الأردن وعواقب التورط
غالب قنديل
لايمكن فهم العمليات التي تشنها المنظمات الإرهابية في الأردن مؤخرا دون اعتبار الدور الأردني النشط والمباشر في العدوان على سورية ومن خارج الفهم العلمي لمظاهر احتضان الإرهاب داخل الأردن منذ ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب الإرهابية على سورية ومن ثم في تنفيذ خطة بريجينسكي لتأسيس ما عرف لاحقا بالقاعدة في أفغانستان.
اولا منذ انطلاق العدوان على سورية احتل الأردن مكانة بارزة في خارطة مواقع التدريب والتسليح وقيادة العمليات التي قادتها الولايات المتحدة وحكومات الناتو وكل من السعودية وقطر وتركيا وهذه العملية ما تزال مستمرة ومتواصلة وآخر المعلومات المتداولة في كواليس السفارات الأجنبية في بيروت تفيد بأن الولايات المتحدة ما تزال ترعى وتقود عمليات تدريب مسلحين في الأردن وهي تنسق جهودا أردنية صهيونية مشتركة تتعلق بتفعيل الجماعات الإرهابية على جبهة الجولان لتنظيم استنزاف الجيش العربي السوري من هناك والتأسيس لشريط حدودي يخدم الأمن الصهيوني وتقوده جماعات عميلة من فصائل القاعدة والاخوان تحت يافطة ما يسمى بالجيش السوري الحر .
أقيمت على الأراضي الأردنية معسكرات التدريب التي يقودها ضباط فرنسيون وأميركيون و”تخرج” منها آلاف المسلحين الذين سمتهم الإدارة الأميركية بالمعتدلين وكانوا وفق التقارير الأميركية يدخلون إلى الأراضي السورية عبر الحدود بإشراف المخابرات الأردنية وما إن يصلوا إلى سورية يرفعون أعلام جبهة النصرة وداعش وغالبا ما سلموا لهاتين القوتين ما بحوزتهم من أسلحة متطورة وقد التحقوا بهما مباشرة او بواسطة فصائل رديفة ومشابهة تدور غالبا في فلك القاعدة.
ثانيا داخل الأردن يقدم تنظيم الأخوان المسلمين بفرعيه الأردني والفلسطيني حضانة سياسية ومعنوية للإرهاب التكفيري وهذا ما قاد إلى احداث ومعارك وتفاعلات امنية وعسكرية كثيرة في العديد من المناطق الأردنية وأدى لسيطرة جماعات التكفير على بعض المدن والمناطق التي اضطرت السلطات الأمنية لإخلائها من قوات الشرطة كما حدث في معان وهذه المعلومات تحاط بتكتم شديد وصارم لكنها تسربت إعلاميا بفعل وقوع صدامات ومعارك لا يمكن إخفاؤها .
القيادات والكوادر الأردنية في جماعات التكفير والإرهاب من القاعدة وداعش وتشكيلات الأخوان المسلمين تلعب ادورا مهمة ومفصلية منذ ظهور القاعدة في أفغانستان التي لعب فرع الأخوان المسلمين الأردني دورا رئيسيا في تأسيسها وانطلاقها بدعم سعودي أميركي وبتسهيلات من السلطات التي قدمت للمتطرفين معسكرات التدريب بإشراف ولي العهد السابق وشقيق الملك حسين الأمير حسن وكانت المجموعات الإرهابية آنذاك تنطلق من الأردن لضرب سورية ويومها كانت عمان تنسق مع كل من السلطات السعودية والعراقية التي قدمت مساهمات أساسية في التمويل والرعاية لكل من يعادي الدولة الوطنية السورية.
ثالثا تعزز الاعتقاد بقوة وتجذر العامل الأردني في تكوين فصائل الإرهاب القاعدية بعد ظهور جماعة أبي مصعب الزرقاوي في العراق والتي كانت نواة داعش الفعلية ويشير الخبراء إلى ان العديد من خلايا التكفير تنتشر داخل جمعيات أردنية وتتغطى بشبكات الإغاثة التي تتحرك بحرية في مخيمات النازحين السوريين وتعمل على اصطياد الأشخاص وتجنيدهم لصالح النصرة وداعش وسواها من الجماعات التي تقاتل في سورية وقد احصت تقارير أميركية وأوروبية وجود فروع منظمة لجماعات الإرهاب في العديد من المحافظات والمدن الأردنية وفي المخيمات الفلسطينية والسورية على أرض الأردن وتلاحقت منذ عامين التحذيرات الرسمية الأميركية للسلطات الأردنية من خطر تطور هذه الحالة وانقلابها إلى تهديد جدي يضم الأردن إلى ساحات العمل ” الجهادي ” المشتعلة في العراق وسورية المجاورين.
قدمت السلطات الأردنية كل ما تستطيع لتفعيل العدوان على سورية وسعت بكل السبل لخنق التحركات الشعبية والسياسية الأردنية المتعاطفة مع سورية ولم تحسب خطر ارتداد الإرهاب على الداخل الأردني وفي قلبه بل هي شرعت كل الأبواب للخطر الذي يتبدى مؤخرا في هجمات ضد الجيش وقوات الشرطة ومراكز الأمن والأكيد ان محاصرة تلك المخاطر متعذرة من غير تفكيك منصات العدوان على سورية والانقلاب على الخطة التي تورطت السلطات الأردنية في تنفيذها إذعانا لتعليمات واشنطن والرياض وها هي في وضع لا تحسد عليه حالها كحال تركيا في تحمل تبعات التورط وارتداد الإرهاب الذي احتضنته ودعمته للنيل من جارة إقليمية كبرى وفاعلة لا يستطيع الأردن تجاهل حاجته الحيوية إليها اقتصاديا وامنيا … وهكذا إنها مجددا لعنة سورية.