فوضى المليشيات في ليبيا تغطي على تقدم الصراع ضد داعش: تسفي برئيل
بعد نقاشات كثيرة في هذا الاسبوع ايضا، لم ينجح البرلمان الليبي في المصادقة على تعيين فايز سراج رئيسا للمجلس الرئاسي الليبي. هذا المنصب الذي يعادل منصب رئيس الحكومة أو رئيس له صلاحيات ادارة الدولة. إن سراج وحكومته المقترحة سيضطران الى الانتظار حتى عقد الاجتماع القادم للبرلمان المخطط له في الاسبوع القادم. هذا اذا تمكن البرلمان من احضار عدد الاعضاء المطلوب للمصادقة على التعيين.
في نفس الوقت وعلى بعد مئات الكيلومترات عن العاصمة النازفة طرابلس، تحارب عدة مليشيات مسلحة ضد نشطاء داعش في مدينة سرت على شاطيء البحر المتوسط. التقارير من الجبهة تقول إن هناك نجاحات هامة لمحاربي المليشيات. وايضا دخول قوات موالية للسلطة المركزية الى مركز المدينة، وعن قتل عدد كبير من الجهاديين.
اذا نجح احتلال سرت، فمن شأن ذلك أن يكون نقطة تحول في الصراع ضد الجهاديين في ليبيا. وهو سيساعد ايضا القوات التي تحارب داعش في سوريا والعراق. من الواضح لكل شخص عاقل أن احتلال سرت لن يؤدي الى طرد داعش من ليبيا، حيث أن التنظيم له مواقع في الجنوب ايضا. ومع ذلك، توجد أهمية كبيرة لمدينة سرت بصفتها ميناء يمر منها السلاح والمقاتلين. ايضا البعد المعنوي الذي يكمن في انقاذ مدينة كاملة من أيدي تنظيم الدولة الاسلامية، من شأنه أن يعطي دفعة الى الأمام للقوات التي تحارب داعش في سوريا والعراق. وخلافا لتجند الليبيين ضد تنظيم الدولة الاسلامية، فان القوى العظمى في الغرب، مثلما حدث في مراحل المعركة الاولى ضد الجهاديين في سوريا، تجر أرجلها ولا تقوم بأي شيء حقيقي لمساعدة القوات البرية الليبية.
سلاح الجو الامريكي وسلاح الجو البريطاني شاركا في المعركة في مدينة درنه في شرق ليبيا، التي طرد منها الجهاديون في سنة 2015. وهي تساعد ايضا في المعركة الحالية في مدينة سرت، لكن روسيا تضع الآن عقبة يصعب تجاوزها مثل طلب أن أي تدخل عسكري دولي يستدعي تدخل مجلس الامن. لا توجد أي نية لروسيا، الآن على الاقل، بالسماح باتخاذ قرار كهذا. وأوضحت موسكو أنها ستستخدم الفيتو اذا تم تقديم اقتراح كهذا. حسب ادعاء نائب وزير الخارجية الروسي، فان قوات الناتو التي ساعدت المتمردين ضد القذافي وحصلت على مصادقة الامم المتحدة لاقامة منطقة محظور الطيران فيها في ليبيا، حيث تم استغلال ذلك بشكل غير قانوني. وحسب اقواله فان القوات قصفت في حينه اهداف ارضية وساعدت المتمردين بشكل مباشر. وفي نهاية المطاف تسببت في اسقاط القذافي – هذه النتيجة كانت حسب رأي نائب وزير الخارجية الروسي، خطأ تدفع ليبيا ثمنع الى الآن.
جبهة سياسية غير ممكنة
على خلفية امكانية قصف مدينة الرقة في سوريا والموصل في العراق، التي هي معاقل داعش، من قبل روسيا والولايات المتحدة، فان هذا التنظيم يرسل منذ عدة اشهر مقاتلين الى ليبيا من اجل انشاء قواعد بديلة له في تلك الدولة. البنتاغون يعتقد أن عدد المقاتلين وصل الى 5 – 6 آلاف مقاتل، إلا أن التقديرات المحلية تقول إن العدد أقل من ذلك بكثير. حيث أن داعش له 20 – 30 ألف مقاتل موزعين في العراق وسوريا.
