حزب الله طليعة قومية مقاتلة
غالب قنديل
عندما سئل “ميرابو” خطيب الثورة الفرنسية عن سر تألقه وجماهيريته اعتبر ان البلاغة في لغته ليست هي الجوهر بل شعور الناس انه صادق في ما يقول ومؤمن به ولعل ذلك السبب يقع في سر الجاذبية الخاصة لخطابية السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله الذي بات معرفا بصدقه وبمصداقيته عند العدو قبل الصديق وقد حول الخطاب السياسي بذاته إلى وسيلة لصياغة معادلات القوة في المواجهة ضد العدو الصهيوني وفي الصراع ضد عصابات التوحش التكفيري الإرهابي التي اعتمدها الحلف الاستعماري والحكومات العربية التابعة للغرب بهدف تعويض تراجع القدرة العدوانية الصهيونية لا سيما بعد حرب تموز 2006 وليس مصادفة ان يكشف الكاتب الأميركي سايمور هيرش بناء عن معلومات استقاها من الاستخبارات الأميركية ومن مصادره الفاعلة في واشنطن عن ” إعادة التوجيه ” الأميركي لفصائل الإرهاب لضرب سورية وحزب الله في مطلع العام 2007 أي بعد أشهر من هزيمة العدوان الأميركي الصهيوني الرجعي على لبنان.
اولا في قلب حركة إدارة الصراع الاستراتيجي تقع خطب واحاديث سماحة السيد حسن نصرالله قائد المقاومة العربية الجديدة وهو الزعيم الذي يصح القول إنه راكم بالتجربة مدرسة في الخطاب السياسي محورها الحاسم إتقان تحديد الأولويات والتحديات والتناقضات الرئيسية التي ينبغي التصدي لها في كل مرحلة بموازاة بثه لشحنات قوية من الوعي السياسي الوطني والقومي.
شكلت معركة الوعي التي يخوضها نصرالله عصبا مهما لريادته الفكرية والثقافية فهو لا يسوق المواقف بأسلوب التصريحات التي يدلي بها السياسيون ولا يدعو إلى الخيارات مجردة من الخلفيات والدوافع ومن غير تعيين المصلحة الوطنية والقومية في اعتمادها بل هو يرسم تلك الخيارات بناء على التشخيص العلمي والواقعي الذي يستنبط منه وبناء عليه المهام المركزية الراهنة وهذه المنهجية في التفكير والممارسة تخطت مستوى النضج والتبلور الذي تميز بهما أهم الخطباء العرب في التاريخ المعاصر الزعيمان جمال عبد الناصر وحافظ الأسد والدكتور جورج حبش زعيم القوميين العرب وقد كان لكل منهم أسلوبه وطريقته الخاصة في عرض أفكاره والتعبيرعنها.
ثانيا خطب السيد نصرالله هي ذروة تراكمية لتجلي القدرة النادرة على الجمع بين التحليل والثقيف والتعبئة الشعبية التي يجيدها جميعا بلغة السهل الممتنع القابل للفهم على أوسع نطاق وفي جميع دوائر النسيج الشعبي لجمهور المقاومة ومحورها وبما يتعدى ذلك الجمهور إلى تأثير حي ومباشر في الأوساط الواقعة خارج كتلة المقاومة ومناصريها فقد برع السيد في تفكيك التعبئة المعادية بكل أشكالها وفي اعقد مجالاتها التناحرية التي توسلت التحريض المذهبي الذي تصدى له نصرالله مبكرا منذ أمد بعيد فهو استشرف خطر التكفير الإرهابي قبل سنوات من تحوله هما عربيا ودوليا في الأعوام الأخيرة.
من الوجهة التاريخية تتحدد طبيعة الفعل السياسي انطلاقا من جوهر موقعه في حركة الصراع وكما يجسد حزب الله رأس حربة في وجه الكيان الصهيوني وفي الكفاح ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين وفي ردع العدو وسلبه القدرة على شن حروب جديدة هو اليوم إلى جانب ذلك الموقع والدور القومييين بامتياز رأس الحربة في التصدي لخطر وجودي أشد دهاءا وخبثا وتعقيدا هو تهديد عصابات الإرهاب التكفيري في مختلف أرجاء الوطن العربي وقد بات ظاهرا لكل من يفهم ان تلك العصابات هي ادوات لعدوان استعماري صهيوني رجعي يستهدف تدمير المجتمعات والدول لتمكين الكيان الصهيوني من فرض الهيمنة على المنطقة العربية بعدما عجز عن ذلك بالحرب والاحتلال منذ انبثاق المقاومة اللبنانية ونهوضها في الحضن القومي للجمهورية العربية السورية وبدعم مباشر من جمهورية إيران الإسلامية … عميان البصائر وحدهم من مدعي العروبة لا يعترفون بهذه الحقيقة النافرة .
ثالثا ما رواه السيد نصرالله عن القائد الشهيد مصطفى بدرالدين ودوره مع رفاقه وأخوته في مقاتلة عصابات التكفير في العراق وسورية هو المؤشر على أن هذه المقاومة هي طليعة عروبية مقاتلة دفاعا عن الأمة يجني مردود تضحياتها وجهاد مناضليها المواطنون العرب في لبنان وسورية والعراق بحماية وجودهم ومصالحهم وأمنهم والاستشهاد في سبيل الدفاع عنهم من غير منة او جميل بل بفعل التزام وطني وقومي شريف وقد حرص السيد على تاكيد هذا الجوهر في رسالة حزب الله إلى امته المستهدفة فمقاتلو الحزب يدافعون عن الشعب العربي السوري بجميع مكوناته ومعتقداته الدينية ويقفون إلى جانب الدولة العلمانية المقاومة التي شاركتهم الصمود والقتال لعشرات الأعوام ضد الكيان الصهيوني وهو يناضل حيث يجب لنشر ثقافة التمسك بالوحدة الوطنية ورفض الفتنة الطائفية والمذهبية ومنعها.
جهود حزب الله وتضحياته الجليلة في القتال ضد الإرهاب تقيم سياجا حصينا لحماية وطنه لبنان من ذلك الخطر القاتل لكن من جهة اخرى وفي زمن التحلل القومي واهتراء القوى والتيارات العروبية وارتزاق الكثير من رموزها وانحرافها عن النهج القومي إلى التنفع في قصور البذخ والعمالة ينبغي فهم مغزى ان يهب المقاومون اللبنانيون لنجدة اخوتهم العراقيين والسوريين في القتال ضد جيش متعدد الجنسيات من ثمانين بلدا يقوده ضباط وخبراء من الحلف الأطلسي ومن الحكومات العربية التابعة للغرب بينما هم يذودون عن شعبهم اللبناني في وجه تلك العصابات الإرهابية ويصبرون على الجحود والعهر الذي يلاقيهم من اطراف لبنانية متورطة بدعم الإرهاب والتكفير كما تورطت بالتناغم مع العدو الصهيوني وان يواصلوا تعظيم قدراتهم لمجابهة ذلك العدو ولإبقائه مردوعا بينما لم تقطع اولوية التصدي للإرهاب تحفزهم لدعم أخوتهم المقاومين في قلب فلسطين فذلك سلوك رسالي قومي تحرري يفوق الوصف والتقدير أيا كانت الهوية العقائدية لهذه النخبة القومية فمضمون فعلها التاريخي هو هويتها العروبية الناصعة بينما بعض ادعياء العروبة الذين يسترضون انظمة عميلة وحكومات تابعة للاستعمار ينادون على المقاومة اليوم لإخراجها من ميادين الدفاع الوجودي التي تتقدم أي هم قومي حقيقي وإن أراد احد ما في هذه الأمة التعيسة المنكوبة بنخبها التلفة والرثة ان يسأل عن تجسيد العروبة المقاتلة في هذا الزمن فلينظر إلى سيرة القائد الشهيد ذوالفقار وسائر شهداء حزب الله.