أزمة تيار المستقبل: هل هي بداية النهاية؟ فراس الشوفي
لا يُحسد تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري على ما آلت إليه أمورهما. أزمة التيار ثلاثية الأبعاد: الشح المالي والتنظيم وغياب الرؤية السياسية. اما الحلول، فمفقودة حتى الآن
كثرٌ، أولئك الذين أغوتهم لعبة النائب وليد جنبلاط، بالوقوف على ضفاف الأنهر، وانتظار جثث أعدائهم. تراهم الآن شامتين بالرئيس سعد الحريري، سرّاً وعلانيةً بـ«مصابه الأليم» في الانتخابات البلدية، ينتظرون تيار المستقبل ليمرّ في الماء الدافق جثّة سياسية هامدة، بعضهم لأجل «حصر الإرث»، وبعضهم ليتأكدّ أن النظام اللبناني الذي أفرز معادلة الحريرية السياسية، سقط إلى غير رجعة.
أول من أمس، بدت كلمات الحريري في حفل الإفطار، الذي أقامه على شرف الهيئات الدينية، كنداء استغاثة أخير، يطلقه «المعلّق بقشّة»، علّ صداه يتردّد في المملكة السعودية، التي لا يريد سفيرها علي عواض العسيري، أن يغفر لوزير الداخلية نهاد المشنوق «فشّة خلقه» و«كلامه الذي لا تبرير له»، كما قال السفير قبل يومين. ومع أن الحريري تكفّل بالدفاع عن السياسة السعودية في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، آخذاً نتائج الانتخابات البلدية وما تلاها في صدره، فلا شيء يجزم بأن الحريري انزعج من كلام المشنوق وآرائه «الشخصية». وهو الكلام الذي قيل بهدف تبرئة الحريري أمام جمهوره أوّلاً من «تهمة» زيارة دمشق قبل 6 سنوات، و«تبريد» المحكمة الدولية في وجه حزب الله، عسى أن «يخفّ» الوزير أشرف ريفي قليلاً عن «ادعائه» وراثة نهج التطرّف والتشدّد في المواجهة مع سوريا وحزب الله، التي تصلح في سوق طرابلس والشمال، ليس أكثر. وربّما لولا كلام المشنوق، لما وجد الحريري فرصته المناسبة للقول إنه «ما من شيء يمكنه أن يعكر العلاقة بيننا وبين المملكة، نحن من عائلة ليس لديها إلا الصدق والوفاء، والمملكة مملكة الوفاء».
أزمة الحريري ثلاثية الأبعاد: هي أوّلاً، أزمة مالية سببها وقف الدعم السعودي عنه وانقطاع المال السياسي السعودي عن لبنان على نحو عام (ربما يكون المسستثنى الوحيد من وقف الدعم هو حزب القوات اللبنانية). وثانيها أزمة تنظيمية وإدارية، لا تسمح للتيار بالتحوّل إلى حزب منظّم، لعدّة عوامل، منها ثقافة الولاء مقابل المال، التي عممتها السياسة الحريرية على جزء (ولو يسيرا) من جمهورها وانتقلت العدوى إلى جمهور تيارات سياسية أخرى. فضلاً عن أن غالبية المسؤولين في التيار هم وافدون من تنظيمات يسارية وقومية وفلسطينية سابقاً، وجدوا في الحضن الحريري مكاناً لجني المال، وبعضهم بات من أصحاب الثروات، فيما مكاتب منسقيّاتهم خالية من المناصرين، بينما الحريري غائب لسنوات بين الرياض وباريس. أمّا ثالث العوامل، فيتمثل بغياب الاتجاه السياسي عند الحريري، الذي تتحمّل بعضاً منه موازين القوى السياسية، والسياسة السعودية تجاه لبنان، الذي بات كثيرون يقتنعون بأنه في أسفل سلم الأولويات بعد اليمن والبحرين وسوريا والعراق، طالما أن اتفاق الطائف لا يزال صامداً، ومواجهة حزب الله الجديّة في الداخل مؤجّلة، ولو إلى حين.
في الشّق التنظيمي والإداري، صادقاً بدا الحريري حين أعلن أنه في صدد إجراء كشف حساب ومراجعة نقدية داخلية، بالتزامن مع ما يحكى عن ورشة إدارية داخل المستقبل يريد أن يبدأها، وربّما يكون الأمين العام للتيار أحمد الحريري وعدد من منسّقي المناطق ضحاياها، لكن هل وضعت خطّة وبدائل؟ الجواب «لا»، على الأقل حتى الآن.
في الشّق المالي، تبدو الأحوال أكثر سوءاً. العارفون بـ«الخبايا» يقولون إن صرف حراس التيار ليس إلّا أوّل الغيث، «كل شيء رح يفنّش». فالأزمة تطاول كلّ شيء، من «سعودي أوجيه»، إلى شركة الاتصالات في تركيا، إلى ما بقي من أسهم البنك العربي. حسناً، ماذا عن المال السعودي؟ هل ستتولى الإمارات العربية المتحدة تعبئة الفراغ المالي السعودي؟ لا شيء يدلّ على ذلك، فدعم ماليزيا بمليارين ونصف مليار دولار يفيد السعودية أكثر، والإمارات حتى الآن تتفرّج. أكثر من ذلك، بات الحريري مقتنعاً بأن السعودية لن تساعده بفلس واحد بعد الآن، وهذا ربّما لا يكون قراراً، إنّما أولويات، ولبنان آخرها، فهي لم توقف دعم الحريري فحسب، بل المؤسسات السنية الأخرى، كجمعية المقاصد مثلاً. لكن هل هناك من حلول؟ الجواب أيضاً «لا».
تبقى خيارات الحريري السعودية، وهي تالياً مرتبطة بالرؤية السعودية تجاه لبنان. ولبنان الذي تريده السعودية، هو على شاكلة العشاء الذي أقامه العسيري قبل أسابيع، جميع اللبنانيين، إلّا حزب الله. وإذا ما قررت السعودية السير بسياسة «الحزم» التي تنتهجها في اليمن والحرب المفتوحة ضدّ سوريا وإيران، فهل يحتمل الحريري تنفيذها في لبنان؟ هل يوقف أصلاً حواره مع حزب الله وينسحب المشنوق من الحكومة على خطى ريفي لاستعادة خطاب التشدّد والتحريض الذي كان عنوان المرحلة الماضية؟ يقول «الحريريون» إن ما ناله ريفي في طرابلس هو أصوات تيار المستقبل المعترضة على نهج الحريري وعلى التهدئة مع حزب الله، فيما تناسب التهدئة في المناطق الأخرى جمهور التيار. حيرة ما بعدها حيرة.
الأسئلة كثيرة، ولا أجوبة، ومنها كيف سيواجه التيار، المستقبل؟ غياب الرؤية والضعف التنظيمي وشحّ المال، تعني جميعها تفكّك المستقبل وتوزّع جمهوره على قوى أخرى، منه جزء ولو ضئيلا، سيختار بيئات التطرّف والإرهاب. هل هي خطّة سعودية؟ أيضاً «لا جواب»، لكن المؤكّد بالنسبة إلى «الحريريين»، أن احتمالات انفلات الشارع والمواجهة المستقبلية مع حزب الله، لن يكون رأس حربتها «السنة» اللبنانيون، بل نازحون سوريون، باستثناء شريحة من لبنانيي طرابلس، غذّاها ودعمها التحريض الحريري على مدى السنوات الماضية، وليس بوسع أحد أن يعيدها إلى «قمقم» محمد سلام، ساعة يشاء.
هل هناك خيارات أخرى؟ رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون يقول إن نتائج البلديات الأخيرة باتت تحتّم على الحريري دعم وصوله إلى رئاسة الجمهورية ليضمن «الشيخ سعد» عودته إلى السلطة، فيحمي ما تبقّى من سلطان، وهو قال هذا الموقف للقائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز في زيارة الأخير الوداعية إلى الرابية قبل أيام، فيما يقول «سنّة 8 آذار»، الذين تحاول السعودية احتواءهم، إنه جاء الوقت لكي يوقف الحريري سياسة الإلغاء التي اعتمدها لسنوات، ويقتنع بشراكتهم في المناطق، بدل أن تشاركه «داعش»!
ماذا عن حزب الله؟ على الرغم من المخاطر، لا يبدو حزب الله مهتماً كثيراً بمصير الحريري، طالما أن ريفي محصور في طرابلس، وفي باقي المناطق تفكّك المستقبل يعني تقوية حلفاء حزب الله، وطالما أن المصارف اللبنانية تنفّذ الحرب الأميركية على المقاومة، وإذا عاد الحريري إلى السلطة، فإنه بلا شكّ سيكون شريكاً في هذه الحرب.
هل هي نهاية تيار المستقبل؟ ليس الآن، لكنّها بداية النهاية.
(الأخبار)