أوروبا والفجوة بين الأجيال…كيف يهدد المتقاعدون مستقبل القارة: إدواردو كامبانيلا
منذ اندلاع أزمة الديون الأوروبية، أصبح المتقاعدون اليونانيون كبش فداء للمشاكل المالية والسياسية للقارة. وقد أغضب نظام التقاعد اليوناني الدائنين الدوليين، فهو يسمح للموظفين العامين بالتقاعد في وقت مبكر من سن الـ 50، وطالب بإجراء اصلاحات جذرية مقابل أموال خطة الإنقاذ. لقد حصلوا على ما طلبوه، اليوم المعاشات التقاعدية في اليونان أقل من 50 % مما كانت عليه في العام 2010. ونتيجة لذلك، حوالي 45 % من المتقاعدين اليونانيين تلقوا شيكات شهرية تحت عتبة الفقر الرسمية .
العرض القاسي الذي مُنح للمتقاعدين اليونانيين وفقا للمعايير الأوروبية غير عادي. تميل عملية صنع القرار في القارة بشكل فعال لصالح كبار السن، والحفاظ على المتقاعدين وامتيازاتهم حتى في مواجهة ركود النمو، وانهيار المالية العامة، والارتفاع الشديد في معدل البطالة بين الشباب. ولكن مع دفع الشباب إلى هامش المجتمع، حكم المسنين في أوروبا لا يمكن تحمله ماليا واصبح لا يطاق من الناحية الأخلاقية، تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة من كبار السن والشباب، ضروري لدرء التوترات بين الأجيال المتفجرة.
سلطة الـ GRAY
المتقاعدون قوة لا يمكن وقفها تقريبا في السياسة الأوروبية، مع الوزن الديموغرافي 130 مليون شخص، أي نحو ربع سكان الاتحاد الأوروبي يمكنهم تغيير النتيجة في أي انتخابات، ولكن تأثيرها يعود لكون المتقاعدين هم مجموعة اكثر نشاطا سياسيا في أوروبا.
الاستفتاءعلى خروج بريطانية من الاتحاد الاوروبيهو مثال على ذلك، على الرغم من أن التصويت كان حول مستقبل المملكة المتحدة، حيث ظهر 36 % فقط من البريطانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 في صناديق الاقتراع، في مقابل 83 % فوق الـ 65. الشباب هم بأغلبية ساحقة مؤيدين لأوروبا، ولو صوتوا لما كانت بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي. (بعض الجيل الجديد اتهموا آبائهم، بانهم حرموهم من مستقبل مشرق).
الشباب احتجوا على قرار بريطانيا ترك الاتحاد الأوروبي في “مسيرة من أجل أوروبا” مسيرة في وسط لندن، يوليو 2015.
تشير النتائج السياسية في جميع أنحاء أوروبا الى تحيز مماثل تجاه ما يفضله العمر. في العام 2014، كافأت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل كبار السن بعدة هبات تقاعد لتأييدهم لها بإعادة انتخابها الثالث. ووعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال حملة اعادة انتخابه بحماية مستحقات المتقاعدين، الذين، على حد قوله، “جعلوا )المملكة المتحدة( بلد عظيم”. رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي يتلاعب حاليا بعملية إصلاح نظام التقاعد، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالكاد يعالج العجز في المعاشات التقاعدية التي من المتوقع أن تصل إلى 23 مليار $ في العام 2020.
كما يدخر كبار السن نتيجة الأزمة المالية، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، خفضت تدابير التقشف التي اقرها مجلس الوزراء واعتمد كاميرون دخل الأسرة المتوسطة بحوالي 750 $، في حين خفضت أرباح متوسط عدد افراد الاسرة الى 36 $. حتى الإصلاحات المعتمدة بين عامي 2010 و 2014 تأثرت في الغالب بمستحقات المتقاعدين في المستقبل. ورفعت ايطاليا سن التقاعد، واسبانيا ربطت الاستحقاقات المقبلة بمتوسط العمر المتوقع، وفرنسا زادت المساهمات التي تدفعها الشركات والعمال. هذا هو النمط المألوف لأوروبا: عندما يعد التقاعد واقعي يتعارض مع واقع قارة الشيخوخة والسياسيين يحولون العبء على الأجيال القادمة. في الحالات القصوى مثل ايطاليا مكافآت التقاعد لا تزال 2-3 مرات أعلى من المساهمات المستتبعة. متقاعدو المستقبل، سيصرفون مدخراتهم.
هذا النظام غير حصين: يزدهر فقط عندما يحاول كل جيل من العمال ان يكون افضل من الجيل الذي دفع له، بالإضافة إلى السلطة السياسية، والمتقاعدين الذين يسيطرون على حصة غير متكافئةمن الثروة. تنفق الحكومات الأوروبية، في المتوسط، 15 % من ناتجها المحلي الإجمالي على المعاشات التقاعدية، وسبعة في المئة فقط على سياسات التعليم والأسرة.
دخل المتقاعدين الأوروبيين متوسط ومرتفع وفي بعض البلدان هو أعلى من ذلك. وأخيرا، هم أقل عرضة من باقي السكان لخطر الفقر أو الاستبعاد الاجتماعي. ولم يكن هذا هو الحال دائما: في العام 1960 البريطانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 65-70 كانوا في القاع ويحصلون على 25 % من توزيع الدخل في البلاد. الآن هم في أعلى مرتبةفهم يحصلون على 40 %.
