مقالات مختارة

زلزال إقليمي: الانقلاب لم يكتمل وتركيا إلى المجهول خليل حرب

 

مجهولة هي الساعات التي ستطل هذا الصباح، بالنسبة للجميع وخصوصا الاتراك. هل سيكون رجب طيب اردوغان قيد الاعتقال؟ ام هاربا من «عدالة» الانقلابيين في الجيش؟ ام ستكون الشوارع التركية مجبولة بالدم بعدما ظهرت شرارات الصدام الداخلي المسلح منذ ان اعلن ضباط الجيش انقلاب الليل على الرئيس التركي؟

ولعل المشهد سيكون معكوسا بالكامل، وسيكون اردوغان متربعا في قصره، وقادة الانقلاب الذين لم تتضح هوياتهم حتى ساعات الفجر الاولى، قيد الاعتقال. ومهما يكن، فان ما يجري يشكل الخطر الاكبر الذي يضرب الحكم الاردوغاني، وهيمنة حزب العدالة والتنمية على السلطة في تركيا منذ 14 سنة.

ومما يعزز المشهد المشوش تسارع الانباء فجراً عن فشل الانقلاب، وإعلان رئيس الوزراء بن علي يلديريم ان رئيس هيئة الأركان وقادة الجيش يسيطرون على الوضع، وتأكيد المخابرات ان الانقلاب في طريقه نحو الفشل.

ان الجهل بأجوبة هذه التساؤلات هو بالضبط صورة المشهد التركي الغامض. اردوغان «المخلوع» الذي تردد انه كان في منتجع مرمريس عندما اعلن ضباط الجيش الانقلاب، لم يجد امامه سوى دعوة انصاره للنزول الى الشارع لمواجهة الانقلابيين، ما يعني اندلاع مواجهات بين مؤيديه وقوات الجيش التي كانت بسطت سيطرتها على مدينتي انقرة واسطنبول ومقار حكومية وامنية وعسكرية في انحاء البلاد، بما في ذلك محطات تلفزة.

ليس انقلابا عاديا هذا. ان هزاته الارتدادية اذا اكتمل، ستكون واسعة، وتطال الاقليم كله. هذه دولة «اطلسية»، وهي لاعب اقليمي كبير متهم بالتورط في كل النزاعات والحروب التي اشتعلت في المنطقة خلال السنوات الست الماضية. سوريا قد تتبدل الاحوال فيها تبدلا كبيرا بعدما ظل اردوغان الحاضن الاقليمي الاول للفصائل المسلحة خصوصا في الشمال السوري. ايران تتابع بالتأكيد وبقلق تطورات الاحداث المتسارعة. الرئاسة الايرانية دعت الى اجتماع عاجل لمجلس الامن القومي. الكرملين من جهته، والذي بالكاد اعلن عن مصالحة مع انقرة قبل ايام قليلة، اعلن انه ينظر بقلق كبير الى تطورات الموقف. العراق، مصر، السعودية، قطر، ليبيا، قبرص وغالبية دول الاتحاد الاوربي، واللائحة تطول للدول التي ستتأثر بهذه الهزة الاقليمية الكبرى.

وللدلالة على الحال التي وصل اليها حكم اردوغان، لم يتمكن الرئيس التركي من الظهور علانية ولا عبر وسائل الإعلام سوى من خلال اتصال عبر السكايب مع مقدمة احدى البرامج التلفزيونية التركية ليخاطب الشعب التركي ويحرض الناس على احباط الانقلاب ضده. الا ان التطورات التي شهدتها الساعات الاولى من الانقلاب، لم تظهر حسما كاملا من جانب الحركة الانقلابية في ضبط المشهد لمصلحتها، خصوصا انه لم تتضح ولاءات قطاعات الجيش المختلفة، ولم يتم اعتقال كل القادة السياسيين في حكم اردوغان بما في ذلك رئيس الحكومة بن علي يلديريم.

وفي هذه الاثناء، كان ضباط الانقلاب يتحدثون باسم الجيش ويعلنون البيان الرقم واحد، فيما مقاتلاتهم الجوية تحلق في سماء البلاد، وقواتهم تقطع جسري اسطنبول، وتهاجم مقار للمخابرات، وتحاول فرض حظر التجول في المدن الكبرى، وتخوض اشتباكات مع عناصر حكومية مسلحة، وانما بشكل متفرق ومحدود، من دون ان يتضح ما اذا كانت الاشتباكات ستتخذ في الساعات المقبلة شكلا اكثر خطورة واتساعا.

على ان من بين المؤشرات التي يتحتم التوقف عندها المواقف الصادرة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. اذ بالكاد سمع صوت مندد بالانقلاب المفترض. ردود الفعل الاولية سواء من وزير الخارجية جون كيري او غيره من المسؤولين في اوروبا، كانت اما منصبة على التعبير عن القلق على الوضع في تركيا، او الاشارة الى اهمية الحفاظ على الدستور واستقرار البلاد. ونقلت تقارير عن مصادر اميركية تأكيداتها انها تجهل هوية الانقلابيين ولم تكن على اطلاع مسبق على خطط إطاحة اردوغان. وغالب الظن ان مسؤولي الاتحاد الاوروبي، من جهتهم، لن يستطيعوا اخفاء فرحتهم برحيل اردوغان، بغض النظر عما سيؤول اليه الوضع في تركيا.

واعتبر اردوغان أن «منفذي محاولة الانقلاب» لن ينجحوا، قائلا لقناة «سي أن أن تورك» في اتصال عبر هاتف محمول: «لا أعتقد أبداً أن منفذي محاولة الانقلاب سينجحون»، مشدداً على أنه سيظل الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد وأن الانقلابيين سيدفعون «ثمناً باهظاً جداً».

الجيش التركي

بدت تصريحات قادة الجيش التركي متضاربة أمس، بين من أقروا بالانقلاب وتعاملوا على أساسه أمنياً، وبين من اعتبر أنّ الانقلاب محاولة من قبل فصيل صغير و «لا يوجد مبرر للقلق».

وأعلن الجيش التركي أنه استولى على السلطة وفرض حظر التجول والأحكام العرفية على عموم الأراضي التركية، بينما حلقت مروحيات في سماء العاصمة أنقرة بعدما سبقتها مقاتلات حربية حلقت على علو منخفض.

وقال الجيش في بيان بثه التلفزيون الحكومي، صدر عن «مجلس السلم في البلاد»، الذي قال إنه شكله إثر الانقلاب: «لن نسمح بتدهور النظام العام في تركيا. تم فرض حظر تجول في البلاد حتى إشعار آخر»، مؤكداً أنه «تولى السيطرة على البلاد».

وقال الجيش في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني وأذاعته قنوات تلفزيونية تركية إنه تولى السلطة من أجل حماية النظام الديموقراطي وحقوق الإنسان، وأنه سيحافظ على جميع العلاقات الخارجية للبلاد، وأن الأولوية ستكون لسيادة القانون.

وأظهرت لقطات تلفزيونية مركبات عسكرية تغلق الجسرين الرئيسيين فوق مضيق البوسفور في اسطنبول وانتشار دبابات في المطار الرئيسي بالمدينة. وفي العاصمة أنقرة حلقت طائرات حربية وطائرات هليكوبتر في سماء المدينة.

وذكرت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية، التي تديرها الدولة، أنّ رئيس هيئة الأركان التركية محتجز مع آخرين «رهائن» في العاصمة أنقرة. وذكرت قناة «سي إن إن تورك» أنّ الرهائن محتجزون في مقر قيادة الجيش.

وفي المقابل، قال قائد الجيش الأول في تركيا وهو جزء من القوات البرية مسؤول عن اسطنبول ومناطق في غرب البلاد إن من قاموا بمحاولة الانقلاب فصيل صغير وإنه «لا يوجد مبرر للقلق».

وأضاف قائد الجيش الأول لـ «الأناضول»: «إنهم يمثلون مجموعة صغيرة داخل مقر الجيش الأول».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى