العدالة مسؤولية صهيونية !
غالب قنديل
إنها حقيقة جديدة فاضحة … انتخاب مندوب الكيان الصهيوني رئيسا للجنة القانونية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتصويت أربع دول عربية لصالحه .. بالتأكيد لو ظهر مثل هذا الخبر قبل سنوات لكان حرك مسيرات شعبية هادرة في الوطن العربي ومختلف انحاء العالم تستنكر خطوة تنافي جميع الأعراف والمباديء القانونية في العالم وسائر مواثيق حقوق الإنسان فكيف يعقل ان تكون مسؤولية تطبيق القانون الدولي في عهدة كيان غاصب تلطخه دماء مئات آلاف الأبرياء الفلسطينيين والعرب الذين أزهق أرواحهم في المذابح والحروب العدوانية واقتلع الملايين وشردهم.
فلتزهو العدالة المزعومة بعدما فوض ما يسمى بالمجتمع الدولي بشؤون العدالة آخر كيانات الاستعمار الاستيطاني في العالم ووارث اخطر حملات التطهير العرقي والاقتلاع العنصري التي انطلقت في القرن العشرين وهو الكيان الذي يعصى على الشرعية الدولية بدعم اميركي اطلسي … بصمت عالمي وبخنوع عربي فيمنع تطبيق عشرات القرارات الدولية التي تلزمه بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلها من عقود وبالاعتراف بحق العودة وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.
هذا القرار هو ذروة انهيار شنيع للقيم والشعارات الدولية عن العدالة وحقوق الإنسان وهو تعبير مكثف عن نتائج مسيرة الاستسلام العربية والفلسطينية التي قادتها ورعتها المملكة السعودية بالمشيئة الأميركية ومعها سائر الحكومات الرجعية التي تشاركها اليوم حروبها على قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية وضد الجمهورية العربية السورية الدولة المقاومة الحرة التي رفضت الاعتراف بالكيان الصهيوني والإذعان لهيمنة الاستعمار الغربي.
توجه الأمم المتحدة رسالة صريحة إلى العالم بأسره عبر هذا القرار الذي شاركت به حكومات عربية بالتواطؤ أوبعدم الاعتراض الجدي والذريعة التافهة كأصحابها ان سعادة السفراء لم يكن لديهم الوقت الكافي فأخذوا على حين غرة والحقيقة ان المطابخ الدبلوماسية تشتغل بالموضوع منذ أسابيع إن لم نقل أشهر!
خلاصة الرسالة ان القانون الدولي كذبة فاجرة والشرعية الدولية مسخرة وان العدالة الدولية هي مهزلة وبأن لغة القوة هي القانون الوحيد الذي يعترف به الغرب الاستعماري وعملاؤه العرب وهي الشرعة الوحيدة التي تخضع لها حكومات العالم المعاصر الغارق في التوحش وليس للعربي والفلسطيني الذي يريد ان يحيا بكرامة سوى إرادة المقاومة ضد هذا الكيان الذي يكمل منظومة العدوان والإبادة بجماعات التكفير الإرهابية التي انتجها حلفاؤه وشركاؤه بقيادة الولايات المتحدة لتعويض هزائمه وعجزه عن المبادرة امام حركات المقاومة ومحورها الإقليمي.
الخطوة هي حصيلة لمنطق الاستسلام للكيان الصهيوني الذي تدفعه المملكة السعودية قدما بسيرها مؤخرا في ركاب الحلف مع العدو الصهيوني لمجابهة إيران ولتمزيق البلاد العربية والمسلمة مذهبيا لاستنزاف القوى الاستقلالية ولتثبيت الهيمنة الأميركية الصهيونية التي تستثمر على تعميق الانقسامات والصراعات لأخذ الشعوب بعيدا عن قضية فلسطين وتصبح النتيجة معروفة سلفا عندما تتحول تقارير الاستخبارات ومراكز التخطيط الصهيونية إلى رصد مزايا التقدم في ما يسمى التطبيع وما فيه من تعاون امني وسياسي واقتصادي صهيوني خليجي وحين تصبح الغايات المشتركة المعلنة هي تعزيز قدرات العصابات الإرهابية التكفيرية في سورية ومحاصرة حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة وتطويع قيادة حماس وتدجينها لتجميد جناحها العسكري وإلحاقها بمسيرة أوسلو تحت العباءة التركية القطرية تصبح التتمة الطبيعية كسر الحظر الأخلاقي والقانوني الذي حاصر الإجرام الصهيوني منذ دخول الدولة العبرية إلى الأمم المتحدة برعاية سوفيتية اميركية.
المسؤولية الأخلاقية الأولى تحملها القيادة الفلسطينية التي ذهبت بعيدا في طريق التنازل عن الحقوق وتوغلت في سبل الاعتراف بالكيان الغاصب والتعاون معه ومعها جميع الحكومات العربية المستسلمة المتسابقة إلى الاعتراف بالعدو والشراكات التجارية والأمنية معه على اوسع نطاق في السر والعلن .
منذ الاعتراف العربي الأول بالكيان الصهيوني تأسس المسار السياسي الذي تحصد نتائجه الدولة العبرية ومنذ الإذعان الفلسطيني الأول شرعت أبواب العالم تفتح امام الكيان الصهيوني ومن هنا تبدأ أي مواجهة فعلية لتغول الصهيونية التي تعد على المدى البعيد لخطط اقتلاع وتهجير واسعة ضد الشعب الفلسطيني من أراضيه المغتصبة عامي 48 و67 لإعلان الدولة اليهودية التي يحلم بها نتنياهو وليبرمان وهرتسوغ وسواهم من الزعماء الصهاينة حيث لا يمين ولا يسار في حقيقة العدوان والاستعمار وحيث لا خيار سوى المقاومة الفتية والجديدة التي ينهض بها شباب فلسطين المتمرد والثائر على عفن الخذلان وعصبيات التناحر الفصائلي والحالم بالتحرير الكامل دون قيد او شرط.