مقالات مختارة

إسرائيل والبعد الإقليمي للمصالحة مع تركيا: شراكة رسمية في المحور المناهض لإيران حلمي موسى

 

وقّع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد ونائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلولو على انفراد في أنقرة وتل أبيب على اتفاقية المصالحة بين اسرائيل وتركيا التي وضعت لمساتها الأخيرة بين طاقمي المفاوضات في روما أمس الأول. وأثار الاتفاق ردود أفعال متناقضة في إسرائيل بسبب وقوف عائلات المفقودين ضده وجرّاء معارضة ساسة لمبدأ دفع تعويضات. ويتوقع أن يقرّ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر الاتفاق رغم وجود معارضة جديّة له في صفوفه.

وخرج ممثلون عن عائلات جنديين إسرائيليين مفقودين في غزة منذ العدوان الإسرائيلي الأخير ومدنيين آخرين يعتقد أنهما معتقلان لدى حكومة «حماس» من اجتماع لهم مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشعور بالخيبة. إذ لا يبدو أن اعتراضاتهم ولا معارضة وزراء في الحكومة، بينهم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان والتعليم نفتالي بينت، سوف تمنع إقرار وتنفيذ الاتفاق. وهناك من يعترض على مبدأ إعلان اتفاق قبل أن ينال هذا الاتفاق مصادقة الحكومة الإسرائيلية أصلاً.

ولا يتوقف الجدال حول الاتفاق في الجانب الداخلي الإسرائيلي، سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعياً، وإنما يتخطاه إلى البعد الدولي. فالاتفاق مع تركيا له آثاره وعواقبه على العلاقات التي حاولت حكومة نتنياهو إبرامها بعد توتر علاقاتها مع تركيا مع كل من مصر وقبرص واليونان. فالاتفاق يمنح تركيا مكانةً ما في غزة ودوراً في الوساطة بين إسرائيل و«حماس» وهو ما يثير حنق مصر. كما أن هذا الاتفاق، ورغم تواصل تركيا مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، إلا أنه يرسّخ في نظر البعض الانفصال القائم بين الضفة والقطاع.

ولكن لا يقل أهمية عن ذلك أن الاتفاق ينطوي على بعد اقتصادي، بسبب الغاز، وإستراتيجي، إذا تم تطبيع العلاقات بين الطرفين، يؤثر على التحالف الذي أنشأته إسرائيل مع اليونان وقبرص. وليس صدفة أن أول ردّ فعل دولي معارض جاء من قبرص التي أعلنت أنها لن تسمح بمد أنبوب غاز من الحقول الإسرائيلية إلى تركيا عبر المياه الاقتصادية القبرصية. وسارع رئيس الحكومة الإسرائيلية للاتصال بالرئيس القبرصي نيكوس أنستسياديس ليبلغه بأن الاتفاق مع تركيا لن يكون أبداً على حساب العلاقات مع قبرص ولن يضرّ بها.

ومعروفٌ بالمقابل أن الاتفاق التركي ـ الإسرائيلي تمَّ تحت ضغط أميركي كبير، وعلى أعلى مستوى. وكان أول اتصال بين نتنياهو وشخصية دولية بشأن إبرام الاتفاق قد تمّ مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي رحّب به. وكان المعلّق الأمني لموقع «يديعوت» الإخباري روني بن يشاي كتب أن للاتفاق بين تركيا وإسرائيل «اشبينين»: الإدارة الأميركية والقصر الملكي السعودي. وفي نظره، فإن هاتين الجهتين معنيتان «بتوحيد صفوف المعسكر الموالي لأميركا في الشرق الأوسط، ومعظمه يتكون من دول إسلامية سنّية، لكبح مساعي المحور الراديكالي بقيادة إيران، والمدعوم من روسيا، لخلق هيمنة في الشرق الأوسط».

واعتبر بن يشاي أن «هذا بعد إقليمي دولي محظور الاستهانة به، لأن هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الأميركيون والسعوديون ودول إسلامية أخرى في إسرائيل شريكاً شرعياً في إدارة شؤون المنطقة. فإسرائيل عضو في الرباعية الأولى مع السعودية ومصر وتركيا، حيث لجميعهم مصلحة في كبح التآمر الإيراني ضد الأنظمة في المنطقة ومنع أمتلاك طهران للسلاح النووي».

ومن المقرر أن يعرض اتفاق المصالحة التركي الإسرائيلي اليوم على المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر لبحثه وإقراره. وأعلن كل من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينت ووزيرة العدل أييلت شاكيد أنهم سيصوتون ضد الاتفاق. ولكن معروف أن هناك أغلبية تؤيد الاتفاق في المجلس المصغّر، خصوصاً أن وزراء الليكود (نتنياهو ويوفال شتاينتس وجلعاد أردان) ووزير الداخلية أرييه درعي ووزير المالية موشي كحلون ووزير الإسكان يؤآف غالنت سيؤيدون الاتفاق. وبعد إقرار الاتفاق من جانب المجلس الوزاري المصغّر يُقّدم للكنيست ليبقى 14 يوماً هناك بعدها يغدو سارياً وينال مكانة معاهدة دولية.

وكان نفتالي بينت قد أعلن أنه «محظور على دولة إسرائيل أن تدفع تعويضات لإرهابيين حاولوا المسّ بالجيش الإسرائيلي». لكنه أضاف أن «المصالحة مع الأتراك هامة في وقتنا الحالي ولمصالح دولة إسرائيل، لكن تسليم تعويضات للمبادرين لأعمال إرهابية يشكل سابقة خطيرة سوف تندم عليها دولة إسرائيل في المستقبل». كما طالب وزير الزراعة أوري أرييل بعرض الاتفاق على الحكومة وعدم الاكتفاء «بنقاش سري في المجلس المصغّر».

وألقى رئيس الحكومة التركية بن علي يلديريم خطاباً في البرلمان التركي، الذي عليه أن يسنّ قانوناً يلغي الملاحقات والدعاوى القضائية ضد الإسرائيليين المشاركين في اقتحام سفينة مرمرة، أكد فيه أنه لم يكن سهلاً التوصل لهذا الاتفاق. وأضاف أن «إخوتنا الفلسطينيين سينالون حيزاً للتنفس. إن الجروح بدأت تلتئم، لكننا سنواصل دعمنا للقضية الفلسطينية مستقبلاً».

ويعتقد أن بين مصالح تركيا السياسية الأخرى في العلاقة مع إسرائيل تحقيق غايتين: واحدة مساعدة حركة «حماس» والشعب الفلسطيني في غزة ما يعزز مكانة تركيا كمدافع عن الإسلاميين في المنطقة. والأخرى أن توديد العلاقة مع إسرائيل يمنع الأخيرة من تقديم مساعدات واسعة للأكراد الذين يناصبون الدولة التركية العداء. ويرى خبراء عسكريون إسرائيليون أن الاتفاق مع تركيا يدفع إلى تأجيل المواجهة التي كانت متوقعة مع «حماس». فعلى الأقل خلال المستقبل القريب، سوف تقود المشاريع التي تشارك فيها تركيا، مثل محطة الطاقة ومحطات تحلية المياه والمستشفى إلى التخفيف من ضائقة القطاع والحيلولة دون انفجار الوضع فيه.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى