مقالات مختارة

لهذه الاسباب لم يتأخر رد ّحزب الله على «غزوة» القاع… ابراهيم ناصرالدين

 

«شو انطوان زهرا حامل سلاح بالقاع ؟ شو يعني بدنا نقول للناس انو حزب الله كان معه حق؟» بضع كلمات «عتاب»قالها الرئيس سعد الحريري لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع خلال السحور الرمضاني قبل ايام، قد تكون كافية لادراك ان هذا الفريق السياسي ما يزال بعيدا عن تحمل مسؤولياته الوطنية لمواجهة المخاطر الامنية المحدقة بالبلاد، ويقدم الكيدية السياسية على المصلحة الوطنية العليا التي تحتاج حمايتها الى «استدارة» جدية ومراجعة سريعة لمقاربة قوى 14 آذار للحرب في سوريا وتداعياتها الخطيرة على الساحة اللبنانية بعد ان ثبت بالوقائع والمعلومات ان موجة الارهاب التكفيري لن تقف عند حدود جغرافية بعينها بل اصبح الجميع في دائرة الخطر… وحده حزب الله بالتنسيق مع الجيش اللبناني بدأ تحركا ميدانيا استباقيا في الجرود، فيما يبقى السؤال عما قد يحمله الحريري من معطيات سعودية جديدة عقب زيارته الى جدة؟

وبرأي اوساط دبلوماسية في بيروت تمر السعودية الان بلحظات سياسية ودبلوماسية صعبة وحرجة تحتاج الى شيء من التأمل والتريث، بعد التحول التركي المفاجىء والذي يصل الى حدود «الانقلاب»، المصالحة مع إسرائيل، دون أي تراجع من جانب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، لا تعني السعوديين كثيرا، لكن المصالحة مع روسيا، وما سبقها من اعتذار علني من أردوغان لبوتين دون ان تقدم موسكو أي تنازلات ولو شكلية لإرضاء حليف الرياض الاكثر تاثيرا في الحرب على سوريا، كان بمثابة «زلزال» سياسي ضخم تتخوف المملكة من هزاته الارتدادية…

تدرك الرياض ان الهجوم الإرهابي على مطار إسطنبول بقيادة رجل شيشاني من قيادات «داعش»، قلب الأولويات التركية   رأساً على عقب، أردوغان لم يعد يستطيع بعد هذه التفجيرات سوى أن يكون حليفاً لبوتين وفي الخندق ذاته في الحرب على «داعش»، اتفاق وزيري خارجية تركيا وروسيا في سوتشي على أولوية مكافحة الإرهاب في سورية، يؤكد ان انقرة تتجه للتعامل مع الوضع الاقليمي بطريقة مختلفة عما سبق، وهذا يتطلب من السعودية مراجعة جدية لاستراتيجيتها التي تعرضت لنكسة جديدة بفعل «الاستدارة» التركية المتوقع ان تترك نتائج سياسية وعسكرية على الساحة السورية… اردوغان الذي راهن على «الاستثمار» بالمجموعات التكفيرية، اكتشف سوء تقديره، لم يعد مهتماً باسقاط الرئيس الاسد بقدر اهتمامه بعدم رؤية كيان كردي على حدوده، «النيران» السورية وصلت الى «عقر داره»، ولانه لا «يشتغل» عند احد لن يساير السعوديين اذا ما اصروا على عدم التعامل بواقعية مع التطورات. ثمة مقاربة جديدة للاحداث، قد يكون من المبكر الحديث عن نتائجها او تاثيراتها، لكن الثابت حتى الان ان خيارات تركيا والسعودية ومعهما الدول المساهمة في الحريق السوري، ضاقت ودخلوا مرحلة تقليل الخسائر وليس تحقيق الارباح…

وفي هذا السياق لم يكن بمقدور الحريري ان يعطي جعجع اجابات حاسمة على عرضه القائم على احراج حزب الله وتبني خيار الحزب انتخاب عون رئيسا للجمهورية، ليس لانه لا يريد بل لانه لا يملك تفويضا سعوديا باتخاذ القرار، ولا تزال علاقاته متوترة مع القيادة السعودية الجديدة، وضعه الصعب دفع بممثليه في الحوار الثنائي مع حزب الله الى الطلب من نظرائهم على «الطاولة» تفهم طبيعة المرحلة الراهنة التي تتطلب تصعيدا في الخطاب السياسي. هو ذهب الى جدة كتقليد بروتوكولي للقاء الملك قبل عيد الفطر، الملك سلمان لم يعد معنيا بمتابعة السياسات التفصيلية في المملكة، يريد الحريري الاستفادة من الصورة علها تفتح امامه «الابواب» الموصدة، عودته الى رئاسة الحكومة مهمة بالنسبة اليه لكنها ليست اولوية سعودية للمقايضة عليها مع رئاسة الجمهورية، ولا يملك اي خيار سوى انتظار «استدارة» سعودية تمكنه من الانفتاح الجدي على الفريق الاخر، اما اذا استمرت الرياض على «تعنتها» لن يكون في مقدوره سوى الاستمرار في اطلاق المواقف المتشنجة في محاولة منه للبقاء على «قيد الحياة» سياسيا بانتظار «المجهول»…

