المستقبل اسير رهانات سعودية «على الوقت» ابراهيم ناصرالدين
الحديث عن امكانية نجاح مؤتمر «دوحة» لبناني، في خضم مواجهة كبرى مفتوحة في الاقليم، مجرد ترف فكري، لن يجد طريقه الى عالم الواقع، واذا كان رئيس القوات اللبنانية الاكثر وضوحا في وصفه «الفكرة» بالمدمرة، فان تيار المستقبل يعد اكبر العقبات امام اي تسوية جدية تخرج البلاد من حالة المراوحة الراهنة، سواء كان ذلك «دوحة» جديدة او اي شيء آخر، فالتيار «الازرق» وبتوجيهات سعودية، «يراوغ» بانتظار خروج الرئيس الاميركي باراك اوباما من البيت الابيض، وليس مستعدا لخوض غمار تفاهمات جديدة بالشروط الاقليمية والداخلية الراهنة، ثمة رهان في الرياض على الوقت لتحسين شروط اي مقايضة محتملة مع الطرف الاخر… فاي معطيات تراهن عليها المملكة؟ وهل من ضمانات لبقاء «الستاتيكو» الحالي قائما؟
من استمع الى رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على طاولة الحوار، فهم «الرسالة» جيدا، «التيار الازرق» يعتبر الحوار الوطني جزءا من عملية «ملء الفراغ»، ولا يؤسس لشيء آخر، حكومة «تصريف الاعمال» تقوم بواجباتها في ترحيل الملفات «المتفجرة»، البحث عن قانون انتخابي جديد «رياضة» عبثية لن تؤدي الى شيء سوى العودة الى قانون الستين، طبعا الشغور في موقع الرئاسة الاولى سيستمر، القرار في السعودية وليس في «بيت الوسط»، السعوديون غير معنيين بحل ازمة الرئيس سعد الحريري وغير مستعجلين على دخوله الى السراي الحكومي…
انها «لعبة» محفوفة بالمخاطر، تقول اوساط ديبلوماسية في بيروت، ثمة مغامرة تقوم بها الاطراف السياسية مجتمعة من خلال الاستسلام لحالة المراوحة التي يفرضها تيار المستقبل «المنهك» داخليا وخارجيا برهانه على تقطيع الوقت، فالحديث عن ضمانات اقليمية ودولية لعدم انفجار الوضع الداخلي لا يمكن الركون اليه في الفترة المقبلة، وما يحصل من مقدمات امنية في الاردن يجب ان يثير الكثير من المخاوف، فالاردن كما لبنان دولة لجوء، والعبث الامني يؤشر الى تداعيات على نطاق واسع هناك، وهذا ما يشرع الباب امام الاسئلة الصعبة لبنانيا، اذا ما تم رفع «المظلة الامنية» عن الاردن فلماذا تبقى فوق لبنان؟ واذا سقطت الضمانات المعطاة للحفاظ على وضع امني ممسوك لكبح جماح الهجرة الجماعية السورية من الاردن الى الغرب، ما الذي يمنع ان تسقط على الساحة اللبنانية؟ …
وفي السياق نفسه، تلفت تلك الاوساط الى ان الساحة اللبنانية لن تكون بمناى عن التصعيد السعودي الممنهج ضد ايران وما تعتبرها «اذرعتها» في المنطقة، وما حصل قبل ساعات في البحرين دليل جديد على وجود قرار سعودي برفع مستوى المواجهة وليس تبريدها، «والتعثر» في اليمن دليل اضافي، وكذلك الحملة ضد حزب الله التي بدأت قبل اشهر، فهي مرشحة للمزيد من التصعيد، اي ان «لعبة» التوازن الامني المرعية الاجراء في بيروت ليست مضمونة ومعرضة لانتكاسات قد تخرج عن السيطرة.. وهذا ما كاد يحصل على خلفية الازمة «المفتعلة» بين المصارف وحزب الله…
ويبقى السؤال لماذا تراهن الرياض على الوقت؟ عريضة الدبلوماسيين الأميركيين الـ«51» التي قدمت لوزير الخارجية الاميركي جون كيري وطالب فيها موظفي الخارجية الرئيس باراك أوباما بانتهاج سياسة أكثر حزماً مع الرئيس السوري بشار الأسد، تقدم جزءا من الاجابة عن هذا السؤال، منذ بداية الحرب في سوريا كان ثمة شعور في الرياض بأن الموقف السعودي له انصار كثر داخل المنظومة الدبلوماسية الاميركية، واليوم تأكد بالدليل القاطع وجود هذا «المناخ»، ولذلك الرهان اليوم على العودة الى «المربع الاول» للتفاهم مع الاميركيين حول «عقيدة» وزير الخارجية السعودي عادل الجبير «رحيل الاسد من خلال عملية سياسية او بالقوة»… ويأمل السعوديون ان يجبر الضغط الاميركي الروس على إعادة النظر بموقفهم من النظام والتفكير جديا بمن سيخلفه.. صحيح ان رسالة الرافضين في داخل الإدارة لن تترك ذلك الأثر الكبير على أوباما الذي لا يظهر ميلاً لتغيير مسار السياسة التي تبناها تجاه سوريا منذ اندلاع الحرب عام 2011، لكن الرهان بأن يتبنى الرئيس القادم هذه الاستراتيجية، والامل كبير بفوز هيلاري كلينتون في الانتخابات، فهي عندما كانت وزيرة للخارجية ابدت استعداداً لاستخدام القوة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية… وهذا ما ستقوم بتفعيله لدى عودتها الى البيت الابيض.
لكن هل طريق «الاحلام» السعودية مزروع «بالورود»؟ لا يبدو كذلك… وبرأي تلك الاوساط فان «ارث» اوباما سيكون ملزما للرئيس الجديد خصوصا اذا ما عاد الحزب الديمقراطي الى البيت الابيض، كما لا يمكن اغفال موقف روسيا الاستراتيجي في سوريا، والقرار الحاسم بعدم تقديم تنازلات جوهرية للاميركيين، رغم «التكتيك» الروسي القائم حاليا والذي يثير «غضب» محور المقاومة… اما العامل الثالث فهو انطلاق «قطار» التفاهم النووي مع ايران، وهنا لن تتمكن اي ادارة اميركية جديدة المخاطرة «بتمزيق» التفاهم عبر تبني معادلة «كسر» المعادلات في سوريا، ثمة خطوط حمراء لا يستطيع الجانب الاميركي تجاوزها… اما العمل الرابع فيرتبط بالتحولات التركية المتوقعة، فبعد ان كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أكثر الأصوات المتشددة والمطالبة برحيل الرئيس الاسد، جاء دعم الولايات المتحدة للاكراد ليغير حسابات أنقرة، وعليه فإن أولويات أردوغان مرشحة للتغيير، وتمثل الحرب السورية صورة عن معضلة تركيا فهي لا تستطيع الانتصار به ولكن ليس لديها استراتيجية خروج واضحة منها، وأهم مصادر قلق تركيا هم الأكراد الذين قاموا بالسيطرة على معظم المناطق جنوب الحدود التركية ووثقوا صلاتهم مع الولايات المتحدة وروسيا، وهذا السيناريو يشكل كابوساً لأنقرة قد يفرض عليها تغيير استراتيجيتها، ووصف رئيس حكومتها الجديد الحرب «بالعبثية» مقدمة للتعامل مع الملف بطريقة «براغماتية»… وهذا يسحب من الرياض ورقة رابحة تشكل ثقلا رئيسيا في سوريا…
يضاف الى هذه العوامل، التطورات المتلاحقة في الميدان السوري، وثمة حسابات معقدة في هذا السياق، الاطمئنان السعودي بوجود ضمانات اميركية، وتفاهمات مع موسكو على عدم الحسم في حلب، يحتاج الى المزيد من التدقيق، لان ما يرسم في «الغرف المغلقة» قد لا يجد طريقه الى التنفيذ، ثمة لاعبين كثر على الارض السورية، والمعلومات تشير الى ان «صبر» الروس قد نفذ ولن ينتظروا قدوم الادارة الاميركية الجيدة وهم مكتوفي اليدين، يأسوا من الرهان على ادارة اوباما ويحتاجون لاوراق رابحة في الميدان لتحسين موقع التفاوض مع الادارة الجديدة… لذلك فان الرهان على «تلميع» «جبهة النصرة» للاستثمار فيها بعد مغادرة الرئيس اوباما البيت الابيض قد تكون «ورقة» خاسرة وغير مضمونة..
في الخلاصة، يعمل الحريري على استعادة «الحظوة» في السعودية، توليه مهمة الناطق باسم وكالة الاعلام السعودية في لبنان للرد على حزب الله وايران، بدأت تؤتي ثمارها، الاشادة الاخيرة من السفيرالسعودي في بيروت بواقفه اول الغيث، لكن للرياض حساب طويل مع ايران تريد ان تصفيه بعيدا عن مصالح الحريري الشخصية، ولذلك تصر على عرقلة التسوية السياسية في لبنان، وتعمل على اطالة عمر الازمة بانتظار تبدل اقليمي ودولي قد يدفع لبنان ثمنه اذا ما اختلفت حسابات «الحقل» السعودي مع البيدر الاقليمي والدولي….وهذا ما بدأت تحذر منه مصادر دبلوماسية غربية في بيروت.
(الديار)