الردّ على هزيمة إسرائيل: «داعش» في مواجهة «حزب الله» علي شهاب
بعد أيام قليلة على حرب تموز 2006، تناقل خبراء أميركيون نتيجة استطلاع أجراه مركز «ابن خلدون» في مصر يُظهر أن الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حاز على نسبة تأييد في الشارع المصري بلغت 82 في المئة مقابل 60 في المئة لرئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» خالد مشعل و52 في المئة لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. لم يكن ضمن العشرة الأوائل أي حاكم عربي.
نجاح «حزب الله» في تخطي الحساسية المذهبية على المستوى الشعبي العربي إبان حرب تموز، برغم معارضة شريحة واسعة من السياسيين اللبنانيين له آنذاك والموقف العربي الرسمي المناوئ، كان في صلب اهتمام مراكز الدراسات الأميركية تحديداً في سياق دراسة حول العبر المستخلصة من الحرب.
في الثامن من آذار 2005؛ أي بعد شهر تقريباً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان العميد الإسرائيلي مايكل هرتزوغ يحاضر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حول سبل «منع إيران وحزب الله من ملء الفراغ في لبنان».
أوصى هرتزوغ آنذاك بـ:
ـ نشر الديموقراطية في لبنان يحتاج الى عمل أبعد من الانسحاب السوري.
ـ نزع سلاح «حزب الله» قد يتطلب وجود عنصر سلام (لبناني، إقليمي أو دولي).
ـ التدقيق جيداً باقتراح نشر قوات حفظ سلام دولية في لبنان.
تقاطعت توصيات هرتزوغ في جوهرها حول ضرورة العمل العسكري بدايةً.
وبعد مرور أكثر من سنة على هذه التوصيات، وقعت الحرب التي يمكن لأي مراقب، بعد مراجعة أبرز الآراء المعتبرة والدراسات الغربية حولها، ملاحظة المنهج الذي ساقته الادارة الاميركية في رسم سياساتها في الشرق الأوسط وصولاً الى الاحداث التي تشهدها منطقتنا اليوم في ضوء الصمود الذي أظهره «حزب الله» في العام 2006، وفق ما يلي:
ـ صار هاجس «الهلال الشيعي» متحكماً بأدبيات صنّاع القرار في واشنطن بعد غزو العراق وصعود حركة المقاومة المدعومة إيرانياً هناك. اصابت عدوى هذا الهاجس حكام الدول العربية التي وصفت «حزب الله» بـ «المغامر» خلال حرب تموز. استطلاع الرأي أعلاه حول شعبية نصرالله في أهم دولة عربية «سنية» شكل تحدياً امام المنظّرين بأن الصراع في المنطقة مذهبي، فكان لا بدّ من الدفع قدماً في ايجاد فكرة تكرّس رأيهم و«تقوّض صورة حزب الله في العالم السني»، على حد تعبير معهد «بروكينغز».
ـ أفرزت حرب تموز نتيجة بالغة الأهمية على صعيد رسم شكل المواجهة مع إيران: «من نتائج حرب لبنان تضاؤل فرص شنّ أي هجوم على ايران»، بحسب الكاتب البريطاني الراحل باتريك سيل بعد أربعة أيام من انتهاء الحرب. الخلاصة نفسها توصل اليها الخبير البارز مارتن كرامر و«الإيكونوميست» التي رأت أن الحرب على لبنان «حدّت من احتمالات الحرب على ايران».
تتأرجح حالياً الرؤية الأميركية ازاء ايران بين «الاستيعاب» و«القوة الناعمة» في بيئة إقليمية مشتعلة تحاول فيها السعودية لعب دور الطرف الإقليمي الموازي، من دون أن تدرك أن تصديها للمواجهة من شأنها احباط أي احتمال لنجاح السياسات الأميركية نتيجة المناعة الداخلية في المجتمع الإيراني ضد كل ما هو عربي، وسعودي تحديداً (يمكن الركون الى مؤشر سلبي تمثل بحضور سعودي هو الأول من نوعه في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس).
حالة التأرجح الأميركية إزاء إيران تجعل من خيار «داعش» الأمضى ما دام رئيس «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني بعيداً عن حدود الموصل والرقة، لكن الحال ليس كذلك؛ الأمر الذي بات يفترض حصول تطور إقليمي بوزن «داعش» في القريب، من زاوية المصلحة الأميركية.
ـ في نتائج حرب تموز الجيوسياسية، طرح باتريك سيل سؤالاً حول مصير «الحكام العرب المعتدلين الذين خسروا رهانهم على سقوط المغامرين»، في حين تنبأت «الإيكونوميست» بفوز «الإخوان المسلمين» في انتخابات مصر بعد أفول نظام حسني مبارك الصديق لإسرائيل.
قد يكون من المبكر دراسة ظروف «الربيع العربي» قبل استقرار حدود التاريخ والجغرافيا ومعرفة ما ستؤول اليه «ثوراته» المتفلتة. لكن المؤكد أن ورقة «داعش» قد فلتت من عقالها في لحظة ما ولم يعُد بالإمكان تسويق فكرة «دولة الخلافة» بالزخم الذي انطلقت فيه كبديل حتى عن الأنظمة الرجعية أو المتشدّدة.
(السفير)