منذ وقت ليس ببعيد، الشباب الأوروبي لا يزال يحلم بفوائد سخية. ففي العام 2011، انضم الطلاب الفرنسيين للاحتجاجات التي نظمت ضد اقتراح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لرفع سن التقاعد. ولكن الآن قد تغير المزاج. تنامي الشكوك تحيط بمستقبل دولة الرفاه. ، ذكرت تيتو بويري، رئيس إدارة الضمان الاجتماعي الإيطالية مؤخرا أن الإيطاليين الذين ولدوا بعد العام 1980 سيعملون حتى سن الـ 75 أي اكثر بـ 15 عاما. وفي سيناريو أسوأ، سوف تدفع الأجيال الشابة ثمنا باهظا لأخطاء ارتكبها كبار السن. التزامات الديون المحتملة بسبب المعاشات التقاعدية غير الممولة تتراوح بين 70 % إلى 360 % من الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء أوروبا.
خطوط الصدع بين الأجيال التي كشفهاتصويت انفصال بريطانيايشهد على تنامي السخط من هذا النظام. منظمات مثل مؤسسة حقوق الأجيال القادمة ومؤسسة الأجيال تتكاثر في جميع أنحاء القارة. أوروبا تدفع الاستحقاقات أول بأول وتقوم أنظمة التقاعد على الوعود بين الأجيال: عمال اليوم يمولون المعاشات التقاعدية لوالديهم، في حين يتوقعون من ذريتهم تمويلهم، هذا النظام هو عرضة للخطر.
يلعب بيدرو سانشيز زعيم الحزب الاشتراكي الاسباني العمال (الحزب الاشتراكي)، الدومينو مع المتقاعدين الاسبان كجزء من حملته الانتخابية العامة في يونيو 2016.
ولتجنب هذه النتيجة، ينبغي على الحكومات الأوروبية التوازن بين ثلاثة مبادئ غير متوافقة: الاستدامة المالية والتضامن بين الأجيال، والإنصاف بين الأجيال، وهذه تسمى مشكلة التقاعد ثلاثي الأبعاد.
مبدأ الاستقرار المالي يدعو إلى إعادة النظر جذريا في الامتيازات التي يتمتع بها أصحاب المعاشات الحالية. ينبغي تخفيض الفوائد، ويجب رفع سن التقاعد إلى مستويات تتماشى مع الزيادة المستمرة في متوسط العمر المتوقع، وهذا من شأنه مواءمة أنظمة التقاعد في أوروبا مع توصيات المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، وستكون خطوة هامة نحو الاستدامة.
وكما أظهرت الأزمة اليونانية، فان خفض المعاشات وتأجيل التقاعد قد يحل محل مشاكل مالية اخرى ولكن في ظل كارثة اجتماعية. لهذا السبب، ووفقا لمبدأ التضامن بين الأجيال، ينبغي على الحكومات ان تسمح بقدر من المرونة. المعاشات لا ينبغي فقط أن تكون متناسبة مع المساهمات مدى الحياة ولكن ينبغي أيضا أن تكون كافية لضمان حياة لائقة. من أجل جعل النظام مستدام ماليا، يمكن للحكومات أن تفرض ضريبة التضامن على أعلى مستويات الدخل وإعادة توزيع العائدات بين أفقر المتقاعدين. وبالمثل، لأنه حتى أكثر العمال مهارة عادة ما يفتقرون إلى المهارات اللازمة لمواكبة التغير التكنولوجي، وينبغي أن يسمح للعمال الذين تضرروا من التشغيل الآلي على التقاعد المبكر إذا لزم الأمر. ولكن في المقابل إزالتهم من سوق العمل ستكون صعبة، ويجب أن يمنحوا شيئا في المقابل.
ويرتبط هذا بالمبدأ الثالث وهو الإنصاف بين الأجيال. في وقت ركود النمو وتقلص القوى العاملة، التقاعد الخمول يمكن أن يوصنا الى مرحلة متقدمة لا تحتمل. ولذلك ينبغي أن يبلغوا الناس، وخاصة أولئك الذين يتقاعدون في وقت مبكر، بانهم يسهمون بنشاط في رفاه مجتمعاتهم. طالما المتقاعدين هم في صحة جيدة، ينبغي أن يستفاد منهم في المؤسسات العامة. هذا العمل ينبغي أن يشمل المهارات المكتسبة طوال حياتهم المهنية: المعلمين المتقاعدين يمكن ان يتطوعوا في المدارس، الأطباء المتقاعدين يمكن أن يتطوعوا في المستشفيات. اللورد ريتشارد، الرئيس السابق للوكالة البريطانية، وجه انتقادات لاقتراح مماثل في العام 2012، إلا أن هذه سياسات التقاعد النشطة تخفف الوضع المالي العام المتعثر، وزيادة الثقة بالنفس للكبار في العمر، وجعل نظام المعاشات أكثر قبولا للشاب.
وأخيرا، من أجل ان يصبح اي من هذه الإصلاحات ممكنا، سيكون من الضروري تخفيف السلطة السياسية من الجيل الأكبر سنا. وتشمل التدابير المقترحة خفض سن الاقتراع إلى 16، وتحديد الحد الأدنى لسن الترشح في 18، والاقصى 65. لزيادة معدلات الإقبال المنخفضة من الناخبين الشباب، ويتعين على الحكومات أن تستثمر في برامج تثقيف الناخبين من خلال المدارس والحملات الإعلامية، والاستفتاءات على قضايا الأمة، فترك الاتحاد الأوروبي يتطلب أغلبية عظمى وخاصة في البلدان التي يمثل فيها كبار السن الغالبية العظمى من الناخبين.
أوروبا تحتاج إلى بعض الافكار الجديدة لمعالجة التكاليف الاقتصادية والسياسية المرتبطة بسكانها المسنين، وينبغي للحكومات ان تختار الحلول التي تعزز التعاون بين الأجيال وتجنب الاغراءات الانتخابية قصيرة النظر.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-نادبا حمدان