مقالات مختارة

الانقلاب في تركيا فشل والآن جاء دور انقلاب اردوغان: تسفي برئيل

 

إن محاولة الانقلاب في تركيا قد تشكل رافعة قوية للرئيس رجب طيب اردوغان في تحقيق حلمه وهو التحول الى مطلق القوة والصلاحيات. وأن يقوم باجراء انقلاب في الدستور. بعد حملتين انتخابيتين في السنة الماضية، حيث لم يحقق الاغلبية المطلوبة في البرلمان، يبدو أن انتخابات ثالثة، تستغل معارضة الجمهور للانقلاب والغضب من محاولة الانقلاب، ستُمكن أخيرا من تغيير الدستور. وهذا الامر يعني أن هناك صلاحيات تنفيذية كثيرة وواسعة، تحول الرئيس الى رئيس للسلطة التنفيذية – وليس فقط شخصية رمزية مع صلاحيات مثل تعيين رئيس الحكومة ورئيس هيئة الاركان. ولكنها بعيدة جدا من أن تكون مثل النموذج الامريكي.

إن طموح اردوغان تعزز أمس بشكل أكبر على صعيدين: معظم قوات الجيش والشرطة عملت ضد من خططوا للانقلاب. وتم اعتقال مئات الضباط والجنود الموالية لرجل الدين في المنفى، عدو الرئيس الاسد، فتح الله غولن. وفي نفس الوقت قام من يعارضون الانقلاب والمؤيدون للرئيس بالسيطرة على الشوارع، بتأييد احزاب المعارضة التي أعلنت عن معارضتها للانقلاب.

من خططوا للانقلاب فشلوا في تقديراتهم حول مستوى التأييد والدعم على هذين المستويين. فقد اعتقدوا أن 60 في المئة من الجمهور الذين لم يؤيدوا حزب العدالة والتنمية سيخرجون الى الشوارع ويؤيدون الانقلاب. وأن وحدات سلاح المشاة ستنضم للقوات المسلحة وبعض الوحدات في سلاح الجو. وأن الشرطة لن تتجرأ على الخروج ضد الجيش. ولكن على المستوى العسكري يظهر أن الفشل نبع من الحاجة الى الحفاظ على السرية حتى اللحظة الاخيرة، الامر الذي لم يُمكن من توسيع دائرة تأييد الانقلاب في الجيش. وخلافا للانقلابات العسكرية السابقة لم تكن هذه المرة محاولة انقلاب للجيش، بل أجزاء منه.

في الانقلابات التي حدثت بين سنوات 1960 – 1971 وانقلاب 1980 كان الجيش يقوم بتحذير المستوى السياسي مع الاعراب عن نيته السيطرة على الحكم اذا لم يتم التصرف بالشكل المناسب. هذه المرة تم احتجاز رئيس هيئة الاركان كرهينة، الامر الذي يشير الى الانقسام الداخلي. والنتيجة هي أنه منذ المرحلة الاولى تسبب الانقلاب بوجود انقسام لعب دورا في صالحهم. الفشل ليس تكتيكيا فقط بل هو ايديولوجي. ففي الانقلابات السابقة اعتمد الجيش على رسالته كمدافع عن الدستور الذي صاغه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. تلك الانقلابات كانت مبررا ظاهرا للعيان مثل موجات العنف في عام 1960 أو غياب السيطرة على الحكومة في بداية 1970. ولكن في هذه المرة لم يكن للانقلاب أي أساس فكري ولم يتعلق بحاجة فورية تنشيء حالة من التضامن.

إن تركيا تعاني من العمليات. فاقتصادها، وبالذات فرع السياحة، أصيب بشكل كبير. ايضا حوالي ثلاثة ملايين لاجيء سوري يعيشون على الاراضي التركية والحرب ضد مواطنيها الاكراد تحولت الى أمر روتيني. ولكن رغم كل ذلك ما زالت تركيا تناور بشكل لا بأس به. ما زال الاقتصاد في تركيا يشكل قصة نجاح خاصة عند المقارنة مع الازمة العميقة التي كانت قبل تولي حزب العدالة والتنمية الحكم. واتفاق اللاجئين مع اوروبا الذي يُدخل للدولة 6 مليارات يورو هو مثابة انجاز.

