كلينتون ولعنة سورية
غالب قنديل
لا حدود للكذب والخداع في السياسة الأميركية هكذا تستحق التعليق تصريحات هيلاري كلينتون حول جريمة اورلاندو الإرهابية التي ركزت فيها على” دور السعودية وقطر والكويت في تمويل التطرف قائلة يجب ان يكفوا عن دعم معاهد ومساجد متطرفة ! ” كما لخصت وكالات الأنباء العالمية.
المفارقة انه وفي التوقيت ذاته نشرت وكالة بترا الأردنية للأنباء تصريحا لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عشية وصوله إلى واشنطن عن دعم المملكة السعودية لحملة كلينتون وتكفلها بدفع عشرين بالمئة من إجمالي كلفتها وقد أظهرت تقارير اميركية عديدة أن السيدة كلينتون تحظى بدعم سعودي في اكثر من مناسبة انطلاقا من تصريحاتها العدائية حول سورية وإيران وسيرها في خط التصعيد ضد روسيا والصين مقابل تصريحات منافسها المرتقب دونالد ترامب التي ركزت على المطالبة بتدفيع المملكة كلفة الحماية الأميركية والدعوة إلى الحوار مع روسيا وانتقاده المتكرر لنهج المغامرات العسكرية في المنطقة نظرا لكلفتها وعواقبها الاقتصادية.
قبل سنوات قليلة كانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية ترفض بعنجهية تحذيرات الرئيس بشار الأسد من خطر ارتداد الإرهاب وتقود الجناح السياسي في الحرب العالمية على سورية عبرالمؤتمرات المتنقلة من اسطنبول إلى الدوحة فالرياض وباريس وكانت تتباهى بدعم اميركي بلا حدود لمن سمتهم بالثوار السوريين وقد استعارت تعابير الرئيس الأسبق دونالد ريغان في خطابه عن مجموعات القاعدة الأولى التي أنشاها “مكتب المجاهدين” متعددي الجنسيات في أفغانستان برئاسة أسامة بن لادن ويومها أطلق ريغان لقب “فرسان الحرية” على هؤلاء الذين كرمهم في البيت البيض بحضور بندر بن سلطان وعلق لهم الأوسمة الرفيعة ومنحهم الجنسية الأميركية كما اكتشف اللبنانيون فجأة بعد قدوم وفد حكومي اميركي إلى بيروت للتحقيق في مقتل “مواطن أميركي” لم يكن سوى زعيم “جماعة التكفير ” اللبناني الذي أقام معسكرا في جرود الضنية وهاجم الجيش اللبناني في ليلة رأس السنة عام 2000 وهو بسام كنج “أبو عائشة” الذي قاتل في أفغانستان قبل ذلك بأعوام عديدة.
أصرت هيلاري كلينتون على حشد رفاق “أبو عائشة” وامثاله من جميع انحاء العالم والمنطقة إلى سورية وكانت الناطق السياسي الأول بلسان غرف العمليات والتخطيط التي تولاها الجنرال ديفيد بيترايوس مع معاونيه الأتراك والسعوديين والقطريين من اسطنبول وعمان وبيروت .
أصم الغرب آذانه أمام تحذيرات الرئيس بشار الأسد قبل سنوات وهو اليوم يستنفر مؤسساته لتلافي الخطر بعدما شرع الارتداد يتفجر في هجمات وعمليات وجرائم منظمة او من خلال هجمات إرهابيين يوصفون بالذئاب الشاردة لكنهم خطر داهم يضرب في عمق الدول التي عملت لاستخدام عصابات القاعدة ومن بعدها داعش وسواها من الفصائل المتفرعة والمشابهة التي احصى منها البنتاغون ومركز دراسات الحرب الأميركي في سورية ما يزيد على ألف تشكيل وتنظيم واكثر من ربع مليون عنصر بينهم ثمانون ألف اجنبي من عشرات الدول في العالم بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي حيث زرعت مئات المعاهد والمساجد التي تضخ دعاة التكفير إلى العالم وتمولها جهات حكومية وغير حكومية سعودية وقطرية وكويتية وحيث تنشط جماعة الأخوان المسلمين تحت حماية المخابرات البريطانية.
تخاف كلينتون والنخبة السياسية الأميركية من قول الحقيقة بعدما راهنوا كثيرا على المسافات الجغرافية التي تفصل القارة الأميركية عن بلاد الشام فما يهز الولايات المتحدة وسائر دول الغرب هو لعنة سورية ولعنة العراق وليبيا حيث استعملت الولايات المتحدة فلول القاعدة واعادت توجيه التنظيمات الإرهابية التكفيرية لتدمير الدول ولاستنزاف مناهضي السياسات الأميركية ولمحاولة إخضاعهم وتدمير قدرتهم على المقاومة دفاعا عن استقلال بلادهم وهذا الوصف ينطبق حرفيا على الحرب الأميركية ضد الجمهورية العربية السورية.
قالت كلينتون تحت وطاة المذبحة الشنيعة التي هزت الشارع الأميركي إن التطرف والإرهاب هو ورم خطير ينبغي استئصاله داخل الولايات المتحدة وخارجها لكنها تهربت من تحديد المسؤولية عن تعاظم ذلك الخطر وهي حين تنقل الاتهام إلى حكومات تعمل بتوجيه اميركي وتحت قيادة وكالة الاستخبارات ووزارة الحرب في واشنطن إنما تتهرب من تبعات أفعالها وتمارس حرفة الكذب الأميركية المألوفة وتعلم الوزيرة السابقة والمرشحة الحالية أن تفكيك منصات العدوان على سورية وردع العربدة التركية السعودية القطرية والإسرائيلية في دعم الإرهابيين على أرض سورية والعراق وقف على قرار اميركي حازم هو اول الطريق الذي لابد ان ينطلق باعتراف صريح بدلا من الاكتفاء بحصر المسؤولية بالحكومات التابعة في المنطقة التي تحركت بأوامر اميركية لدعم التكفير والإرهاب منذ اكثر من أربعين عاما وما تزال.