محاولة الانقلاب الفاشلة
غالب قنديل
تعيش تركيا في ازمة مستمرة ومركبة تبدت مظاهرها في سلسلة من الأحداث التي جرت منذ عام 2013 وقد تجلت بتحركات شعبية معارضة ( انتفاضة تقسيم ) وبنتائج مربكة في صناديق الاقتراع خلال دورتين انتخابيتين متقاربتين وكانت تعبيرا عن مأزق كبير تجتازه البلاد كنتيجة لمغامرات الأخوان المسلمين ورهاناتهم الفاشلة بقيادة أردوغان ومنذ سقوط حكم الأخوان في مصر وتعثر العدوان على سورية وانكفاء اوباما عن غزو سورية ورفضه لخطط تركيا المتعلقة بمناطق حدودية عازلة وللحظر الجوي نتيجة معادلات القوة وبفعل تداعيات الانخراط الروسي الداعم للدولة الوطنية السورية وتحول التوازنات الإقليمية التي قامت على صمود سورية الميداني وتلقيها الدعم المناسب حليفيها إيران وحزب الله في مجابهة داعش وجبهة النصرة وسواها من جيوش المرتزقة والحرب بالوكالة التي تقودها واشنطن وانكشاف دور تركيا المحوري في توليد الإرهاب الذي ارتد داخل تركيا نفسها وفي سائر انحاء العالم واحتضانه ودعمه بالشراكة مع قطر والسعودية .
نتائج مغامرات أردوغان العدوانية لاسيما في سورية ومخططه العثماني الموهوم تركزت بمظاهر متعددة :
1- تأزم داخلي اقتصادي خطير تشهد به الأرقام خصوصا مؤشرات انكماش القطاع السياحي وتراجع الصادرات وتقهقرمعدلات النمو وتراجع العملة التركية.
2- ظهور تناقضات سياسية مستعرة داخل المجتمع بين السلطة والمعارضة.
3- انفجار التناقضات داخل النخبة الأخوانية الحاكمة نفسها عبرت عنها الأزمة العنيفة المستمرة مع جماعة فتح الله غولين راعي أردوغان وكفيله الأميركي وكذلك عمليات التصفية المتلاحقة لشركاء أردوغان في الحزب الحاكم ولاسيما الرئيس السايق عبد الله غول ومهندس “صفر مشاكل ” داود اوغلو.
4- تداعيات التورط في سورية على الفالق الكردي المزمن بعد استنفاذ أردوغان لهوامش التلاعب السياسي وبحيث تعيش تسع ولايات تركية منذ أشهر في حالة صدام مستمر وتشهد كرا وفرا متواصلا بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني وانصاره وقوات الأمن التركية.
5- التأزم الكبير والمتصاعد في العلاقة مع المحيط وخصوصا مع إيران وروسيا نتيجة سياسة أردوغان الخارجية ولاسيما التورط التركي في سورية والعراق ومصر.
6- انكشاف دور أردوغان والمخابرات التركية وحاشية الرئيس في احتضان ودعم داعش ومثيلاتها.
7- الأزمة المتصاعدة مع اوروبا وفشل الرهان الأخواني على دخول الاتحاد مقابل الانخراط النشط في الخطط الاستعمارية المتعثرة وانكشاف ابتزاز انقرة للغرب في قضية النزوح.
أولا في هذا المناخ وكنتيجة لما يضج به من تناقضات وعوامل اقتصادية وسياسية كان التوتر الصامت مستمرا بين الحكم الأخواني والمؤسسة العسكرية التركية التي اعترضت على خيارات الرئيس وحكوماته داخل المجالس العسكرية والأمنية .
حصلت المحاولة الإنقلابية الفاشلة تعبيرا عن مجموع التناقضات المشار إليها وقد تردد الكثير قبلها عن وجود اعتراضات في قلب المؤسسة العسكرية على نهج حزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج بينما كان الحكم الخواني يتخذ تدابير متدرجة لتقليم أظافر الجنرالات ولتطويعهم منذ فوزه في الانتخابات وهو تصرف بمنطق ان إخضاع الجيش اولوية تتقدم أجندته الداخلية.
ثانيا برزت وحدة في الموقف السياسي الرافض للانقلاب العسكري وتلاقت مواقف الحزب الحاكم وجميع احزاب المعارضة على رفض الانقلاب ودعم ” الشرعية الدستورية ” وهذا يكشف عدم تنسيق قيادة الانقلاب مع أي من الجهات التركية لطلب الدعم كما ان الانقلابيين لم يصدروا خلال ساعات الاشتباك أي موقف مطمئن على هذا الصعيد وهذا من بين ثغرات كثيرة احصاها المحللون والخبراء في معاينة تقنيات التحرك الانقلابي وآليات تنفيذه .
ثالثا نجح أردوغان في التصدي للحركة الانقلابية بواسطة ذراعه الأمنية أي المخابرات الشرطة القوتين اللتين ضمن ولاءهما منذ سنوات وكذلك بإنزال ميليشيات الأخوان إلى الشارع مستفيدا من التجربة المصرية ودروسها وقد ظهرت بصمات داعشية في إهانة الجيش التركي وإذلاله وفي ذبح احد العسكريين.
رابعا كان الفشل نتيجة مباشرة لغياب حاضن اجتماعي وسياسي للمحاولة الانقلابية وليس فحسب حصيلة ضعف الأداء او لكون قادتها من الهواة كما ردد البعض او نتيجة لاستمرار الدعم الأميركي والغربي لأردوغان او كحصيلة لسيناريوهات يرددها متبنو التفسيرات التآمرية للأحداث.
اما عن النتائج والانعكاسات فثمة حاجة لنقاش في الاحتمالات التركية المقبلة لكن في الخلاصة تدخل تركيا اليوم عهدا من الاضطراب السياسي والأمني لفترة غير قصيرة وذلك كله سيكون وقفا على خيارات أردوغان المعروف بنهجه الأرعن وبأوهامه الكثيرة التي تسببت بمغامراته الدموية داخليا وعلى مساحة المنطقة.