الحريري تحوّل «فقيهاً» ويطلق النار على رجليه لاستعادة ثقة الرياض ابراهيم ناصرالدين
ينقل بعض المقربين من وزير الداخلية نهاد المشنوق كلاما ردده بعد «عاصفة» الردود على كلامه الاخير حول مسؤولية السعودية عن قرارات تيار المستقبل، انه حاول تقديم «خشبة الخلاص» للرئيس سعد الحريري ومساعدته على «نزع القميص الوسخ» الذي سبب اخفاقات الماضي، يقول انه تحمل وزر هذه الخطوة «وغامر» برصيده الشخصي والسياسي مع المملكة، لكن الحريري خذله ولم يعمل على تغطية موقفه، بل على العكس أخذ يزايد في الموقف تجاه السعودية، ذهب بعيدا في الاصرار على تحمل المسؤولية عن كامل «الاخطاء والخطايا»، لم يعد بالمقدور عمل شيء، عليه تحمل مسؤولية خياراته… ولننتظر ونرَ»!
صحة هذا الاقتباس ودقته ليس موضع بحث او نقاش، المهم ان مضمون الكلام يعكس حقيقة الخلاف في فهم الرجلين للاولويات في هذه المرحلة، المشنوق ظن ان «النكسة» البلدية تحتاج الى مكاشفة علنية تعيد ما فقد من ثقة مع الجمهور، فيما اتضح ان للحريري اولوية اخرى تتمثل في استعادة الثقة مع المملكة اولا، وبعده تأتي الملفات الاخرى.. وفي هذا الاطار «تبرع» الحريري بمهمة جديدة او ربما «كلف» بها، لا احد يعرف، يريد «التكفير» عن ذنوبه في السعودية، من خلال تقديم مساهماته الجليلة في الحرب الاميركية ـ السعودية المشتركة للفصل بين حزب الله وبيئته «الحاضنة» من خلال تقمص دور «الداعية» والفقيه العارف الفرق بين الشيعة وحزب الله، هو عمليا يستكمل مشروع العقوبات المالية والحصار الاقتصادي الذي يهدف اولا واخيرا الى اضعاف الحزب بين جمهوره وانصاره من خلال تكبيدهم خسائر موجعة كضريبة على احتضانه… وفي هذا السياق ذكر الجميع «ان لبنان يعاني مسلسل تورط الحزب وليس شيعة لبنان»… ويصر على القول «ان هناك مشكلة حقيقية بين «حزب الله»، وليس أخواننا الشيعة، الولايات المتحدة تحاسب أو تعاقب «حزب الله»، وليس أخواننا الشيعة، ومعظم الدول الأوروبية أدرجته على لوائح الإرهاب على خلفية عمليات أمنية منسوبة إلى الحزب، وليس أخواننا الشيعة»….
«شو هالحنان الزائد» على الشيعة، تقول اوساط قيادية في 8آذار، طبعا الامر ليس كذلك، «القصة» مفضوحة، ثمة في السعودية من فتح باب النقاش حول اهلية الحريري السياسية في قيادة السنة على الساحة اللبنانية، التطوع والمساعدة في «الحرب» الجديدة على حزب الله محاولة مكشوفة لاستعادة الثقة هناك، كلامه الاخير ليس موجها الى الجمهور «الازرق» في لبنان، هؤلاء يعرفون ان «زعيمهم» محكوم بثابتة الحوار مع الحزب لانه لايملك اي خيار آخر، ويدركون ان حملاته التحريضية لن تصرف على ارض الواقع، ولا في السياسة، وحتى في الساحة السورية فقد الحريري زمام المبادرة واصبح خارج «اللعبة» بعد ان فشل في المهمة السعودية الموكلة اليه واخفق في تحويل لبنان الى «ساحة خلفية» «للثورة» السورية.. في نقده الذاتي لنفسه، واصراره على تحمل اخطاء السياسة السعودية اطلق الحريري «النار على قدميه» ولم يتمكن حتى الان من استعادة «عطف» وثقة السعوديين بقدرته على ادارة الامور، وحين حاول «صديقه اللدود» وزير الداخلية اعفاءه من مسؤولية الاخفاقات المتتالية، انبرى للدفاع عن القيادة السعودية منزها اياها عن ارتكاب الاخطاء، واصر على تحمل المسؤولية كاملة… لماذا؟ لانه يريد مراجعة ترضي القيادة في الرياض ولا يبحث عن ارضاء جمهوره.. لماذا؟ لان المملكة يصعب ارضاءها بينما بعض الشعارات المذهبية والتحريضية كفيلة باستعادة ما خسره من جمهور..!
