الخطة الأميركية ـ الروسية: ترسيم حدود التنافس في سوريا؟ وسيم ابراهيم
مؤشراتٌ عديدة تقول إن هناك إعلانات مشتركة، روسية – أميركية، ستظهرُ خلال الأيام المقبلة حول الحرب السورية. «الخطّة الجديدة» حملها إلى بروكسل وزير الخارجية الأميركي جون كيري. واشنطن لا زالت تلعب دورَ المتفائل الوحيد باتفاقها مع موسكو، فيما شككّت مصادر مختلفة، اطلعت على الشروحات الأميركية لـ «التوافقات»، بإمكانية إحداث اختراق يمكن التعويل عليه. البعض شدّد على أنها «مستوى جديد» من لعبة تدور بين الروس والأميركيين، بينهما حصراً، فيما قال آخرون إن هناك تحفظات سعودية تضاف إلى صعوبات ملف سوريا المعقد «بشكل لا يمكن معه توقع انعطافات قريبة».
هل هي مجرد خطة أخرى لملء فراغات المنافسة وتنظيمها؟ أم هي فعلاً خطوة كبيرة لترسيم حدود النفوذ وتثبيت خطوط التماس في الميدان السوري؟ سؤالان أحاطا باجتماعات كيري في بروكسل. نقل الوزير الأميركي خلاصات «الخطة الجديدة» إلى وزراء الخارجية الأوروبيين، معلناً عن «خطوات متسلسلة» مرتقبة ستخرج من الاتفاق مع موسكو، قبل أن يعود إلى اجتماع تشاوري مع وزراء دول الخليج، استمرّ قرابة الساعتين.
مصادر ديبلوماسية أوروبية اطلعت على ما حمله كيري قلّلت من أهمية إحداث أي اختراق. قالت المصادر لـ «السفير» إن الاستنتاجات بعد الاستماع إلى الوزير الأميركي تصب في أنها «مناورة جديدة» في المسار السابق ذاته، موضحةً أنها تمثل «مستوى جديداً، لكنه يأتي في سياق تطور اللعبة بين الأميركيين والروس، وليست خطوة تستهدف تحويل مجرى الصراع في سوريا».
مجمل الخطوط العريضة للخطة، كما سرّبتها الصحافة الأميركية، تجعلها تبدو كما لو أنها خطوة كبيرة فعلاً. تشكيل مركز تنسيق مشترك لمراقبة هدنة دائمة سيجعل واشنطن وموسكو في مركز قيادة موحّد لإدارة الميدان السوري. سيعني ذلك أيضاً تلبيةً لمطالب روسية، تكررت مراراً في السابق، حول تنسيق مشترك وجدّي لمحاربة الإرهاب.
من جهة، هناك ثمنٌ متعلق برفع الغطاء عن جبهة «النصرة»، ضمّها إلى أولوية الاستهداف مع «داعش»، لكنّ هناك أيضاً ثمناً تدفعه موسكو بإلزام دمشق السير على خريطة هدنة تلجم، على الأقل، العمليات الجوية، تمهيداً لتثبيت خطوط تماس بما يحمي وجود «المعارضة» المدعومة غربياً. مسؤولون في المعارضة توقعوا ذلك سابقاً، معتبرين أن مسار التداول الأميركي والروسي، بما في ذلك الدعم العسكري لحلفاء الطرفين، كان يعود بعد كل جولة تصعيد إلى تكريس خطوط تماس وحمايتها.
المصادر الأوروبية اعتبرت أن الخطة يمكن مقارنتها باتفاق «مينسك»، موضحة أن «التفاصيل والوضع مختلفان لكن المبدأ هو نفسه: فرض روسيا نفسها لاعباً أساسياً لا يمكن إيجاد حلول لصراعات دولية من دونه»، قبل أن تضيف «الروس يقولون لا وجود لحلول من دوننا، وأي محاولات لذلك ستنتهي إلى الفشل، كلامهم صحيح لأنهم أثبتوا قدرتهم على تعطيل كل المبادرات التي حاولت القفز عن دورهم».
«اتفاق مينسك» جمّد نسبياً الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا. ما فعله الاتفاق الأوكراني هو تثبيت نقاط تماس، العمل على تفريغ مناطق عازلة بين المتحاربين، سحب الأسلحة الثقيلة لتكريس الهدنة الدائمة على أساس نقاط التماس الموجودة في الاتفاق. الاتفاق يتمسك به الجميع، رغم أن خروقاته، تجدد تبادل إطلاق النار والاشتباكات، لم تتوقف منذ توقيعه في شباط 2015. الاتفاق مثار مديح دائم رغم كل مساوئه، فيما يربط الغرب التطبيع مع روسيا، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، بتطبيق كامل بنوده لجهة سحب الإمداد العسكري المباشر للانفصاليين وإلزامهم بنقاط التماس.
الوزير الأميركي قال إن الخطة ستكون على شكل «خطوات متسلسلة»، يتم الإعلان عنها تباعاً وفق التطبيق ووتيرته، مؤكداً أن العمل بين الفريق الأميركي والروسي جارٍ الآن لوضع إطار تنفيذي سيتم الإعلان عن أول مراحله قريباً. خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، شرح أن الأمر يدور حول «خطوات متسلسلة» هدفها «استعادة وقف الأعمال العدائية وإيقاف القصف العشوائي لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، وتصعيد الجهود ضد (جبهة) النصرة، وأيضاً خلق مساحة لانتقال سياسي حقيقي وذي مصداقية». لفت إلى أن العمل على إطار التنفيذ لخطة تتضمن تلك المبادئ «يجري القيام به الآن بينما أتحدث، وخلال هذا الأسبوع ستجري لقاءات أخرى (مع الروس)، وأتوقع سلفاً أنه سنعلن عن خطوات جديدة بينما نمضي قدماً».
وضع كيري تفاصيل الاتفاق مع الروس أمام نظرائه الخليجيين، في اجتماع تصدّره مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي كان قد قال في مؤتمر صحافي مع موغيريني إن «الحل قائم بإيجاد حل للأزمة السورية»، مشدداً على أن «دعم المعارضة السورية سيستمر وكذلك الحرب على داعش».
مصادر رفيعة المستوى، اطلعت على مداولات الاجتماع الخليجي – الأميركي، قالت لـ «السفير» إن الخطة تحاول «التأسيس لهدنة دائمة، ثم تكريسها على الأرض باتفاق شامل». لكن المصادر قللت أيضاً من إمكانية التعويل على انفراجة حقيقية في الحرب السورية، كما تحدثت عن «تحفظات» سعودية تعترض على «خطة توصل لتطبيع مع روسيا بما يعني القبول ببقاء نظام الأسد في السلطة»، قبل أن تضيف أن ذلك يزيد من تعقيد الوضع السوري «بشكل لا يمكن معه توقع انعطافات قريبة. نأمل ذلك وكيري حمل بوادر اتفاق شامل، لكن لا يمكن انتظار حصول تحوّل مهم».
(السفير)