مصير صفقة التسلّح الروسية على «المحك» وقيادة الجيش ترفض «السمسرة» ابراهيم ناصرالدين
هل تتبخر عقود توريد السلاح الروسي الى لبنان و ما حال دون اتمام الصفقة في الماضي سيحول دون بلوغها «شاطىء الامان»؟ ام يحصل الجيش اللبناني على الاسلحة والمعدات المتفق عليها في غضون سنة؟ هذه الاسئلة تعود الى الواجهة من جديد في ظل عودة «الحرارة» الى خط الاتصالات بين الجانبين اللبناني والروسي لتحديد مصير صفقة السلاح التي تتضمن شراء أنظمة «كورنيت» وراجمات صواريخ وذخيرة و ودبابات من طراز «تي72 » كان يفترض ان يتم دفع ثمنها من هبة المليار دولار التي كانت المملكة العربية السعودية قد اعلنت عنها بعيد الأحداث الأمنية التي شهدتها بلدة عرسال في آب 2014ثم عادت وتراجعت عنها في شهر شباط الماضي… ثمة عراقيل «تنافسية»..ومشكلة مالية… فيما ابلغت قيادة الجيش من يعنيهم الامر انها ترفض حصول «سمسرة» لتمرير هذه الصفقة…
اوساط مطلعة على هذه الاتصالات تشير الى ان المعضلة الرئيسية تكمن في الاجابة عن سؤال محدد يتعلق اولا بكيفية وفاء الدولة اللبنانية بدفع قيمة الصفقة؟ وثانيا بكيفية رفع «الفيتو» الاميركي عن تنويع مصادر تسليح الجيش وعدم احتكار هذا الملف..في المعضلة الاولى وخلال الزيارة الاخيرة التي قام بها مؤخرا وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل إلى روسيا للمشاركة في مؤتمر «الأمن القومي»، كانت القيادة الروسية صريحة «وفجة» حيث طالبت الجانب اللبناني بتسديد المبالغ المتوجبة على الدولة اللبنانية، لان الدولة الروسية غير معنية بالخلاف مع السعودية، وعلاقتها مباشرة بالحكومة اللبنانية وطالبتها باحترام «توقيعها على الاتفاقية العسكرية، وجاء الرد اللبناني بعدم وجود امكانية لدى الحكومة بتمويل الاتفاق وطلبت من الجانب الروسي حسومات وتسهيلات بالدفع على ان تكون الدفعات صغيرة وعلى فترات طويلة…
وتشير تلك الاوساط الى ان الروس شكلوا لجنة مع السلطات اللبنانية لحل المعضلة المالية، وفيما تبدو مسألة التقسيط معقدة نوعا ما، فان قيادة الجيش ابلغت المعنيين بالملف انها ترفض بشكل قاطع دخول «وسيط» في الصفقة، كما ثمة اصرار من القيادة العسكرية على قطع الطريق امام اي «سمسرة» يسعى اليها البعض..اما المسائل المالية المتوجبة فهي مسؤولية القيادة السياسية المطلوب منها ايجاد حل للتمويل بعيدا عن الضغوط الخارجية ومحاولات «بارونات» الاموال الدخول على الخط..
ولا تخفي المصادر قلقها من خطورة التنافس الاميركي – الروسي، وما يمكن ان يقود اليه، خصوصاً وان بيد الاميركيين أوراقاً ضاغطة، وهم حريصون على استبعاد الآخرين عن تسليح الجيش، وفي هذا السياق لم تكن الولايات المتحدة مرتاحة للقاءات قائد الجيش العماد جان قهوجي، المتكررة مع السفير الروسي الكسندر زاسبكين… وجرى ابلاغ القيادات اللبنانية، السياسية والعسكرية عبر السفارة في بيروت الاستعداد لتلبية كل الحاجات المطلوبة للجيش اللبناني، و بعد ان كانت تضع خطوطاً حمراء في طريق تسليح الجيش اللبناني، بأعتدة وأسلحة نوعية قد «تشكل خطراً على إسرائيل»… ابلغ الاميركيين الجهات المختصة ان الحصول على الذخيرة للاسلحة الاميركية مفتوح ودون اي حساب، بما في ذلك صواريخ «التاو» المضادة للدروع، وكان الجانب الاميركي واضح لجهة الطلب الى القيادة العسكرية باستخدام الصوارخ الـ«250» الموجودة بحوزة الجيش دون «حساب» لان الاوامر الصادرة عن البنتاغون واضحة للقيادة العسكرية في منطقة الشرق الاوسط بتزويد الجيش ما يحتاجه من تلك الصواريخ، وقد دخل الجانب الاردني على الخط ايضا مؤكدا ان الاميركيين ابلغوه بتقديم اي مساعدة «عاجلة» يحتاج اليها الجيش اللبناني في اي مواجهة مقبلة مع الارهاب… كذلك ضغط الاميركيين على القيادة السعودية «واجبروها» على دفع ثمن 6 طائرات من نوع «سوبر توكانو» سيستلمها لبنان في مطلع العام 2017.