وبحسب اوساط دبلوماسية عربية في بيروت، لا تبدو سلسلة المراجعات كافية حتى الان للتعويض عن اخفاقات الماضي، الوقائع تؤكد عكس ذلك، الحريري في بيروت يواصل اطلاق شعارات الثناء على قرارات المملكة فيما تتفاقم الاضطرابات في شركة «سعودي اوجيه» في السعودية، يطلب من المدعوين على الافطار التصفيق للقطاع المصرفي باعتباره راس حربة في «الحرب» على حزب الله، فيما يقوم مئات العمال باعمال عنف في موقع مشروع «اسكان الحرس الوطني»، في الرياض، التصفيق والثناء يتواصل في بيروت، فيما تكسير المكاتب الإدارية واحراق الاتوبيسات متواصل في الرياض، ما يجمع جمهور بيروت «المصفق» وعمال الرياض الغاضبين امر واحد ان الجميع لم تصرف رواتبهم منذ عدة اشهر..
لماذا يشعر الحريري بوجود مشكلة مع السعودية؟ ثمة اتهامات من الدائرة المقربة من زعيم المستقبل لبعض الشخصيات النافذة في المملكة بالقيام بعملية ممنهجة لتحجيم شركته، بالتوازي مع عملية تحجيم واضحة للحريري في بيروت، ثمة تمويل مشبوه لوزير العدل اشرف ريفي سمح له بالتمرد على «المستقبل»، فيما تحجب السيولة المالية عن الرئيس الحريري وتجعله غير قادرعلى ترتيب امور عماله وموظفيه في الرياض، وتجعله عاجزا عن ارضاء جمهور غاضب في بيروت اختار معاقبته «بلديا» على اخفاقاته، هناك توقف العمل في جميع المشاريع التي تعاقدت شركة «سعودي أوجيه» عليها مع الدولة، وصرف نحو عشرين الفا من موظفيها وعمالها، وتوقفت وزارة العمل عن تقديم خدماتها للشركة وفي مقدمتها تجديد رخص العمل… هذه رواية المقربين من الحريري الذين يتحدثون عن عدم منح الشركة عقود ومشاريع جديدة منذ نحو عامين، عدا مشروع لبناء قصر لاحد الامراء في الرياض وهو من الاصدقاء الشخصيين للحريري… اي ان المشروع مجرد «تنفيعة»..
لكن الرواية السعودية لا تتفق مع ما يروجه المقربون من الحريري، يجزمون انه لا يوجد قرار سعودي باضعافه، لكنه يدفع ثمن اخفاقه في ادارة اعماله الاقتصادية والسياسية، سواء في بيروت او الرياض، المملكة لم تقصر في تقديم المساعدة له كما فعلت مع غيره من الشركات المتعثرة وفي طليعتها «مجموعة بن لادن»التي قامت بصرف نحو 70 الفا من عمالها، وزارة المالية صرفت لـ«سعودي اوجيه» مبالغ كبيرة من مستحقاتها المالية «التي كان من المفروض ان تصرف لاعطاء العمال والموظفين حقوقهم كما حصل مع شركة «بن لادن»، لكن لا أحد يعرف اين ذهبت هذه الاموال؟ واين صرفها الحريري ؟ ولو كان لدى المملكة النية في افلاس الشركة كان بمقدورها ايقاف عقود الصيانة التي تقوم بها في معظم القصور والمقرات الملكية ولكن هذا الامر لم يحصل.. الحريري يهرب الى الامام من خلال تقصد الايحاء بان ثمة «مؤامرة» ضده في المملكة، لكنه يعرف اكثر من غيره ان سوء ادارته للشركة ادى إلى تفاقم مشاكلها، ثمةهدر كبير للاموال تصل الى حدود «السرقة»، وثمة «بطالة» مقنعة، بعد ان تحولت الشركة الى مركز للتوظيف السياسي وليس الاقتصادي…
وسواء كان الامر مؤامرة او سوء ادارة، الثقة بالحريري اهتزت، هو يبحث الان عن اتمام صفقة داخل المملكة لبيع اسهم في الشركة طمعا بضع سيولة كافية لاستعادة العافية، لا يريد التنازل عن «الادارة» ويحاول تحسين قدراته التفاوضية هناك..اما في بيروت فيحاول اقناع القيادة السعودية انه لا يزال قادرا على «لعب» اي دور قد يطلب منه، هو في فترة «اختبار» قاسية، بعد ان «اطلق النار على رجليه»، يصوب اليوم على حزب الله «الهدف» المفضل عند السعوديين، يريد استعادة الثقة المفقودة، «نكل» باصدقائه بعد ان حاولوا تقديم المساعدة، ولذلك عليه ان لا يتوقع اي «يد» ممدودة من قبل «خصومه» لمساعدته في معركته «الشخصية»… ولعله من المفيد تذكيره بجملة شهيرة قالها له يوما معاون الامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل «لا تورد الابل هكذا يا سعد»..
(الديار)