الهجمات الانتحارية في العراق: أين المشكلة؟ حميدي العبدالله
في أكثر الهجمات الدموية استهدف حي الكرادة بهجوم إرهابي فظيع ذهب ضحيته العشرات من المواطنين الأبرياء الذين لا ذنب لهم وليسوا طرفاً في الصراع الدائر في العراق، جريمتهم الوحيدة أنهم يكدّون ليلاً نهاراً لتحصيل مصادر رزقهم، وبعد ذلك بساعات قليلة استهدفت بلد بهجوم مماثل.
التصريحات الرسمية العراقية أشارت في الدرجة الأولى إلى أنّ هذه الهجمات جاءت رداً على هزائم داعش في مواجهة الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في المعارك التي تخاض وجهاً لوجه، وهذا الهجوم جاء بعد الهزيمة المدوية لداعش في الفلوجة. هذا صحيح. ولكن هذا ليس هو الهجوم الأول لداعش ولم يكتشف المسؤولون البارود عندما يقولون إنّ هجمات داعش تأتي رداً على هزائمها في الميادين. منذ أكثر من ست سنوات تشنّ هجمات انتحارية على الأحياء الآمنة في بغداد، وليست هذه هي المرة الأولى ولا العاشرة ولا حتى المئة، فلماذا لم تتمكّن السلطات العراقية من تأمين العاصمة وأحيائها المختلفة؟
لا يمكن لأيّ وضع في العراق تبرير عجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن حماية المدنيين، سوى الفساد واللامسؤولية، والاكتفاء بتأمين المنطقة الخضراء حيث تعيش أسر المسؤولين العراقيين منذ الاحتلال الأميركي للعراق.
مهما كان الوضع في محيط بغداد فهو ليس أكثر سوءاً من الوضع في محيط دمشق، فلماذا استطاعت السلطات السورية توفير الأمن لسكان مدينة دمشق أكثر من ثلاث سنوات، وفشلت السلطات العراقية في تحقيق الأمن في مدينة بغداد. دمشق محاطة بالإرهابيين من كلّ الاتجاهات. في غرب المدينة تتواجد النصرة وداعش في قدسيا ووادي بردى ومحيط خان الشيح، وفي الجنوب داريا والتضامن ومخيم اليرموك والحجر الأسود، وفي شرق دمشق حي جوبر، وعلى الرغم من أنّ الإرهابيين يرابطون في مواقع أقرب الأماكن الآهلة والآمنة في دمشق، إلا أنهم عجزوا منذ عام 2013 عن القيام بأيّ أعمال تفجير كبيرة نتيجة لإجراءات السلطات الأمنية في سورية، فلماذا تعجز الجهات الأمنية في بغداد، على الرغم من أنّ ظروفها أفضل بكثير من ناحية تواجد الإرهابيين عن حماية بغداد المدينة والأحياء الآهلة.
المشكلة هي في السلطة، المشكلة في الفساد المستشري، المشكلة في عدم اهتمام المسؤولين بهذه القضية طالما أنّ أسرهم مؤمّنة في المنطقة الخضراء.
(البناء)