وفي هذا الاطار تشير اوساط 8 آذار الى ان «سلاح» انطوان زهرا «الاستعراضي»، «اصغر» بكثير من ان يعطي المشروعية لسلاح حزب الله، طمانينة اهالي القاع وراس بعلبك والقرى المحيطة، وحدها عنوان هذه الشرعية، وربما يضطر رئيس تيار المستقبل في المرحلة المقبلة الى ابداء «انزعاجه» و«عتبه» على تركيا والولايات المتحدة وحتى دول الخليج التي ستضطر عاجلا ام آجلا الى اكتشاف سوء تقديرها للموقف وراجحة رؤية الحزب الاستراتيجية لمخاطر هذا الفكر التكفيري، السعودية الان تمر في مرحلة استكشاف لطبيعة الموقف التركي وتحصي الاضرار التي تسبب بها اردوغان لمشروعها السياسي في المنطقة، خصوصا ان الاخير يبدي مرونة كبيرة في التعامل مع ايران، لذلك من غير المرجح ان يحمل الحريري معه اي اجابة واضحة على تساؤلاته حول طبيعة المرحلة المقبلة وكيفية مقاربة الملفات السياسية العالقة في البلاد. الرياض لم تتخل عن استراتيجيتها العدائية لحزب الله، لا تزال اولويتها «تحطيم» الحزب عبر ابقائه تحت الضغط الامني والسياسي، خروج المجموعات التكفيرية عن نهجها المعتاد في استهداف «بيئة» حزب الله اربك الحسابات السعودية في لبنان، «موجة» العمليات الارهابية حول العالم اسقط من «يد» حلفائها الذرائع الواهية بتحميل الحزب مسؤولية تمدد «النيران» الى الداخل اللبناني، القوى الامنية الرسمية وخصوصا الجيش اللبناني والامن العام، عززا التنسيق الامني مع المقاومة لتفعيل الخطط الامنية والعسكرية لمواجهة مخاطر «الموجات» الارهابية، كل محاولات «عزل» حزب الله سقطت امام جدية التحديات الامنية، لم تعد حالة «الانكار» مفيدة، المطلوب تحصين البلاد سياسيا عبر خارطة طريق لم تعد خاضعة لأي مساومة. النائب وليد جنبلاط اعطى اشارات جدية علنية، وفي الكواليس عن استعداده للقبول بالجنرال ميشال عون رئيسا «طالما اجمع عليه المسيحيون»، الرئيس نبيه بري فعل ذلك «مواربة» عندما توصل قبل ايام الى اتفاق نفطي مع التيار الوطني الحر، وهذا مؤشر على امكانية عقد تفاهمات «رئاسية» مع «الجنرال»، الجميع يحاول تقديم الدعم «اللوجستي» للحريري لمساعدته على تجاوز «الفيتو» السعودي علّ ابواب السرايا الحكومي تفتح امامه من جديد…

وبانتظار ان تعيد الرياض حساباتها الاقليمية واللبنانية ليبنى على الشيء «مقتضاه» في السياسة، تمضي الاجراءات الامنية والعسكرية وفقا لما تتطلبه طبيعة المخاطر المحدقة، حزب الله ماض باجندته القتالية ولا يبدو معنيا بما سيحمله الحريري من اجابات، هذا اذا حصل عليها، وفي هذا السياق لم يتأخر الحزب في الرد على « رسالة» القاع الدموية، فاعيد تفعيل جبهة الجرود عبر عمليات نوعية ودقيقة، وما حصل خلال الساعات القليلة الماضية لم يكن ابدا «استعراض قوة» للاستثمار السياسي الداخلي، او مجرد «ثأر» للشهداء، وانما عملية امنية وعسكرية استباقية تهدف اولا الى طمأنة الاهالي باجراءات عملانية تدعم صمودهم، ثانيا، افهام المسلحين ومشغليهم ان الحزب قادر على القتال على اكثر من جبهة، وان مشاغلته على الحدود لن تمنعه من تعزيز مساهماته العسكرية على الجبهات السورية. ثالثا، تعطيل اي محاولة هجومية قد تفكر تلك المجموعات القيام بها لاختراق الحدود، رابعا يريد الحزب ان يضع المسلحين تحت «ضغط» متواصل يمنعهم من ايجاد ملاذ آمن لاعداد او تجهيز عمليات ارهابية في الداخل اللبناني. «المشاغلة» بالنيران ستتصاعد تدريجيا، الضغط سيزيد على الاطراف المحلية والاقليمية التي تضع «فيتو» على استكمال تحرير ما تبقى من جرود محتلة، ويبقى توقيت اطلاق عملية «التنظيف» في «حارة حريك» بالتنسيق مع «اليرزة»….

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى