الجبهة العريضة لفرض النسبية سبيلنا للخروج من الأزمة زاهر الخطيب
دخلت الأزمةُ في لبنان مرحلةً جديدةً لا سيما بعد إجراء الانتخابات البلدية، واقتراب موعد انتهاء التمديد الثاني لمجلس النواب.
وقد أكدت الانتخابات البلدية بما لا يدع مجالاً للشك ثلاثة أمور هامة:
الأمر الأول: سقوط ذريعة التمديد لمجلس النواب تحت عنوان الظرف الاستثنائي. فقد تبيّن أنّ إجراء الانتخابات متاحٌ، وأنّ الحديث عن مخاطرَ أمنية لا أساس له من الصحة، خصوصاً بعد أن جرت الانتخابات البلدية في بلدة عرسال أكثر المناطق قرباً من وجود الجماعات الإرهابية المسلحة، ولم يحصل ما من شأنه تعكير سير العملية الانتخابية التي جرت في كلّ المناطق اللبنانية بأجواء ديمقراطية تنافسية.
الأمر الثاني: أنّ الاستمرار بالتمديد لمجلس النواب لم يعد ممكناً، لأنه يفتقد لأيّ مسوّغ شرعي أو قانوني، أو مشروع وعليه بات إجراء الانتخابات النيابية أمراً متاحاً وملحاً لإعادة تكوين السلطة.
الأمر الثالث: أظهرت الانتخاباتُ البلديةُ الحاجةَ الماسةَ لاعتماد نظام التمثيل النسبي في الانتخابات البلدية وفي الانتخابات النيابية على السواء.
ولقد بات من الواضح أنّ الأولوية من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات النيابية هي العمل على وضع قانون جديد للانتخابات على قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى أساس التمثيل النسبي، باعتبار ذلك هو المدخل للخروج من الأزمة، ووضع حدّ لاحتكار التمثيل النيابي، وبالتالي انتخاب مجلس نواب يعبّر فعلاً عن تمثيل إرادة جميع اللبنانيين وليس فئة منهم، بما يؤدّي إلى إعادة إنتاج مؤسسات الدولة وإطلاق عمل أجهزة الرقابة والمحاسبة المعطلة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة، والتي استشرى الفساد في كلّ مفاصلها. وهو ما تمثل أخيراً في انكشاف فضائح الفساد بالجملة النفايات، الانترنت غير الشرعي، والفساد والاختلاس في قوى الأمن الداخلي، والقمح المسرطن إلخ… .
وعلى الرغم من مرور أشهر على كشف هذه الفضائح لم نرَ توقيف الضالعين فيها ويجري الحديث عن محاولات لفلفة لحماية الفاسدين من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها.
إلاّ أنّ التوصل إلى قانون انتخاب على أساس النسبية الكاملة أمر لن يتمّ بالسهولة التي يعتقدها البعض، ويحتاج إلى نضال وبلورة قوة ضغط سياسية وشعبية قادرة على فرضه فرضاً بالقوة الشعبية والسياسية.
غير أنّ بلورة مثل هذه القوة الضاغطة يتطلّب العمل وبجدية من قبل القوى والتيارات المؤيدة لاعتماد قانون النسبية لتشكيل جبهة عريضة تضمّ كلّ من يدعم هذا القانون، ومثل هذه الجبهة تستدعي بالضرورة عقد مؤتمر وطني لإطلاق أوسع تحرك سياسي وشعبي لمنع الطبقة السياسية من الالتفاف على مطالبة أغلبية اللبنانيين باعتماد نظام التمثيل النسبي في الانتخابات النيابية المقبلة، والعمل على إعادة إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين الأكثري أو المختلط، ولهذا يجب التحذير من خطورة التراخي في التحرك لتشكيل هذه الجبهة العريضة، وممارسة الضغط بقوة لفرض النسبية الكاملة، ووضع القوى السياسية المعارضة لمثل هذا القانون أمام واحد من احتمالين:
الاحتمال الأول: عدم إجراء الانتخابات على أساس قانون غير عادل ولا يحقق صحة التمثيل، ويمنع التغيير ويعيد إنتاج نفوذ الطبقة السياسية الحالية، وبالتالي الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي لإقرار إصلاحات جذرية للخروج من الأزمة التي يرزح تحت وطأتها اللبنانيون منذ عقد ونيّف.
الاحتمال الثاني: أو الموافقة على اعتماد قانون النسبية الكاملة وإجراء الانتخابات على أساسه.
فالتغيير لا يتحقق بالمناشدة، ولا تقبل به الطبقة السياسية الحاكمة إلا مكرهة، وعندما تجد أنّ قبولها النسبية الكاملة أقلّ سوءاً بالنسبة لها من الذهاب إلى خيار المؤتمر التأسيسي الذي سيصبح هو المخرج إذا ما انتهت مدة التمديد لمجلس النواب ولم تجرِ الانتخابات في موعدها، في حين أنّ التمديد للمجلس بات صعب المنال.
وربما كان التمديد حافزاً قوياً ومحركاً غير متوقع لدفع البلاد إلى ما هو بين الفراغ والفوضى.
فهلاّ أدركت الطبقة السياسية ووَعَتْ إلى أين ستجرُّ البلاد والعباد؟
ونكرّر على مسامع المعنيّين قول الصديق معالي الوزير طلال أرسلان ما مضمونه لقد جَرَّبتُم كلَّ شيء…
فهلاّ جرَّبتم قانون النسبية للإصلاح السياسي لبنية هذا النظام؟
أيّها المصلحون اتحِّدوا،
أقيموا جبهتكم الإصلاحية،
انزِلوا إلى الساح، وافرِضوا النسبية.
(البناء)