حرب لبنان الثالثة قد تنشب بعد سنة أو عقد من الزمن إلا أن المطلوب هو تعزيز الجبهة الداخلية بعد أن تم رفع مستوى الردع وتطوير قوة اسرائيل العسكرية: آري شبيط
كانت حرب لبنان الثانية حربا فاشلة. لأن الكابنت عمل باهمال والجيش عمل بشكل معقد، فان منظمة حكيمة وذكية نجحت في ابتزاز التعادل من دولة متقدمة تكنولوجيا ومن المفروض أن تكون قوة عظمى اقليمية. ولكن كان لهذه الحرب انجاز هام هو أنها عملت على تأجيل حرب لبنان الثالثة عقدا من الزمن. صحيح أن الحرب ليست وحدها هي السبب، لأن حزب الله لم يقم باطلاق النار مدة خمس سنوات لأن أسياده في ايران أمروه بالحفاظ على قوته لوقت الضرورة. والسنوات الخمسة التالية لم يطلق فيها النار لأنه كان غارقا في وحل الحرب السورية. وبهذا فان حدثين استراتيجيين غير متعلقين باسرائيل عملا على انشاء الاستقرار على الحدود اللبنانية والهدوء في الجليل.
لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن الضرر الذي تسببت فيه اسرائيل للبنان وللمنظمة الشيعية في صيف 2006، خدشت وعي أعداءها. السطر الاخير لتلك الحرب كان أقل سوءً مما بدا في نهايتها.
ولكن حتى لو تأخرت، فان حرب لبنان الثالثة ستنشب. فبعد انهيار الجيش السوري وتشرذم الجيش العراقي وتحول الجيش المصري الى صديق، فان حزب الله في الوقت الحالي هو المصدر الحقيقي لتهديد اسرائيل. ونظرا لأن حرب لبنان الثانية جرت كما جرت، فان هذا التهديد ارتفع بشكل حاد في العقد الاخير. فكل سنة من الهدوء في الحدود الشمالية كانت سنة من زيادة قوة حزب الله. إن ما كان منظمة ارهابية أصبح جيشا بمستوى متوسط، عشرات آلاف المقاتلين (البعض منهم تطور واكتسب الخبرة في سوريا) وعشرات آلاف الصواريخ التي قد تصيب الجمهور في اسرائيل بالصدمة. هذا الجمهور الذي شبع وتراخى.
حزب الله لا يمكنه التفوق على الجيش الاسرائيلي (حتى لو زادت قوته منذ 2006. ولكن في المواجهة القادمة ستشوش هذه المنظمة على روتين الحياة في كل أرجاء البلاد وستضر البنية التحتية القومية والاقتصاد وستُحدث صدمة وهزة. فهل اسرائيل مستعدة لذلك؟.
إن الجيش الاسرائيلي يقوم بما هو مطلوب منه. رؤساء الاركان الذين جاءوا بعد دان حلوتس استوعبوا فشل السابق واستخلصوا الدروس وصاغوا ردا على التهديد من الشمال. ليس فقط حزب الله هو الذي سيفاجيء اسرائيل في المستقبل. فهي ايضا ستفاجئه. المستوى السياسي ايضا يعمل بشكل صحيح لتعزيز الردع ومنع التصعيد الذي لا داعي له. في السنوات الاخيرة تم التعامل بحكمة مع بعض الاوضاع الصعبة مع الحرص على التشدد وعدم التسامح. ولكن بشكل مدروس ومقيد. وقد كان الانجاز الاكبر هو انجاز الصناعات الامنية التي عملت على تغيير المعادلة في مواجهة من يطلقون الصواريخ حيث قدمت لنا “القبة الحديدية” و”شربيط كسميم”. ولكن هل اجهزة الدفاع الاسرائيلية تحصل على الميزانيات الكافية؟ هل يتم اعطاء الميزانيات التي ستساعدها على الانتشار والتسلح والدفاع عن سمائنا؟ إن الهدوء المتواصل يتلاعب بمتخذي القرارات ويجعلهم في حالة نشوة خطيرة.
لكن المشكلة الحقيقية هي المشكلة الداخلية. فأحد الصراعات الاكثر غريزية في البلاد يحدث بين من يتبنون اللواء المدني والاجتماعي ومن يتبنون اللواء العسكري والامني. ولكن هناك صلة وثيقة بين الطرفين. فبدون مجتمع قوي ليس هناك أمن، وبدون مجتمع مدني قوي لا يوجد جيش قوي. وقد لاحظنا ذلك عند هرب مئات آلاف الاسرائيليين من منازلهم في حرب لبنان الثانية وقلة حيلة السلطات التي جعلت الجمهور يشعر بأنه متروك لمصيره.
حرب لبنان الثالثة، سواء نشبت بعد سنة أو عقد، ستضعنا في مواجهة امتحان أكثر خطورة. لذلك فان الاستعداد للتهديد الخارجي الوحيد يجب أن يكون داخليا. وسنوات الهدوء التي حظينا بها يجب علينا استغلالها لتوحيد المجتمع المنقسم واصلاح البنية الرسمية لاعادة كتابة قصة المغزى الاسرائيلي.
هآرتس