الحريري يزوّر التاريخ ابراهيم ناصرالدين
في 19 تشرين الأول 2010، وقع الخلاف حول ما دار في آخر اجتماع عقده الحريري مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 7 حزيران 2010. عندما تعارضت وجهتا النظر في تذكر ما دار في ذلك الاجتماع، طلب الحاج حسين الخليل الاستعانة بنادر الحريري الشاهد على ذلك الاجتماع، استدعي نادر الحريري إلى مكتب ابن خاله، وطلب منه محضر اجتماع 7 حزيران، فتبيّنت صحة ما قاله الخليل ردّ الحريري: كان على السيّد أن يفهم عليّ ما قلته، أجاب الخليل: ما نحن في صدده هو ما قلته أنتَ وليس ما كان على السيّد أن يفهمه عليك… الاستعانة بهذه الرواية اليوم تبدو ضرورية بينما يتابع اللبنانيون «مسلسل» الحريري «الرمضاني» «انا المسؤول»..ليس لشيء وانما للادراك مبكرا انه لا يستحق المتابعة لان السيناريو الرديء المبني على كم هائل من «المغالطات التاريخية» سينتهي الى الفشل..
ادعاء «البطولة» في مواجهة حزب الله، وعدم تقديم مراجعة نقدية للاسباب التي ادت الى افتعال صدام غير متكافىء مع الحزب، تشير بحسب اوساط قيادية في 8 آذارالى ان الحريري لا يزال «يراوغ» «ويناور» وليس مستعدا بعد لاجراء مصالحة وطنية جدية تحصن الاستقرار الداخلي، لم يفصح الحريري في «مسلسله الرمضاني»عن الدوافع التي أفضت إلى إسقاط حكومته وهو في البيت الابيض، أصرّ على وجهة نظره من التسوية السعودية ـــــ السورية، وأنكر ما تعهّد في مسودتها، وهو تخليه عن المحكمة الدولية لقاء البقاء في السلطة ورئاسة الحكومة..هكذا سقطت معادلة «السين السين»عام 2011 عندما قرر الحريري الانقلاب على الاتفاق، كان يريد رئاسة الحكومة والقرار الاتهامي معا، من غير أن يضمن حماية سلاح حزب الله، ولذلك ابلغ السيد نصرالله يومها وزيري الوساطة القطرية ـــــ التركية ان لا عودة للحريري إلى رئاسة الحكومة…هكذا تسبب انقلابه على الاتفاق الى اخراجه من السلطة، ام ادعاء بطولات وهمية فدليل على عدم وجود مراجعة جدية..
وتوقفت تلك الاوساط عند قوله « انني المسؤول عن أنني مشيت في آفاق الدوحة بعد اجتياح بيروت بـ 7 أيار، لأن قراري كان وما يزال وسيبقى رفض اللجوء إلى السلاح ولا أرضى أن يصبح تيار المستقبل ميليشيا مسلّحة..» واشارت الى ان ما يقوله الحريري هو اكبر عملية تزوير للتاريخ، فالمشكلة لم تبدا في السابع من ايار بل في الخامس من ذلك الشهر، وكان على زعيم المستقبل مكاشفة جمهوره بالاسباب الموجبة التي املت على فريقه السياسي اتخاذ قرار تفكيك سلاح الاشارة التابع للمقاومة، النائب وليد جنبلاط اقر صراحة انه وقع حينها ضحية «لعبة الامم» وانزلق في اتون صراع اكبر منه، فلماذا لم يعترف الحريري بذلك؟ وهل من الانصاف التاريخي الحديث عن النتيجة وتجاهل الاسباب؟
ووصل حد الانفصال عن الواقع من خلال حديثه عن رفضه اللجوء للسلاح ورفض تحويل «المستقبل» الى ميليشيا مسلحة، اذا من اتى بالشبان من الشمال والبقاع الى بيروت، ومن زودهم بالسلاح تحت عنوان الشركات الامنية؟ هل يتجرأ الحريري على تقديم الاعتذار لهؤلاء بعد ان تركوا لمصيرهم في شوارع العاصمة؟ هذه الميلشيا لم يعمل هو على تفكيكها بل انهارت بعد ان نجحت المقاومة في وأد الفتنة…اما اعلانه عن المسؤولية بالقبول باتفاق الدوحة فجاء منقوصا لانه لم يكن اقرارا بالذنب، ويجب ان يسأل ان كان لديه من خيار آخر بعد «هزيمة» مشروعه العسكري والسياسي، ولو كان يملك الجرأة الادبية كان حريا به توجيه الشكر الى السيد حسن نصرالله الذي رفض استثمار الاحداث في هزيمة خصومه بالضربة القاضية..
وبراي تلك الاوساط، لو كان الحريري جادا في اجراء مراجعة نقدية لمسيرته السياسية وتقديم حلول وطنية شاملة تليق «بالحريرية الوطنية»، كان حريا به تقديم الاعتذار الى المسيحيين وفي مقدمتهم الجنرال ميشال عون الذي دفع ثمنا باهظا جراء الحريرية السياسية بعد ان «طعن» به السياديون الاذاريون ورموا بتياره «البرتقالي» على «قارعة الطريق»، وكانت سياسة العزل هذه واحدة من اهم الاسباب التي دفعت التيار الوطني الحر الى «احضان» حزب الله، فهل يقر الحريري «بخطيئته التاريخية» التي احدثت تحولا غير متوقع في مسار التوازنات الداخلية، ومنحت حزب الله غطاء مسيحيا ووطنيا لم يكن ليحصل عليه لولا ارتكابات تيار المستقبل «وزعيمه»..
وهل سيقر الحريري ايضا بمسؤوليته عن «تطفيش» الشركاء المسيحيين الجديين؟ هل سيعترف بانه المسؤول عن دفع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الى «احضان» الجنرال ميشال عون؟ هل سيملك جراءة الحديث عن ادارة الملف المسيحي بنحو خاطىء وكارثي؟ اخذ «الحكيم» تحت جناحه وظل يتعامل معه بصفته قائدا ملحقا في التيار «الاستقلالي»، «يريد منه كل شيء ولا يعطيه شيئا»، عند الملمات الكبرى يستخدمه «كمنصة» لاطلاق النار على خصومه، وعند توزيع الحصص والقرارات الكبرى يكون رأيه هامشيا، يعترض على تركيبة الحكومات، فيتعامل معه كانه غير موجود، يسير «القطار» وتبقى «القوات في قاعة الانتظار..يناور الحريري «ويبيع ويشتري» رئاسيا باسم «الحكيم» ثم تأتيه «التعليمة» الدولية والاقليمية، كما قال المشنوق، فلا يرى نفسه ملزما حتى باطلاع «شريكه» المسيحي على «الانقلاب».. نجح «بفطنته» في ولادة تفاهم معراب الذي لم يكن ليبصر النور لولا «حنكته» السياسية وقراراته «الحكيمة»..
اذا كان الحريري جادا في اجراء مراجعة جدية لمسيرته السياسية والوطنية، واذا كان جادا في اجراء مصالحة مع «ضحاياه»، والحصول منهم على «صك» الغفران عليه بناء الثقة مع حزب الله، واعطاء الغالبية المسيحية التي يمثلها تحالف عون- جعجع حقها في اختيار رئيس الجمهورية، والمراجعة النقدية تقضي ايضا اعلان الحريري موافقته على اعتماد القانون النسبي في الانتخابات النيابية المقبلة، وذلك من «باب»الاقرار بالمسؤولية عن مجمل الانهيارات، فالتخلي عن «آحادية» القيادة السنية في البلاد والسماح لشركاء جديين في الساحة السنية المشاركة في قرارات الطائفة بات امرا ملحا، هو يدرك جيدا انه لم يعد قادرا على وضع قيادات المستقبل المتمردة تحت «جناحه» بسبب انعدام الثقة بقيادته، كما ثبت «لخصومه» ان الشراكة معه غير مربحة، كما حصل في طرابلس مؤخرا، ولذلك فان اصراره على التمسك بقانون الستين، رغبة منه في الاستمرار «باحتكار» القرار السني، يشير الى ان التجربة لم تعلمه شيئا، وسيكون «السنة» في موعد جديد مع «الاحباط»…
حتى الان اقر الحريري تحمله المسؤولية عن المسار السياسي المنحدر لتيار المستقبل و«للحريرية الوطنية»، وربما عليه لاحقا الاقرار بالمسؤولية عن خسارة ارث والده السياسي والمالي، وعن اغتيال «شهداء» ثورة الارز جميعا بعدما ورطهم «بلعبة» اكبر منهم، وتوارى هو وراء البحار.. وكذلك عن مسؤوليته عن هزيمة مشروعه لاسقاط النظام السوري..المطلوب منه الاعتذار للشعب السوري.. والاقرار بمسؤوليته عن الشهداء ضحايا رهاناته الخاطئة في طرابلس..وضحايا احمد الاسير في صيدا بعد ان كان «الحصان الاسود» لتياره السياسي..وقبل كل ذلك الاعتذار لشهداء حرب تموز..طبعا من غير المنتظر ان تصل جردة الحساب الى تلك «الشفافية» لكن يكفي ما اقر به الحريري من مسؤوليات حتى الان في بلد «يحترم نفسه»، بان ينهي هذه المراجعة الرمضانية باعلان اعتزاله العمل السياسي، وترك القيادة لمن بامكانه انقاذ «السفينة» من الغرق… هذا القرار راود نفس الحريري اكثر من مرة.. ولو ترك له الخيار لفعلها!
(الديار)