مقالات مختارة

معركة حلب: بين الخداع والتهويل الأميركي والرد المرتقب. العميد د. امين محمد حطيط

 

عندما صدر القرار القاضي بوقف العمليات العدائية او القتالية في سورية كان تطبيقه مرتبطا بأمرين الأول فصل المجموعات الإرهابية عن الجماعات التي تسميها اميركا معارضة معتدلة ـ والثاني وقف اعمال الميدان بكل صنوفها في المناطق التي لا يوجد فيها جماعات إرهابية بالمعنى المحدد في قرار مجلس الامن ـ أي عدم شمول قرار وقف العمليات لمناطق تواجد جبهة النصرة وداعش الإرهابيتين تنفيذا لقاعدة لا مهادنة مع الإرهاب بل حرب عليه مستمرة متواصلة .

و في التطبيق برزت عقدة حلب حيث كان معسكر العدوان قد شكل سابقا جيش الفتح الذي قوامه جبهة النصرة الإرهابية و معها فصائل تصنفها اميركا معارضة معتدلة ، خاصة و ان مواقع مكونات هذا الجيش متداخلة بشكل يضع المعني بالأمر امام خيار من اثنين: اما ان يتابع الحرب على جبهة النصرة الإرهابية و يصيب في هذا السياق مواقع المسلحين غير المصنفين إرهابيين ، و هنا يكون انتهاك لقرار وقف العمليات القتالية و انهيار لما اسمي لاحقا هدنة رغم انه ليس كذلك ، او يلجأ الى الخيار الثاني بالامتناع عن العمل في المنطقة تلك كليا فتسفيد جبهة النصرة غير الملتزمة أصلا و غير المعنية أصلا بقرار وقف العمليات ، تستفيد من الوضع و تستثمره لصالحها في اكثر من اتجاه .

تحت ضغط أميركي على روسيا او لنقل وعود أميركية متتابعة لروسيا بالعمل على فرز الإرهابي عن المعارض، اخذ بالخيار الثاني منذ اخر شباط الماضي تاريخ العمل بقرار وقف العمليات، وتقليص المساعدة العسكرية الروسية لسورية. لكن النتائج الميدانية لهذا الامر جاءت في غير مصلحة سورية و مصلحة معسكر الدفاع عنها حيث أدى اعتماد هذا الخيار الى وقف العمليات في محيط حلب و تاليا تأجيل معركة حلب الاستراتيجية وتحول قوى هذا المعسكر الى وضع الدفاع ثم إعطاء تركيا و قطر و أيضا معهم السعودية و بأشراف أميركي لا بل مساعدة و قيادة أميركية ، اعطاءهم فرصة كافية لإعادة تنظيم الإرهابيين في محيط حلب و تعزيزهم بالعديد و العتاد المرسل من تركيا جهارا نهارا و بشكل مكن جبهة النصرة و حلفائها من شن هجمات هامة في ريف حلب الجنوبي نجح بعضها في السيطرة على مناطق مهمة هناك من العيس و تلتها الى خان طومان ، ووصل الامر اليوم الى تهديد منطقة الحاضر أيضا ، فضلا عن الاعمال الاجرامية اليومية بحق مدينة حلب حيث يستمر قصفها يوميا بعشرات القذائف التي تسقط عشرات الضحايا من المدنيين .

لقد استفاد معسكر العدوان على سورية من قرار وقف الاعمال القتالية ايما استفادة ، وفي الوقت الذي أعلنت فيه اميركا بلسان ما تسميه معارضة وقف العملية السياسية او تعليقها و اشعال الجبهات (كما صرح وفد الرياض الى جنيف) و في الوقت الذي تقدم فيه وحدات من الناتو (أميركية و فرنسية و المانية و بريطانية ) مساعدة عسكرية ميدانية ل “قسد” (قوات سورية الديمقراطية ) لتمكينها من السيطرة على مناطق في الشمال السوري و تندفع الى الغرب من مواقعها باتجاه منبج و الباب ، في هذا الوقت تنكر اميركا على سورية حقها في العمل في منطقة حلب ضد الإرهاب ، و تنكر على روسية حقها في تقديم المساعدة العسكرية لسورية من اجل التعامل مع الوضع في حلب وفقا لما يقتضي الموقف .

ففي أسبوع واحد صدرت عن اميركا بهذا الصدد ثلاثة مواقف مستهجنة و مستغربة و مثيرة للدهشة نظرا لكونها مواقف غير مسبوقة في العرف السياسي او الدبلوماسي او السياسات الخارجية للدول ، الأول جاء على لسان جون كيري وزير خارجية اميركا الذي اعلن فيه ان صبر اميركا بدأ ينفد بشأن سورية و ان على روسيا و سورية الاستجابة للموقف الأميركي بو قف كل العمليات العسكرية في سورية عامة و في محيط حلب خاصة ، و الثاني صدر عما اسمي موظفي الخارجية الأميركية و توقيع خمسين منهم على عريضة او وثيقة تطالب الإدارة الأميركية بقصف الجيش السوري و دمشق كون سورية لا تلتزم بالهدنة الشاملة ، و الثالث عن مسؤول أميركي في البيت الأبيض يتضمن طلبا اميركيا مباشرا من روسيا للضغط على الرئيس الأسد و حكومته لوقف كافة العمليات القتالية في سورية و الالتزام الشامل بالهدنة او وقف اطلاق النار على حد ما ذكر .

نقول انها مواقف تثير الدهشة والاستغراب خاصة وأنها تتمحور حول عمل جيش وطني يعمل على ارضه لتطهيرها من إرهاب اجرامي يفسد الامن وينتهك البشر والحجر عليها، ثم كيف لنا ان نستوعب او نتفهم قيام موظفين من الفئة الثالثة او الرابعة في وزارة الخارجية الأميركية بطلب من ادارتهم الاعتداء على جيش دولة مستقلة وعلى عاصمتها وهل في تاريخ العلاقات الدولية شيء من هذا لقبيل، والجواب قطعا لا. اما المضحك المبكي أيضا هو ان يقول كيري ان صبره بدا ينفد في سورية، وهل كان كيري ينتظر ان سورية ستستلم للعدوان وتسلم قيادها لأميركا من غير مقاومة او دفاع عن النفس؟

لقد ردت سورية و معها محور المقاومة و الان روسيا أيضا ، على العنجهية و السلوك المخادع و التصرف الاستفزازي الأميركي في الميدان و السياسة على حد سواء بما يفرضه الموقف ، فبعد الرفض و الإدانة لوجود قوات من الأطلسي على الأرض السورية بدون اذن او تنسيق مع الحكومة السورية وهو ما يشكل عدوانا و انتهاكا لسيادة دولة مستقلة ، كان اجتماع طهران الثلاثي الذي شاركت فيه روسيا الى جانب ايران و سورية و الذي اكد مضي المعسكر هذا في الحرب على الإرهاب ، ثم كانت كما يبدو المهلة الروسية الأخيرة الي اعطتها لأميركا لفصل من تصفهم بمعارضة عن ارهابيي جبهة النصرة و الا لن يكون بعد هذا مراعاة للاختلاط من شانها ان تمنح جبهة النصرة حماية و تحييد تستفيد منه في اجرامها ، و أخيرا كانت زيارة وزير الدفاع الروسي الى سورية وميدانية في عمل يبدو انه تحضير لشيء ميداني مهم.

ان أربعة أشهر من المماطلة والتسويف الأميركي والوعود الكاذبة بضبط الجماعات المسلحة وفصلها عن داعش والنصرة، ان هذه المدة هي مدة كافية لكشف الخديعة واسقاط القناع، وبالتالي ان معسكر الدفاع عن سورية لا يمكنه البقاء في حلب في مواقع دفاعية يستنزف فيها بشكل يومي ويدفع اثمان باهظة وهو في حال الترقب لأطلاق معركة حلب.

ان معركة حلب التي تريد اميركا تأجيلها او منع الجيش العربي السوري اليوم من خوضها هي معركة مفصلية و أساسية في كامل الازمة السورية الى الحد الذي يمكننا معه ان نقول ان حلب بعد التطورات الميدانية و السياسية باتت تختصر كل الازمة ففيها كل خطوط الصراع و عليها تبنى نتائج الصراع الدائر على سورية و في ارضها ، لذلك نجد ان اميركا تريد تأجيل معركة حلب الى الوقت الذي تكون قد جهزت فيه القوى اللازمة لربح هذه المعركة و اخراج الحكومة السورية الشرعية منها و انتاج واقع ميداني يكون ربطه مع ما تحققه “قسد” المدعومة اميركيا ، منتجا لبيئة التقسيم او الفدرلة بالمفهوم الأميركي أي التقسيم المقنع ، و ان اميركا تريد تجميد العمليات السورية الرامية لاستعادة الأجزاء الخارجة عن سيطرتها لمدة شهرين على الأقل تعول عليهما لتحقيق متغيرات ميدانية على يد “قسد” و تجميع قوى تكون جبهة النصرة عمادها الرئيسي للسيطرة على حلب .

ان اميركا التي فشلت في رفع اسم جبهة النصرة عن لائحة الإرهاب، تصر بعد فشلها في ذلك على منح جبهة النصرة الحصانة الدفاعية في مواجهة الطيران الروسي بإبقاء ما تسميه معارضة معتدلة مندمجة ميدانيا بقوى جبهة النصرة فاذا استهدف الطيران تلك المراكز علا العويل والتهديد الأميركي المتضمن القول بان الروس يقصفون مواقع معارضة موالية لهم، ويهددون بالتدخل.

ان الخطة الأميركية باتت مكشوفة واضحة، وان الحلم الأميركي بكسب الوقت أولا ثم التحضير لكسب حلب ثانية، خطة لن تمر ولن تستطيع اميركا ان تمرر خديعتها على معسكر المقاومة وباتت معركة حلب تفرض نفسها وبأسرع ما يمكن وان الخسائر التي تكبدتها قوى معسكر الدفاع عن سورية مؤخرا لن تثني هذا المعسكر عن مواصلة التحضير السريع والمحكم لهذه المعركة التي لا يمكن لسورية الا ان تنتصر فيها دفاعا عن وحدتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى