بقلم غالب قنديل

أردوغان بعد الانقلاب

غالب قنديل

خمسون ألفا من العسكريين والمدنيين الأتراك صنفوا ضمن لوائح الاعتقال او الإقالة من الوظائف العامة التي يشغلونها في الجيش واجهزة الأمن والهياكل الإدارية والقضائية والتعليمية التركية وتقول مصادر في بعض احزاب المعارضة إن هذا العدد سيصل إلى ثلاثة أضعافه أي مئة وخمسين ألفا خلال فترة الطواريء المحددة بثلاثة أشهر قابلة للتمديد .

صدم المشهد التركي كثيرا من الكتاب العرب والأجانب الذين تجندوا من سنوات للتبشير بالتجربة التركية كنموذج للديمقراطية في العالم الثالث ولما اطلق عليه تسمية نموذج الإسلام المعتدل منذ صعود حزب العدالة والتنمية وقد عقدت عشرات المؤتمرات والندوات ونشرت دراسات وتقارير هطلت كالمطر خلال السنوات الماضية وجاء الحصاد المأمول بالنسبة للمخططين الأميركيين من خلال ما سمي بالربيع العربي حيث قدم الدعم الاستثنائي سياسيا وعمليا لجماعات الأخوان المسلمين ومن ثم لفصائل القاعدة ومثيلاتها وتحولت تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان إلى قاعدة اميركية لتصدير النموذج الأخواني في المنطقة فكان السقوط الأول في صمود سورية وتبعتها مصر فتونس واليمن وليبيا والعراق بحيث تكشف الحضن الأخواني عن مولد لتشكيلات التكفير الإرهابية .

عندما يسقط النموذج في معقله الأول تصبح الارتدادات والتداعيات اوسع وأعمق مما يتخيل المخططون وبغض النظر عن حجم الدور الأميركي في رعاية الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا فإن تلك الساعات اطلقت حملة تطهير شاملة تشبه بحجمها ونتائجها ومستوياتها كل ما عاشه الشعب التركي وعانى منه مع الانقلابات العسكرية الكبرى التي اعقبتها ديكتاتوريات دموية تحت الرعاية الأميركية الأطلسية .

الجنة الديمقراطية المزعومة بقيادة تنظيم الأخوان المركزي في المنطقة تتهاوى تحت سيف حالة الطواريء ومحاكم التفتيش التي سيجري تشكيلها لتصفية جميع المعترضين على سياسة أردوغان ونهجه في هياكل الدولة التركية وسائر المجموعات المنافسة على الحكم ولو من ذات التركيبة العقائدية كمجموعة فتح الله غولين فهي فرصة يستثمرها حاكم تركيا العرفي لتمرير التحول إلى نظام رئاسي .

يشهد الوضع الراهن مصادرة شبه كلية للتعدد الإعلامي ولحرية التعبير واحكاما جاهزة على المخالفين بتهمة المشاركة في الانقلاب والانتماء إلى التنظيم الموازي بزعامة فتح الله غولين اما نموذج النمو الاقتصادي الذي رعاه الغرب في تركيا على الطريقتين الكورية الجنوبية والماليزية أي من خلال علاقات التبعية الوظيفية لمراكز الهيمنة الإمبريالية فهو اليوم مهدد بالاضطراب الأمني المديد وبتقطيع الأوردة مع الجوار الإقليمي الذي استهدفه اردوغان بإقامة منصات للعدوان والتخريب بدلا من حسن الجوار وهذا ما تعاملت به تركيا العثمانية مع سورية والعراق ومصر وروسيا بينما سايرت إيران ولم تستمع لنصائحها السياسية المتكررة بالكف عن دعم عصابات التكفير.

أردوغان شريك عضوي لداعش ومساهم كبير في تمويلها واليوم ترتد داعش وسواها من فصائل الإرهاب إلى الحضن التركي وفيه ويمثل هذا التحدي اهم واكبر الأخطار المرتدة في حروب التدخل بالقيادة    الأميركية .

حين يغمز أردوغان من قناة المسؤولية الأميركية عن الانقلاب يتجاهل حقيقة انه سار بالأمر الأميركي في طريق العدوان على سورية والتدخل في العراق والتآمر على مصر وفي محاولة تدجين قيادة حماس لزجها في مسار تصفية قضية فلسطين .

الخبر السعيد للمنطقة ولشعوبها وللقوى الوطنية الاستقلالية العربية ان أردوغان سيكون لفترة غير قصيرة منشغلا بنفسه وبمصير سلطته فهو اطلق اضطرابا تصعب السيطرة عليه ويصعب التخلص من تداعياته المتشعبة وهي فرصة مناسبة لإرغامه لردع سياسته العدوانية ضد سورية والعراق بتأثير روسي إيراني يستثمر احتياجه للعلاقة بهاتين القوتين الفاعلتين كما انها تتيح فرصة اخرى لتسريع مسار الحسم ضد العصابات الإرهابية التي يحتضنها الحكم التركي بالشراكة مع السعودية وقطر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى