أوروبا ودفتر الشروط السوري
غالب قنديل
طيلة اكثر من عامين تلاحقت الزيارات والاتصالات الغربية التي تحمل طلبات ملحة بالتعاون الأمني مع دمشق وهي اتخذت وتيرة متسارعة وتميزت بالإلحاح كلما تصاعدت نذر الارتداد الإرهابي نحو الغرب الذي حذر منه الرئيس بشار الأسد جميع حكومات الغرب المتورطة في العدوان على سورية بقيادة الولايات المتحدة قبل ما يزيد على خمس سنوات.
أولا ما هي أبعاد الانفتاح الأوروبي الذي تقوده إيطاليا على دمشق وما خلفياته وآفاقه ولماذا تزامن في الوقت عينه وجود وفد امني إيطالي رفيع ووفد دبلوماسي برئاسة السيد كوسو نائب مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية فردريكا موغيرني الإيطالية الجنسية من غير مصادفة ؟ ولم انتقلت مفاتيح البوابات الأوروبية على سورية من فرنسا وبريطانيا إلى إيطاليا وربما بعدها قد تشمل التحركات نحو دمشق دولا أخرى من جنوب أوروبا وربما ألمانيا كما يشاع في بعض الدوائر السياسية والإعلامية؟
إنه دفتر الشروط السوري في التعامل مع الاتصالات الغربية التي لم تنقطع خلال الأعوام الماضية وهو ينطلق من رفض الدبلوماسية السرية ورفض الفصل بين الأمن والسياسة : “كيف تطلبون منا المساهمة في حماية مواطنيكم من الإرهابيين الذين تدعمونهم لقتل شعبنا؟! ” عبارة نقلت عن الرئيس السوري ومسؤولين دبلوماسيين وأمنيين سوريين ويتضمن الدفتر السوري شروطا رئيسية لم تفلح جميع المحاولات في زحزحتها : لاتعاون أمني بدون أساس سياسي يقوم في حده الأدنى على التسليم باولوية مكافحة الإرهاب وبعدم التدخل في شؤون سورية الداخلية والاعتراف بسيادة الدولة الوطنية ودستورها ومؤسساتها من خلال إعادة فتح السفارات في دمشق كقنوات رسمية للتعاون وإسقاط العقوبات المتخذة ضد الجمهورية العربية السورية لاسيما على الصعيد الاقتصادي.
ثانيا هل ما جرى في روما ودمشق وما بينهما كان من وراء ظهر واشنطن ؟ بالتأكيد لا كما صرح اكثر من مسؤول إيطالي بعد الإعلان عن الاتصالات والاجتماعات السورية الإيطالية المكثفة وعلى مستويات امنية رفيعة فأوروبا التي افترض كثير من العرب والسوريين في العقدين الماضيين انها مستقلة وخارج النفوذ الاميركي بدت في الحرب على سورية كمستعمرة اميركية ينضبط قادتها بالتوجيهات وينفذون القرارات والطلبات ولهذا الإذعان الأوروبي خلفياته التي يطول شرحها في الاقتصاد كما في السياسة والأمن وخرائط المصالح والتوازنات ولو أن وطأة الركود العالمي تخلخل تلك الركائز.
في دمشق إدراك واضح لهذه الحقائق وفي طياته تمييز للدول التي انخرطت هجوميا وبنشاط تخطى احيانا حدود الطلبات الأميركية في سياق العدوان الاستعماري وحملت معها كمية عالية من الكراهية والحقد تمتزج دوافعها بين مخيلات الماضي الاستعماري في المنطقة والأطماع المتجددة في سورية من جهة وبين تأثير الارتباط بالسياسات الصهيونية وبالمال السعودي والخليجي من جهة أخرى والوصف ينطبق بشدة على بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا قبل حوالي عشرين عاما في مقدمة بوادر الانفتاح على سورية والتي انكشفت اهدافها الخبيثة بانطلاق إشارة الحرب.
ثالثا يمكن في قراءة المواقف والتحولات حول الحدث السوري تمييز دول الجنوب الأوروبي أي إيطاليا وأسبانيا والبرتغال واليونان وقبرص ومالطا فهذه الدول تواجه بدرجة عالية مخاطر ارتداد الإرهاب وموجات النزوح الكثيفة نتيجة القرب الجغرافي وظهرت داخلها دعوات سياسية وبرلمانية واضحة لدعم معركة سورية ضد عصابات التكفير ومن ثم للانتقال إلى التعاون السياسي والأمني مع دمشق التي بلورت دفتر شروطها وأبلغته لجميع الموفدين والوسطاء وكما كان التشخيص السوري ظهرت بوادر التجاوب العملي بداية من الجنوب الأوروبي ومن إيطاليا بالذات وتنقل مصادر عليمة تقديرا متقاربا لاستعداد حكومات جنوب أوروبا الأخرى تليها المانيا التي كانت أقل عدائية من فرنسا وبريطانيا في سياق التمايزالسياسي العام لبرلين على الخارطة الدولية بفعل المصالح والطموحات.
هذا التحول صنعه فشل الخطط الاستعمارية نتيجة صمود سورية بشعبها وجيشها ودولتها الوطنية بقيادة الرئيس بشار الأسد الذي شكلت احاديثه المبكرة للإعلام الأوروبي وتحذيراته للشعوب والحكومات جرس إنذار بدأ البعض هناك يعترفون بمصداقيته وصوابه لكن يبقى السؤال لم رضخت الولايات المتحدة وأجازت أو على الأقل هي لم تعطل مبادرات سياسية تعاكس نهجها العدواني ؟ لذلك دوافعه وعناصره المحركة التي يأتي في مقدمتها واقع المعادلات التي انبثقت من الصمود السوري والتحالفات السورية المتينة إقليميا وعالميا على فالق تبلور مشهد عالمي جديد وكذلك تساقط العصابات العميلة ومأزق حكومات العدوان الإقليمية وبخاصة في تركيا والسعودية.