هل تؤدي تفجيرات القاع إلى تواضع الخطاب الآذاري؟ كلير شكر
هو رقم قياسي لإرهابيين ثمانية قرروا خلال 12 ساعة فقط، تفجير قلوبهم السوداء في أجساد العسكريين والمدنيين. كانت القاع هي الهدف المؤكد بتوقيع أربعة انتحاريين تسللوا ليل أمس الأول الى أحيائها ليثبتوا بالدليل القاطع أنّ ما سبقهم إليه «إرهابيو الفجر» لم يكن «زلة طريق»، وإنما وصول عن سابق تخطيط يُراد منه ترويع القاعيين واستهداف أمنهم غير المضمون أصلاً.
هكذا عادت لغة الدم والنار لتفرض نفسها على المشهد اللبناني الغارق في شلله وشغوره بانتظار مَن يحمله إلى شاطئ تسوية تعيد إنتاج مؤسساته الدستورية وتثبت مظلة الأمن السياسي التي يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق إنها لن تتحقّق إلا من خلال انتخاب رئيس للجمهورية.
بالأمس، خطفت بلدة القاع الحدودية الأنظار مرتين، وخطفت التفجيرات أنفاس أهلها مرّات كثيرة من دون أن تدفعهم للاستسلام لـ «أمراء الظلام». وإنما زادتهم تصلّباً وتمسكاً بأرضهم ورفضاً للهجمة التكفيرية التي ثبت بـ «الوجه الدموي» أنها لا تميّز بين طائفة وأخرى ومنطقة وأخرى.
ولعل مشهد انطوان زهرا يحمل سلاحه متوسطاً ثلة من شباب المنطقة المعروفين بولائهم لـ «القوات»، هو أبرز ما دوّنه سجل الملاحظات السياسية التي أعقبت يوم القاع الطويل والدامي.
لا تكمن أهمية المشهد في ما عبّرت عنه فقط انطونيت جعجع حين كتبت على جدارها الافتراضي أنّه «في أيام السلم نحن نواب، وفي وقت الخطر قوات»، في استحضار لتاريخ «القوات» وتجربتها القتالية خلال الحرب، ولكن في دلالات الموقف «القواتي» من الصراع الكبير الحاصل في المنطقة، والتي تشكل سوريا جزءاً حيوياً منه، ولا يغيب لبنان طبعاً عن حراكه الدموي.
عملياً، لم تكن العمليات الثماني التي شهدتها البلدة البقاعية، وفق بعض المعنيين، مفاجئة للأجهزة الأمنية، غير أنه تجمّع لديها في الآونة الأخيرة الكثير من المعطيات التي تفيد بوجود مخططات للتنظيمات التكفيرية لاستهداف مراكز للجيش اللبناني ودور عبادة مسيحية وإسلامية، وهي قد تكون المرة الأولى التي تكون فيها الكنائس موضع استهداف، أقله وفق المعلومات المتوفرة لدى القوى الأمنية.
ولهذا فإنّ أبرز الملاحظات التي سجلها يوم القاع الدامي هو توسّع بيكار حالة الاستهداف، إن لم نقل شمولها اللبنانيين بمختلف طوائفهم، بعدما كانت المناطق الشيعية هي تحت مجهر الإرهابيين وفي دائرة زنار نيرانهم.
بهذا المعنى، صار لاعتراف «القوات» بلسان سمير جعجع باستهداف القاع لتنضمّ الى قافلة البلدات اللبنانية التي تدفع بدماء شبابها وشيبها ثمن الهجمة التكفيرية، معنى بارز الأهمية، بعدما محت وقائع الليل كلام النهار، حين كان قد أسقط «الحكيم» البلدة الحدودية عن لائحة الاستهداف، معتبراً أنّ التكفيريين كانوا يعبرونها فقط للتوجه الى منطقة أخرى، ليعود ويضهما إلى «لائحة الأهداف».
ومع أنّ راصدي تفاعل أبناء المنطقة البقاعية، لا سيما القرى المسيحية، مع الأحداث الحاصلة من حولهم، يدركون جيداً أنّ هؤلاء يتولون بأنفسهم حماية قراهم بالسلاح منذ أكثر من سنتين، وهم يعرفون أكثر من غيرهم حقيقة المخاطر المحيطة بهم، على عكس «قوى 14 آذار»، التي تحاول دوماً ربط مشاركة «حزب الله» بالقتال السوري بالاستهدافات الإرهابية للساحة اللبنانية، على طريقة «هذا ما جنته يدا الحزب»!
وها هي أحداث القاع، وفق «قوى 8 آذار»، تسقط هذه النظرية التي تحمّل دوماً «حزب الله» مسؤولية الأثمان التي يدفعها ناسه وأهله دماً وقتلاً بسبب «مغامراته» السورية، كما يصفها خصومه، لأنّه «كان من الممكن أن نشهد عرسال ثانية أو برج براجنة ثانية لو فلتت الأمور»… وتثبت أنّ للإرهاب التكفيري مساراً دموياً أعمى لا يعرف حدوداً.
(السفير)