تحالف ينتقل إلى العلن
غالب قنديل
ما دمنا في الذكرى العاشرة لحرب تموز لا داعي للاستهجان والتعجب دون التخلي عن الاستنكار والإدانة فكل ما يقوم به اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي هو مهمة رسمية تتمثل بتكريس انتقال التحالف السعودي الصهيوني إلى العلن مستكملا خطوات الأمير تركي الفيصل وما راكمه الرئيس السابق للاستخبارات السعودية بندر بن سلطان الذي عين اللواء عشقي مستشاره الخاص طيله فترة توليه المنصب.
أما عن علاقة حرب تموز بهذا الملف فقد كان التنسيق السري بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية أحد خصائص تلك الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ومعها الحلف الأطلسي ومجموعة شرم الشيخ التي تضم العديد من الحكومات العربية بقيادة سعودية والغاية كانت رد الاعتبار لهيبة إسرائيل التي دمرتها هزيمتها في لبنان واضطرار جيشها للخروج من الأراضي اللبنانية دون قيد او شرط عام 2000.
ما قامت به المملكة خلال الحرب في خدمة العدوان تمثل بتجنيد حلفاء المملكة من الأطراف السياسية اللبنانية لشن حملات سياسية وإعلامية واسعة اتسمت بالعدائية وإثارة الكراهية ضد المقاومة وقد ظهرت خلال حرب تموز مشاهد مشينة لذلك التواطؤ مع العدو وما خفي منها أعظم ليس منه سوى القليل ما كشفته مصادر صهيونية عن معلومات امنية سعودية تلقتها المخابرات الصهيونية وما لم يكشف حتى اليوم عن طبيعة التعهدات التي قدمتها قوى الرابع عشر من آذار عشية العدوان وما لعبه بعض اطرافها من ادوار لترويج الخضوع لشروط العدو تحت الخيمة السعودية ويمكن ان يقال الكثير بدءا من تسخير منظومات اتصالات لبنانية تم شبكها باجهزة المخابرات الغربية والخليجية في لبنان لتزويد العدو بالمعلومات عن قادة حزب الله واماكن تواجدهم واحيانا لتصحيح أهداف الغارات الصهيونية لهذا الغرض ويقينا إن لدى حزب الله بنك من المعلومات حول تلك الصفحات المكتومة إلى اليوم ولو أفرجت الخارجية الأميركية عن محضر مائدة عوكر ولقاءات جيفري فيلتمان خلال الحرب التي لم تنشر في وكيكليكس لوجدنا الكثير من البصمات السعودية في تورط زعامات وقيادات لبنانية بمواقف مشينة أقلها التآمر مع العدو على بلادهم وشعبهم .
لماذا ينتقل التحالف السعودي الصهيوني إلى العلن وبتسارع كبير يخالف الأسلوب التقليدي الذي اتبعته الرياض تاريخيا في دبلوماسيتها السرية ؟ الجواب هو في طبيعة المرحلة وتوازناتها المتحولة منذ تقدم التفاوض الأميركي الدولي حول الملف النووي الإيراني وإلحاح الكيان الصهيوني على إنجاز خطوات جديدة في طريق تصفية قضية فلسطين والانتقال إلى مرحلة الدولة اليهودية العنصرية وهو امر توفر له المملكة تغطية سياسية من خلال ما يسمى بالمبادرة العربية التي يجري التلاعب بنصوصها في خدمة المصالح الصهيونية المبنية على إسقاط حق العودة وتثبيت الاستيطان واعتماد المبدأ الصهيوني المتمثل بعدم السماح بأي كيان فلسطيني كامل السيادة وهذا ما تضمن المملكة حماية رضوخ السلطة الفلسطينية له بالكامل من خلال اتفاقية اوسلو والتنسيق الأمني بينما تتولى حكومتا تركيا وقطر الشق الآخر بالسعي لتدجين حركة حماس واستدراجها في طريق التصفية تحت شعار الهدنة الطويلة التي تبناها خالد مشعل منذ مدة بعيدة بحوافز اقتصادية ومالية قطرية .
إذن إنه فصل جديد من عملية لها ذاكرة تنتقل من الكواليس إلى العلن وبكل وقاحة وثمة ارتباط بين هذا الثمن المدفوع نقدا لكيان العدو وتطور التحالف السعودي الصهيوني في سورية واليمن بشكل خاص وفي احتضان جماعات الإرهاب والتكفير التي باتت تقيم علاقات سياسية وميدانية ومخابراتية مع العدو الصهيوني على تخوم الجولان وحيث تنقل إليها تحت الحماية الصهيونية أسلحة وأموال سعودية المصدر مباشرة او عبر الوسيط الأردني.
وسط ذلك كله يتلاقى الجانبان السعودي والصهيوني على اعتبار حزب الله عدوا مشتركا يحتل الرتبة الأولى في مصادر الخطر فبقدر ما ألحق الحزب هزيمة مقيمة بالكيان الصهيوني استطاع كسر شوكة عصابات الإرهاب التي تنتمي فكريا وعقائديا للمدرسة الوهابية الأخوانية وتحظى بالمال والسلاح بفضل الدعم السعودي القطري التركي بتوجيه اميركي وقد راهنت عليها المملكة السعودية كأداة لبسط نفوذها في العراق وسورية واليمن وليبيا وغيرها غير آبهة بخطر ارتدادها عليها في الداخل كما يحصل مؤخرا وكما حصل بعد اختبار ذلك الأسلوب في أفغانستان لسنوات يتفاخر بها وزير الخارجية السعودي ويتباهى بإنجازاتها معترفا ضمنا بتبني فصائل القاعدة ومثيلاتها راهنا.
حلف عدواني خطير ينتقل إلى الظهور العلني بعدما كان في الكواليس السرية المعتمة للمخابرات وبوساطة اميركية دائمة في محاولة يائسة لاتقاء هزيمة كبرى تلوح في الأفق وعلى الذين استنكروا ان يذكروا تغطية السلطة الفلسطينية للتنسيق مع الكيان الصهيوني وان يتذكروا هتك تحريم الاتصال بالعدو منذ الاتصالات التي مهدت لكمب ديفيد ووادي عربة و17 أيار وغيرها إضافة إلى تلاقي المواقف السياسية لحكومات عربية عديدة مع الكيان الصهيوني في الكثير من قضايا المنطقة .