في مقابل سوريا والعراق اللتين فيهما جيوش ما زالت مطيعة وموالية، فان ليبيا هي دولة تتم ادارتها من قبل مليشيات أو اتحادات لمليشيات. الدول الثلاثة، ليبيا وسوريا والعراق، تعتمد على قوات أجنبية مثل المحاربين الايرانيين ومقاتلي حزب الله. أو قوات محلية غير نظامية مثل المليشيات الشيعية في العراق ومليشيات القبائل في سوريا. ولكن خلافا لليبيا، توجد جهة مسؤولة في سوريا والعراق، حتى لو لم يعترف بها المجتمع الدولي، مثل الرئيس بشار الاسد حيث يشكل عنوانا لتنسيق الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية، ويعتبر الجيش عاملا مهما في هذا الصراع. في ليبيا، في المقابل، ليس فقط أنهم لم يصادقوا على الحكومة، بل ايضا لا يوجد جيش واحد، حيث تحارب قوات الجنرال خليفة حفتر قائد “الجيش القومي الليبي”، حيث أنه وخلافا لاسمه، فانه ليس جيش الدولة، لا سيما في منطقة بنغازي في شرق الدولة. والجنرال ايضا لا يشارك في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية، لأنه لا يقبل بالسلطة، مع أنه يؤيدها. حفتر يخاف من الاتفاق الذي وقع في شهر كانون الاول والذي أعلن فيه عن اقامة حكومة توافق وطني، يخاف من أن يؤدي هذا الى اقالته. حيث أنه حسب البند 8 في الاتفاق فان المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. في المقابل، القوات التي تعمل في منطقة سرت هي مجموعة من المليشيات المسلحة التي تؤيد النظام الجديد، والقاسم المشترك بينها هو معارضة تنظيم الدولة الاسلامية.
إن ولاء الملشيات للنظام غير مضمون، حيث أن جزء من المقاتلين ومن القادة ينتمون الى التيارات الدينية المتطرفة. جزء آخر ينتمي الى المليشيات المسلحة التي تحمل لقب “قوات الدفاع عن مواقع النفط”. هذه المليشيات احتلت جزء من مواقع النفط الليبية وسيطرت على عدد من الموانيء النفطية في العام 2013. ومنذ ذلك الحين تقوم بحماية مواقع النفط وتحظى برعاية السلطات. يقف على رأس هذه المليشيات ابراهيم جدران الذي له شقيق نشيط في تنظيم الدولة الاسلامية وشقيق آخر هو رئيس بلدية أجدابي في شمال الدولة.
إن هذه الصلات العائلية القبلية قد توضع تحت الاختبار اذا قررت الحكومة الجديدة في يوم ما توحيد القوات تحت راية جيش قومي واحد. ويوجد لهذه الصلات تأثير كبير على قدرة أداء الحكومة. فعلى الاقل حسب تركيبة المجلس الرئاسي يبدو أن أحد مساعدي سراج هو من الموالين لحفتر، ومساعد آخر مقرب من الاخوان المسلمين والمليشيات الاسلامية، ومساعد ثالث يمثل دويلة زينتان. وزير الداخلية العارف الخوجة تؤيده مليشيات طرابلس ووزير الدفاع موالي لحفتر، ولكن في الاونة الاخيرة ابتعد عنه.
مقابل النظام القائم في العاصمة طرابلس تعمل ايضا حكومة موازية تزعم الشرعية، ولا تحظى بالاعتراف الدولي وهي تقوم بتشغيل مليشيات خاصة بها. هذه المليشيات تسيطر ايضا على شركة الكهرباء في طرابلس وتحدد من ومتى يتم اعطاء الكهرباء. انقطاع الكهرباء لفترة طويلة هو جزء من الواقع في طرابلس. ورغم أن مدن اخرى تستطيع منح المدينة الكهرباء، إلا أنها ترفض فعل ذلك بسبب الخصومات السياسية بينها. ولكن كثرة المليشيات المتخاصمة لها ايضا جانب ايجابي: يتبين أن تنظيم داعش يجد صعوبة في تجنيد مقاتلين آخرين من صفوف هذه المليشيات حيث أن كل واحدة تعمل حسب المصالح المحلية والقبلية وتعتبر الدولة الاسلامية منافسا وعنصرا غريبا. حقيقة أن قيادة التنظيم المتطرفة تعتمد على شخصيات رفيعة من خارج ليبيا، تُصعب عليها بناء ائتلاف مؤيد كما نجحت في سيناء.
الحرب ضد الدولة الاسلامية في ليبيا قد تنتهي بانجازات للحكومة الجديدة، لكن ذلك لن يحل المشكلة الاساسية في ليبيا. البنية القبلية، وجود مناطق السيطرة والخلافات السياسية الجديدة والتاريخية بين مقاطعات الدولة، يمكنها في أفضل الاحوال أن تثمر عن دولة فيدرالية مثل العراق. ومع أخذ ذلك في الحسبان فانه من الواضح أنه ما زال مبكرا القول متى ستكون دولة من جديد.
هآرتس