مقالات مختارة

كيف يساعد الانقلاب التركي الفاشل الرئيس بوتين آنا بورشفسكايا

 

ذي هيل

19 تموز/يوليو 2016

تشكل محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في نهاية الأسبوع الماضي مسألة هامة بالنسبة إلى روسيا، وعلى وجه الخصوص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك لعدة أسباب، كونها لاقت قبولاً في المجتمع المؤيد للديمقراطية، وأثارت تساؤلات حول خطوات بوتين المقبلة في الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات بين روسيا وتركيا.

وفي نهاية الأسبوع المنصرم، تحدث بوتين وأردوغان عبر الهاتف في مكالمة بادرت بها موسكو وفقاً لبعض التقارير. ولم يكن من المفاجئ أن يؤكد بوتين في حديثه مع أردوغان، وفقاً لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، على “موقف رئيسي يقوم على عدم قبول الانقلابات على الحكومة، سواء أكانت في تركيا أو أوكرانيا أو اليمن أو في أي مكان آخر”. فبوتين يخشى من أي انقلاب يحاول الإطاحة بحاكم استبدادي لأن ذلك قد يشكل مثالاً يَحتذي به شعبه. أضف إلى ذلك أنه مقتنع بأن الغرب كان وراء الاحتجاجات الواسعة النطاق التي حدثت في أواخر 2011 وحتى أوائل 2012 ضد عودته إلى الرئاسة في ولايته الثالثة. وكما هو متوقع، قال أحد أعضاء حزب بوتين “روسيا الموحدة”، شمسيل سارالييف، إن الولايات المتحدة تقف وراء الانقلاب في تركيا – فوفقاً لوجهة نظره، إن التحسن الأخير في العلاقات الروسية التركية وتجدد تدفق السياح الروس إلى تركيا لم يكن مريحاً للولايات المتحدة. وخلص إلى القول: “بالتالي سيكون من المفيد لتركيا في الوقت الراهن إعادة علاقاتها مع الجميع – وفي المقام الأول مع روسيا، حليفها الاستراتيجي”. هذا وتشير تقارير صحفية إلى أن بوتين وأردوغان سيجتمعان من جديد في أوائل آب/ أغسطس.

بيد، ينظر الكثيرون في روسيا إلى الانقلاب على أنه ليس خطأ أحد بل أردوغان. فقد ورد أن البعض دعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى القيام بانقلاب مماثل في روسيا، على الرغم من أن مثل هذه الدعوات بالكاد لقيت أي صدى على ما يبدو. حتى إن البعض قارن أردوغان بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي أدى حكمه الفاسد والمناهض للديمقراطية على نحو متزايد إلى قيام احتجاجات حاشدة في “ميدان كييف” بين عامي 2012 و2013. ومن جهة أخرى، قارن البعض الآخر الانقلاب التركي بثورة “ديسمبر” الفاشلة في روسيا ضد القيصر نيقولا الأول عام 1825، أو الانقلاب الفاشل ضد هتلر في حزيران/ يونيو 1944. كما تبع ذلك نقاش حول ما إذا كان من غير الممكن الوصول إلى الإصلاح الديمقراطي الحقيقي إلا من خلال وسائل سلمية وديمقراطية.

وقبل الأزمة السورية التي اندلعت عام 2011، كان بوتين وأردوغان من أقرب المقربين. وذكرت مصادر روسية وتركية أن بوتين وأردوغان كانا يجتمعان وراء الأبواب المغلقة من دون حضور أي شخص آخر. فكلاهما حاكم استبدادي معادٍ للديمقراطية وعد بتحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي في بلاده، وفي المقابل طلب ضمنياً من شعبه التخلي عن حريته. وفي كثير من النواحي، حالف الحظ الرئيسين وترأسا العديد من التحسينات الاقتصادية قصيرة المدى. فقد عمل الإثنين في برنامج عملهما الأول على ملاحقة الصحافة الحرة واستمرّا في اتخاذ إجراءات صارمة في حق المجتمع المدني المحلي.

ولا يزال مستقبل تركيا غير مؤكد، ولكن بوتين بارع في تحويل مثل هذه الحالات لمصلحته، لذلك يمكن الاعتماد على المزيد من الانتهازية من قبل الكرملين. فبوتين سيقدم نفسه كصديق لأردوغان، وفي الوقت عينه سيضغط عليه على الأرجح لكي يتقرب من روسيا بصورة أكثر على عدد من الجبهات، وعلى وجه الخصوص تغيير سياسته تجاه سوريا لتصب بصالح روسيا. وهو أمر سيكون الآن أكثر سهولة مما كان عليه قبل الانقلاب. فوفقاً لقناة “بي بي سي” الروسية، نقلاً عن منشور صحيفة “كوميرسانت” الروسية، قال مدير “مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات” (كاست)، رسلان بوخوف، إن كلاً من بوتين والرئيس السوري بشار الأسد، الذي يدعمه بوتين، سيستفيدان من نتيجة الانقلاب. وأضاف قائلاً أن “أردوغان لن يمتلك لا الطاقة ولا الموارد اللازمة لمساعدة المعارضين المؤيدين للأتراك في سوريا“.

وفي الوقت نفسه، فإن الصحافة التي يسيطر عليها الكرملين ستنسى، بشكل ملائم، العلاقات التاريخية الوثيقة التي ربطت موسكو والأكراد؛ حيث أنه، على سبيل المثال، في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي فقط، استضافت موسكو صلاح الدين دميرتاز، الرئيس المشارك في «حزب الشعوب الديمقراطي» [«حزب ديمقراطية الشعوب»] الموالي للأكراد، والذي كان ينتقد إسقاط تركيا لطائرة روسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. من هنا، سيحافظ بوتين على المرونة خلال تقديم نفسه كحليف، وسيساعد أردوغان على الابتعاد عن الغرب.

وفي هذا الإطار، بعث إليّ الخبير المحنك في شؤون الشرق الأوسط ومدير “مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط” في “الأكاديمية الروسية لمعهد العلوم للدراسات الأمريكية والكندية”، ألكسندر شوملين، برسالة إلكترونية يخبرني فيها بأنه يعتقد أيضاً أنه من المرجح أن يؤدي الانقلاب الفاشل إلى تقارب روسيا وتركيا من بعضهما البعض بصورة أكثر. ويقول أن العديد من الأحداث تشير إلى هذا الاتجاه، مثل حقيقة أن أردوغان قال إن منظمي الانقلاب هم نفس الأشخاص الذين أسقطوا الطائرة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وأن رد أردوغان القاسي على الانقلاب قد يعقّد علاقاته مع الغرب، وأن القمع في الجيش “قد يعني إلغاء إمكانية اعتماد “الخطة ب” في سوريا من جدول الأعمال (إلى جانب المملكة العربية السعودية).

من جهتها، تشير المحللة الروسية البارزة ليليا شيفتسوفا إلى أن أردوغان “يبتز” الغرب لكي يتجاهل عمليات القمع القاسية التي يشنها، بعلمه أن الغرب بحاجة إلى تركيا وقواعدها الجوية. كما ترى أن الحكام الاستبداديين في العالم يراقبون الكيفية التي سيستجيب بها الغرب [لما حصل في تركيا]. وتخلص إلى القول: “ما يقوم به الرئيس التركي سيصبح عبارة عن مَرْجِع للقادة الآخرين الذين يحلمون بالسلطة المطلقة، ذلك فيما يفكر الغرب، وببطء، بكيفية الرد

معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى