ماذا وراء التفاهم التركي «الإسرائيلي»: … مشروع حرب أم شيء آخر؟
ناصر قنديل
– تقف تركيا و«إسرائيل» منذ بدء الحرب على سورية في ضفة واحدة تتكاملان فيها لرفد تنظيم «القاعدة» بكلّ أسباب القوة، وتتدخّل مخابراتهما وقواتهما العسكرية كلما لاحت فرصة لتوجيه ضربات للجيش السوري وقوى المقاومة، وترى حكومة الاحتلال والحكومة العثمانية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو ورجب أردوغان، أنّ تعافي سورية يشكل تغييراً جذرياً في معادلات المنطقة الجيواستراتيجية ليس في صالحهما، لأنه يعيد إلى الملعب لاعباً قوياً طموحاً للعب أدوار ستكون على حسابهما، وسوف ترفع من أسهم حليفَيْ السوري الروسي والإيراني، كلّ من زاوية مختلفة للتأثير على التوازنات، فتصير تركيا تحت ضغط مزدوج حدودياً بين روسيا وإيران، ومربع إذا أضيفت سورية والعراق، بينما تتلقى «إسرائيل» عائدات تعافي سورية تهديداً وجودياً بتكامل أطراف حلف المقاومة عبر سورية من إيران إلى حزب الله بما يهدّد أمن «إسرائيل» ووجودها مع خطر اندلاع أيّ مواجهة مقبلة.
– التنسيق والتكامل بين أنقرة وتل أبيب لم يتوقف رغم الأزمة الدبلوماسية والسياسية التي تقيّد التطبيع العلني بينهما، بسبب بقايا أزمة ما عرف بأسطول مرمرة، وتسبّب الأمن الإسرائيلي بمقتل عدد من الأتراك الذاهبين لفك الحصار عن قطاع غزة، والحاجة مشتركة لتخطي هذه الترسّبات، لكن سياسة الاعتذار الصعبة على «إسرائيل»، ضرورية لتركيا، كما هي في شأن إسقاط تركيا للطائرة الروسية. دبلوماسية الاعتذار صعبة على تركيا ضرورية لروسيا، ولذلك كان استئخار التطبيع حتى يصير العائد المترتب على التطبيع كافياً لتعويض أضرار الاعتذار، أو التغطية عليها، فجرى ربط الخطوات النهائية بتحوّلات تستدعي الانتقال العلني إلى التفاهم النوعي أو الاستراتيجي، أو التحالف المحوري.
– ما يجري في سورية يبدو أمام نقلات نوعية عسكرية، سواء جرى ذلك على جبهة دير الزور، أو جبهة حلب وأريافها، ولا يبدو التحكم بفرض حرب استنزاف مفتوحة وطويلة الأمد في سورية أمراً تحتمله روسيا التي صار تدخلها العسكري مهدداً بالفشل ما لم تنجح بتحويله إلى بداية واضحة لحلّ سياسي واضح وشامل، أو سبباً لحسم عسكري متدحرج وسريع، وبالتالي لن يبقى الدور الروسي مرهوناً بسياسة المهل الأميركية، التي تحوّلت حرب استنزاف. كذلك هو الأمر بالنسبة لإيران وحزب الله، وخصوصاً للدولة السورية، ما يعني أنّ ضبط إيقاع الحرب على الساعة الروسية من جانب الحلفاء مرهون بنهاية مهلة معينة متفق عليها، ستنقلب بعدها روسيا إلى خنادق الحسم مع الحلفاء، أو تعود وبيدها الحلّ المنتظر الذي يلبّي التطلعات بتوافق دولي على حكومة سورية موحدة في ظلّ شرعية الرئاسة السورية، وحسم عسكري مع النصرة وداعش ومَن يساندهما، والصيف سقف الانتظارات، ما يعني أنّ المنطقة مقبلة على تحوّلات كبرى تستدعي التموضع قبالتها، وفي طليعة المعنيّين التركي و«الإسرائيلي»، وضمناً يعرفان كيف يوظفان مال السعودي وحقده.
– فرضية تدخل عسكري تركي شمال سورية وحرب «إسرائيلية» على حزب الله في سورية أو لبنان أو كليهما، أو فرضية التعاون بضربات محدودة منسقة مخابراتياً وعسكرياً، من انقرة وتل ابيب تستهدف حزب الله شمال وجنوب سورية برضا أميركي، كي لا يخرج بقوته المتعافية من حرب سورية، خيارات مطروحة على الطاولة، لكنها لا تستدعي علنية التطبيع بل قد يكون غيابه مساعداً عليها أكثر ضماناً لغموض الصورة، أما التهيّؤ لما بعد ذلك وما بعد الضربات والحرب، ومسارات مستقبل المنطقة الأبعد مدى، حيث القلق التركي من ولادة كيان كردي يعلم الأتراك أن المشجع الرئيسي عليه والمحفز للتبني الأميركي لقيامه، هي «إسرائيل»، وأن مقايضة تركية «إسرائيلية» مجزية وحدها قد تصرف النظر «الإسرائيلي» عن السعي بهذا الاتجاه، وأن بيد تركيا جوابين على سؤالين «إسرائيليين» مصيريين، الأول هو حاجة تركيا للغاز «الإسرائيلي» المتدفق بحراً في المثلث «الإسرائيلي» القبرصي اللبناني، والذي لا يجد سوقاً مجدية إلا تركيا التي تبحث عن بديل لارتهانها للمصدرين الإيراني والروسي للغاز، والثاني هو الحاجة «الإسرائيلية» لشراكة حركة حماس مع سلطة رام الله في مفاوضات تنتهي بقبول دولة في غزة، باعتبارها الدفعة الأولى على الحساب في المبادرة العربية للسلام.
– لم يعد مخفياً التفاوض التركي «الإسرائيلي» على صفقات الغاز ولا على مستقبل غزة، والإعلانات تتحدث عنهما علناً، وعن فرضية الحاجة لحماية خط الغاز بالحد من نفوذ حزب الله وقوته، الذي قد يتدخل تحت شعار حماية الحقوق اللبنانية في المياه المتوسطية، كما تتحدث عن فرضية توغل تركي جراحي شمال سورية في مناطق الأكراد، وتوغل مماثل لـ «إسرائيل» جنوب سورية، وفي الحالين سيكون في بال الفريقين ما يمكن فعله ضد حزب الله.
– المنطقة على صفيح ساخن، والتغييرات الكبرى على الأبواب وبالتتابع.
(البناء)