طبعا العراقيل امام هذه الصفقة لم تبدا اليوم، قبل اشهر بررت اوساط الرئيس سعد الحريري عرقلة صفقة التسليح الروسي بما اسمته يومها بالعائق التقني ـ السياسي من خلال الادعاء بعدم القدرة على تحويل قيمة الصفقة الى الجانب الروسي من المصارف اللبنانية، وذلك بسبب العقوبات المفروضة على روسيا جراء الأزمة الأوكرانية..! وهو الامر الذي رات فيه الاوساط حجة غير واقعية بعد ان عرض الجانب الروسي حلولا تقنية لم يوافق عليها الجانب اللبناني يومها… ولفتت الى ان واشنطن «احتجت رسمياً» لدى الحكومة وقيادة الجيش على محاولة إبرام صفقة الدبابات «تي 72» مع روسيا، وقدمت للجانب اللبناني «معلومات» قالت انها موثقة حول وسطاء لبنانيين وروس سينالون عمولات توازي سعر الصفقة برمتها»، التي تردّد أن قيمتها تصل الى 100 مليون دولار..
وتلفت تلك الاوساط الى ان الحريري تعمد ابطاء اتمام الصفقة وقوض الاتفاق الذي وضع اللمسات الاخيرة عليه وفد من قيادة الجيش برئاسة رئيس الأركان العميد وليد سلمان خلال زيارة لموسكو في كانون الثاني 2015وجرى حينها تحديد أنواع الأسلحة بدقة، ووُقّعت العقود وبات السلاح جاهزاً لنقله الى لبنان بمجرد فتح الرئيس الحريري الاعتمادات المالية «خلال 48 ساعة» كما وعد..يومها ولم يف بوعده… وخسر الجيش بذلك 250 صاروخاً من طراز «كورنيت» مع 24 قاذفاً، وست راجمات صواريخ يبلغ مداها 40 كيلومتراً مع 30 ألف صاروخ… حينها طلب الجانب الروسي دفع نسبة مئوية من السعر قبل التسليم، وقع الجيش لكن الاعتماد لم يفتح ولم تأت الأسلحة.
وكما هو معروف فان الضغوط بدات فعليا خلال التفاوض مع الجانب الروسي حين طلبت قيادة الجيش بداية 500 صاروخ «كورنيت» وعدداً من القاذفات وراجمات صواريخ بمدى 40 كيلومتراً، وعرض الجانب الروسي على الجانب اللبناني بيعه 60 دبابة «تي ــــ 72» إضافة الى شراء عدد من المروحيات، لكن ضغوط اميركية مورست على الحريري لتخفيض كمية الصواريخ المشتراة وذلك بعد ان رفض الاميركيين حصول روسيا على «حصة الاسد» من الاموال السعودية، كما لا يرغبون في تنويع مصادر السلاح للجيش بما يبقي اعتماده على السلاح الأميركي حصراً، وقد كشفت وثائق «ويكيليكس» لا حقا أن السفيرة الأميركية في بيروت ميشيل سيسون عملت آنذاك مع مساعد وزير الخارجية الاميركي دايفيد هيل عام 2010على تعطيل الهبة الروسية التي تضمنت عشر طائرات «ميغ ــــ 29»، وابلغت وزير الدفاع حينها الياس المر بذلك، فوعدها باتخاذ ما يلزم لتمييع الأمر.. وهذا ما حصل… وثمة من اقترح على الروس لاحقا ان تستبدل المقاتلات الـ 10 من طراز «ميغ 29» بـ6 مروحيات قتالية من طراز «ميلي مي 24»، و77 دبابة طراز «تي 72 أيه»، و36 مدفعاً من عيار 130 ملم، و37 ألف قذيفة مدفعية من عيارات مختلفة، ونحو نصف مليون طلقة نارية، لكن تم عرقلة الصفقة ولم تبصر النور..فهل يتكرر الامر اليوم ويخسر لبنان صفقة التسلح مع روسيا… قيادة الجيش قالت «كلمتها» الحاسمة «لا للسمسرة»… ويبقى على الطبقة السياسية ان تحسم امرها وتؤمن التمويل اللازم، مع الامل بان تتجاوز الضغوط الاميركية والمصالح المالية للبعض…
(الديار)