إن عمليات المصالحة مع روسيا واسرائيل وامكانية المصالحة مع مصر تضعف موقف المعارضة التركية التي تزعم أن اردوغان عزل تركيا. فهذه النجاحات التي حظيت بتأييد كبير حولت اردوغان الى رئيس لا بديل له. وفي ظل غياب قائد للمعارضة له شعبية أو وجود منافس له في حزبه، يعتقد خصوم اردوغان أنه لا يمكن استبداله في المستقبل القريب.

يبدو أن من خططوا للانقلاب أدركوا ذلك، لكن البعد الجماهيري كان أقوى: حتى لو كان اردوغان مكروه، فان الانقلاب مكروه أكثر منه. حين تكون الاجواء هكذا فلا يتم النظر الى الجيش على أنه منقذ الدولة. خاصة بعد 14 سنة على وجود سلطة مدنية ناجحة. اضافة الى ذلك، فان الجيش وخصوصا الاستخبارات، يخضعان الى مراقبة داخلية لا تصل الى وسائل الاعلام. ويتهم المراقبون الاستخبارات بالفشل في الكشف عن منفذي العمليات واقتلاع خلايا داعش داخل الدولة، وبذلك مساعدة هذه المنظمة عمليا، وبالذات ادارة حرب عنيفة وقذرة ضد الاكراد.

الحرب ضد الاكراد وسياسة اردوغان بخصوص سوريا هي جوهر الخلاف. اضافة الى ذلك، فان الجيش الذي قام اردوغان بابعاده عن السياسة وعمل على تطهيره بشكل فظ وقمعي، يعتبر من قبل اغلبية الجمهور مواليا للرئيس. لذلك فان السلطة العسكرية لن تضمن التغيير الذي يأمل به خصومه.

صورة اردوغان كقائد ديمقراطية غير ديمقراطية تعززت في السنوات الاخيرة، بعد أن قام بهز الجهاز القضائي وأقال مئات القضاة والمدعين العامين وانشأ جهاز يقوم بتعيين القضاة. إن صراعه ضد الصحافة الحرة والسيطرة على الصحف وقنوات التلفاز من قبل مقربيه، واعتقال الصحافيين ومطاردة منتقديه في الشبكات الاجتماعية وتصريحاته الشديدة ضد خصومه السياسيين، كل ذلك أغلق مسارات التعبير لمعارضيه وأثار ضده الغرب. ولكن عندما منح الجمهور الفرصة لاسقاط نظام قمع، فان الخيار العسكري تم اعتباره أكثر خطورة.

بعد فشل الانقلاب، يبدو أن الجيش الذي وقف في أغلبه الى جانب النظام، سيتلقى ضربة قوية، ليس فقط من اردوغان الذي بدأ في حملة تطهير واسعة، بل ايضا في اوساط الجمهور وفي اوساط خصوم الرئيس الذين يميلون الى الاتفاق مع رئيس الحكومة المقال، احمد داود اوغلو على أن “تركيا ليست دولة افريقية يسيطر فيها الجيش على النظام”.

من المتوقع أن يقوم اردوغان بعدد من الاجراءات من اجل استقرار الدولة واظهار سيطرته أمام الغرب. وقد يكون الاقتصاد هو الضحية، لذلك يجب تهدئة البورصة واستئناف حركة الطيران ودفع سياسة المصالحة مع دول المنطقة قدما. وسيضطر اردوغان الى تصفية حساباته ليس فقط مع المشاركين في محاولة الانقلاب، بل ايضا مع رؤساء الاستخبارات الذين لم يعرفوا بتلك النوايا. بالنسبة له هذه فرصة لاخضاع كل الجيش للقانون المدني، ويحتمل ايضا تغيير تشكيلته وطبيعة المهمات الملقاة عليه.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى