مقالات مختارة

مخيم جنين رفع العلم الابيض.. جمال الزبيدي: أصبحنا يائسين.. الحرب لا تفيد وكذلك السياسة: جدعون ليفي واليكس ليباك

 

حمامتان حلقتا في هذا الاسبوع في قاعة الافراح الكبيرة التي تبنى في مخيم جنين للاجئين. “نيسان سيكون اسم القاعة الجديدة، التي تبلغ مساحتها 750 متر مربع، وهذا هو الشهر الذي حدث فيه دخول الجيش الاسرائيلي الى المخيم في 2002 حيث سبب الدمار الكبير. اللجنة الشعبية للمخيم هي التي تبني القاعة وهي التي ستديرها. يستطيع السكان استئجار القاعة من اجل الافراح الخاصة بسعر التكلفة. الحفلة الاولى المتوقعة ستكون زواج 27 زوج في نهاية شهر رمضان. وكل زوج سيحصل ايضا على 3 آلاف دولار كهدية من اللجنة. هذه علامات الأمل في مخيم جنين.

ليس بعيدا عن القاعة يتم بناء ميدان العودة، الذي سيحمل اسم القرى الـ 57 التي هرب أو طرد منها آباء سكان المخيم، بوابة الدخول الى المخيم هي ايضا من الحجارة البيضاء وعليها عنوان “محطة انتظار العودة”. ونموذج كبير للمفاتيح سيتم استبداله قريبا. حيث يقول السكان إن المفاتيح تشبه الغيتار وليس مثل مفاتيح البيوت الضائعة في فلسطين.

ويتم ايضا بناء مقبرة في المخيم. المقبرة السابقة التي فتحت بعد اقتحام الجيش الاسرائيلي امتلأت بشكل كامل، والملعب الكبير الذي كنا فيه ذات مرة في استعراض للمسلحين في ذروة الانتفاضة الثانية، وضعت فيه هذا الاسبوع اعمدة جديدة للكهرباء. ايضا الكتابة الجديدة على الجدار “حتى لو لم أصل، فقد جربت على الاقل”، هي تحمل معاني كثيرة. وليس بعيدا من هناك فتحت محلات تجارية جديدة ومغسلة سيارات.

“جنين، جنين”. المخيم تغير منذ كنا فيه للمرة الاخيرة قبل أكثر من سنتين. كان ذلك قبل موت حمزة أبو الهيجاء (21 سنة)، بقليل. عرفناه في طفولته عندما كان والديه في السجن. “لا تقلقوا علي”، قال لنا في حينه، قبل أن يقتله الجيش الاسرائيلي باسبوعين حينما فتح النار على الجنود حينما جاءوا لاعتقاله. إنه القتيل الاخير في المخيم الى الآن. سنتان وثلاثة اشهر بدون قتلى. مخيم جنين لا يشارك تقريبا في انتفاضة الافراد. فهنا لا يؤمنون بها. السكان منشغلون بالفيس بوك وبالوضع الاقتصادي الذي تحسن. ويهتمون ايضا بالكمية الكبيرة للسلاح الموجود في كل بيت تقريبا. صحيح أن السلاح يتم استخدامه في الاعراس، لكنه يقلق جدا سكان المخيم. “من يختلف مع زوجته يقوم باطلاق النار، ومن يتحرر من السجن يطلق النار، ومن يتزوج، يطلق النار”، قال لنا أحدهم هذا الاسبوع. السلطة الفلسطينية تحاول مكافحة هذه الظاهرة لكنها يدها قصيرة. وهم قلقون في المخيم ايضا من الدراجات النارية والهوائية، التي معظمها سرق من اسرائيل ويركبها الشباب بشكل متهور في ازقة المخيم. هذا يقلق المخيم اكثر من الاحتلال.

       الحفاظ على مسافة

مخيم جنين، الاكثر نضالا من بين المخيمات، ضرب من قبل اسرائيل، قمع وهدم، يبدو أن روحه كسرت الآن، بشكل مؤقت على الاقل. كل واحد يبحث عن مصيره وبقائه. ومن يستطيع ينتقل للعيش في مدينة جنين حيث الازدهار النسبي خصوصا بسبب عرب اسرائيل من الشمال الذين يأتون للشراء. ايضا في أعلى التلة التي أقيم عليها المخيم، يبنى في السنوات الاخيرة الكثير من البيوت الفاخرة والجديدة، والمشهد الذي تطل عليه يحبس الانفاس. الجيش يستمر في الدخول الى المخيم، لكن بشكل أقل. مرة في الاسبوع أو مرة في الاسبوعين، وعادة بقوات مشاة. يدخلون الى أحد البيوت، يعتقلون شخص ما بسبب “التحريض” في الانترنت، ويخرجون. الاطفال يرشقون الحجارة على الجنود احيانا، لكن لا توجد مدرعات وجيبات مثل تلك التي كانت تدخل في كل ليلة وبضجة كبيرة وتزرع الرعب. احيانا يسمع السكان في الصباح أن الجيش الاسرائيلي اقتحم في الليل. مخيم جنين لم يعد ما كان عليه، مخيم جنين ليس كما تعتقدون.

الطريق من نابلس الى المخيم جميلة. إنها المنطقة الوحيدة النظيفة من المستوطنات. والجيش الاسرائيلي ايضا لا يكثر من التجول في المنطقة، لذلك فان المشهد جميل هنا. في مركز مدينة جنين تقوم البلدية بجر السيارات التي تقف في الاماكن الممنوعة. قوات امن السلطة لا تدخل كثيرا الى المخيم خشية من السكان المسلحين. ومن يتحدثون العربية والانجليزية بطلاقة يوجهون الى “مركز الزوار” في جنين، “القرية السياحية حداد” والفرع الجديد لـ “كنتاكي تشيكن”. تحولت “مدينة الانتحاريين” الى موقع سياحي دولي، المسيح ليس هنا بعد وايضا السياح، لكن مشهد المدينة أفضل مما كان عليه قبل سنتين.

في هذا الاسبوع استيقظ المخيم في الصباح الباكر: بدأ شهر رمضان والصوم والليالي البيضاء. وقد استيقظ جمال الزبيدي في هذا الاسبوع في وقت متأخر. في الساحة الفارغة بقرب بيته التي كان فيها منزل شقيقه زكريا الزبيدي، قائد كتائب شهداء الاقصى، وهو البيت الذي هدمه الجيش الاسرائيلي في الانتفاضة الثانية، ويتم الآن بناء بيت جديد لابنه يوسف.

يوسف لم يكن أسيرا، وهو يعمل الآن في محل للساندويشات في المخيم، نصف أبناء عائلة جمال ما زالوا في السجن، إبنه نعيم حكم بـ 33 شهرا وهو في سجن النقب، الابن حمودي منذ سنة في سجن مجيدو بانتظار المحاكمة، إبن شقيقه جبريل سيتحرر في نهاية السنة بعد 12 سنة سجن، شقيق جبريل، يحيى، سيتحرر بعد سنتين بعد 16 سنة من الاعتقال، إبن أخ آخر، داود، حكم بـ 54 شهرا واسماعيل إبن أخيه من قرية برقين، يمضي عقوبة 29 سنة. جميعهم أدينوا بتهم أمنية. عائلة محاربة.

رويدا رويدا يزداد الاقتناع بأن كل ذلك ذهب سدى. “نحن نحارب منذ مئة سنة، ولم نحقق أي شيء”، قال جمال الزبيدي وهو جالس في صالون بيته الذي هدم بشكل جزئي من قبل الجيش الاسرائيلي. أبناؤه في السجن، وهو يراهم مرة كل ستة اشهر من وراء الزجاج. إبن شقيقه زكريا تحرر قبل ثلاثة اشهر من السجن الفلسطيني بعد قضاء 3 سنوات، وهو ممنوع الآن من الخروج خارج حدود رام الله. وقد اتهم من قبل اسرائيل بمشاركته في اطلاق النار على حاجز الجلمة قبل بضع سنوات. اعتقال الشخص الذي له سبعة ارواح مثل القط والذي يحاط بالسرية والشائعات، تم بالتنسيق مع اسرائيل. ومع ذلك ما زال هناك 100 أسير من المخيم في السجن الاسرائيلي.

جمال (60 سنة) وهو عضو في اللجنة الشعبية، ومن أكثر الشخصيات اللافتة في المخيم. وقد التقينا معه خلال السنين. إنه يعترف أن الوضع في المخيم أفضل الآن، لكن هذا التحسن لا يبعث الفرح لدى الشخص الذي شاهد الكثير من المعاناة. “الناس لا يفكرون بالسياسة. لا يتحدثون في السياسة. كل شخص يفكر في نفسه فقط. أصبحنا يائسين – الحرب لن تنجح والسياسة لن تنجح”. وهو يلقي على العالم العربي مسؤولية هذا الوضع، حيث تم ترك الفلسطينيين لمصيرهم. ولكن لا أحد في المخيم يعرف الى متى سيستمر هذا الهدوء. هل ضاع أمل التحرر؟ وهل تآكل الأمل على أيدي اسرائيل؟ تصعب الاجابة.

       قانون ونظام

على مدخل المخيم، وفي أحد الازقة الرئيسية، ما زالت تعلق صور صدام حسين وكأن الزمن قد تجمد. قد يكون هذا هو المكان الوحيد على وجه الكرة الارضية الذي ما زالت ترفع فيه صور الديكتاتور العراقي. قبل عامين أنشئت في المخيم لجنة للمتابعة من اجل حل المشكلات بين السكان، في المكان الذي لا توجد فيه اجهزة لتطبيق القانون والنظام. اللجنة تجتمع بشكل مستمر ولها مكتب في أعلى المخيم. اللجنة تضم 30 عضوا، 10 منهم ناجعين، وهي تعتبر قصة نجاح. والى جانبها تعمل اللجنة الشعبية القديمة التي تدير حياة المخيم باموال السلطة الفلسطينية وم.ت.ف والتبرعات. وقد تراجعت نسبة البطالة في المخيم، وتقريبا ليس هناك جرائم خطيرة.

هذه المعطيات يجب أن تفرح كل من يهتم بمصلحة السكان. إنه المخيم الذي عبر على مدى السنين عن التضحية والبطولة، أكثر من أي مكان آخر في المناطق المحتلة. ومع ذلك، عندما خرجنا منه في هذا الاسبوع في ساعة متأخرة بعد الظهر، في الوقت الذي بدأ فيه السكان يجلسون لوجبة الافطار الاولى، كان شيئا محزنا يسود الاجواء.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى