثمانية الجديدة ام في الرغبة في التفرد في تزعم المنطقة؟ وألا يعرف ان بقاءه مرهون باستمرار موافقة أميركا؟

وصول اردوغان الى السلطة شيء والتغيرات التي قام بها اثناء وجوده في السلطة شيء منفصل. اردوغان جاء من تقاليد قومية، ولكنه خانها، خان حتى نجم الدين أربكان. وبعد وصوله الى السلطة، اتبع سياسات اسلامية سلفية متطرفة.

في البداية كان مخططاً ان يستلم اردوغان الحكم لفترة محددة، لكن التطورات في الشرق الأوسط جعلته يغتر بنفسه ويتبع سياسات التزعم. وصل الى درجة رأى انه زعيم المذهب السني في العالم الاسلامي والتوجه الى الخلافة وفقاً للعثمانية الجديدة، وهذه نقطة الشرخ الأساسية مع أميركا. وكل تصريحاته كانت على أساس الاسلام. المفارقة ان تركيا التي تخلت عن إرثها الشرقي لتقلد الغرب انقلبت وعادت للتمسك بإرثها الشرقي لتحارب الغرب.

هل تخاف أميركا من تركيا قوية؟

الخوف من الشعبية التي حصل عليها اردوغان كان هاجساً لأميركا وسبباً في التناقضات بينهما في الآونة الأخيرة.

هل من اتصالات بين حزب العمال الكردستاني واميركا؟

توجد اتصالات، لكنها ليست متطورة ولا ترقى الى مستوى التنسيق.

اتصالات مباشرة؟

هي في مرحلة بين المباشرة وغير المباشرة.

هل هي اتصالات ايجابية؟

بالنسبة للقضية الكردية هذا يختلف بحسب المنطقة. على سبيل المثال، في «روج آفا» تأييد اميركي للنموذج الذي ظهر هناك وسعي لمنع تدخل تركيا هناك. لكن في المقابل، تغض أميركا النظر عما يحصل من مجازر وقتل وقمع ضد الأكراد من جانب الدولة التركية. مثلاً من جهة اميركا، تتعاون مع قوات الحماية الكردية وتقدم الدعم وتمنع تركيا من التدخل. تلعب دوراً مزدوجاً وبحسب مصالحها، والعلاقة معها لذا تكتيكية.

هل من وعد أميركي بدعم الفدرالية الكردية في سوريا؟

قطعا لا. أميركا تتبع سياسة براغماتية. لا تدعم الفدرالية ولكنها لا ترفضها مباشرة ولم تعترف بها حتى الآن. تبقيها كأمر واقع في انتظار ما ستسفر عنها التجربة. تُقارِبُها وفقاً لمصالحها. تعطي العسل لكل واحد. في الكواليس تقول إنها ليست ضد الفدرالية ولكنها علناً تقول إنها ضد التقسيم، علماً ان الفدرالية ليست تقسيماً.

÷ هل ستسمح اميركا بوصول الأكراد إلى عفرين ووصل «الكوريدور» الكردي؟

{ أميركا تحاول التلاعب بكل العناصر الموجودة بحيث لا تقف عائقاً جدياً امام وصول الأكراد الى عفرين. ولكنها تقول لتركيا إنها لن تعترف بالكيان الكردي في «روج آفا».

÷ هل من اتصالات مع النظام في سوريا؟

{ منذ البداية، هناك علاقات مع دمشق والاتصالات قائمة دائماً. ولكنها ليست لقاءات كثيرة.

هل أثّر إخراج أوجلان من سوريا على العلاقات مع دمشق؟

نحن نحفظ الوفاء لهذه العلاقة وما قدمته دمشق لنا في الماضي.

فرض اسم الفدرالية بدون تشاور أثّر على النظرة الى التجربة ونظر اليها على انها مشروع انفصال. هل هي فعلاً مشروع انفصال؟

نحن أيضاً انتقدنا فرض هذه الرؤية وشكل إعلانها ووجود مصطلح «روج آفا» لأن «روج آفا» تبقى بقعة جغرافية ضمن الوحدة السورية المتكاملة. كان على الإعلان أن يكون مختلفاً. نحن كنا ضد شكل إعلان الفدرالية. نحن مع أن يكون فدرالية شمال سوريا. لماذا فدرالية روجافا؟ ما الذي يكون عليه باقي سوريا؟ لم يفكروا بباقي سوريا.

هذا خطأ مَن؟ ألا يوجد تنسيق بينكم وبين المسؤولين في «روج آفا»؟

ليس هناك من تنسيق بمعنى أعملوا هذا او ذاك. نحن لا نتدخل مباشرة هناك. نقدم مقترحات. لكن لا نقول بحتمية اعملوا هذا او ذاك. انتقادنا ايضاً انهم أعلنوها قبل أن تتم تهيئة الارضية المناسبة لإعلانها. وهذا انعكس كما لو انه فرض رؤية وهذا شيء سلبي. كان من الأفضل شرحها قبل إعلانها. نريد مصطلح فدرالية شمال سوريا. ونطلب إخراج «روج آفا» من اسم الفدرالية. لأن «روج آفا» تعني فدرالية قومية خاصة بالأكراد. منطقة شمال سوريا تحوي كل المكونات. بقدر ما يكون كل مكون فيها حراً بقدر ما يكون الأكراد أحراراً. لأجل ذلك ركزنا بداية على الثورة الذهنية، ومن دونها تتعقد الأمور.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى