عبوة في سيناريو العقوبات
غالب قنديل
دوي الانفجار شكل دفعة اولى من الضجيج والصخب الإعلامي والاتهامات المعلبة التي تستكمل وظيفة الحقيبة المفخخة التي وضعت قرب مقر بنك لبنان والمهجر في فردان .
من يرد التعرف على حقيقة ما يجري يستطيع إعادة تجميع الحلقات ليقوده ذلك إلى السؤال عن علاقة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بكل ما يجري من قانون الكونغرس وصولا إلى التفجير قرب مقر أحد أهم البنوك اللبنانية وطبعا للولايات المتحدة ولجميع حلفائها الكبار في المنطقة عملاء ومنفذون في بيروت يمكن تحريكهم سياسيا وامنيا ضد الهدف المشترك : حزب الله .
صدر قانون أميركي عن الكونغرس بإجماع الحزبين محوره معاقبة حزب الله ومؤسساته الاجتماعية والإعلامية وعلى الفور بدأ الهجوم الإعلامي التحريضي داخل لبنان من جميع مواقع 14 آذار ورغم مباشرة إغلاق عشرات الحسابات المصرفية تصرف حزب الله بشكل هاديء واكتفى بالكلام السياسي وبالتحذير من المخاطر على البلد وتمسك الحزب بالمتابعة الهادئة مع المسؤولين في الحكومة ومع مصرف لبنان واستمر على التشاور مع الجهات الحكومية والنيابية التي تحركت إلى واشنطن.
عندما لاحت مؤشرات على التصرف بمنطق الكيد والتدبير والتمرير جاء تحذير الحزب بما تضمنه من تعابير وصفت بالقسوة لكنه لم يعادل بها واحدا بالمئة من الخطب السامة والعدائية التي استهدفته وحرضت عليه ومن مواقع عديدة سياسية ومصرفية تلقت القرار الأميركي بحماسة التشفي والانتقام أو بازدواجية التذاكي والمسايرة في بيروت بالكلام المعسول وبتهدئة الخواطر في واشنطن بالإذعان والتعهدات والتصريحات النارية عن دقة الالتزام.
في ذروة الاستقطاب وقع التفجير وانطلقت ماكينة الاتهامات على لسان مراسلات ومراسلين ومحللين في امسية الهرج والمرج التي شهدناها على الشاشات التي هجرت التقاليد المهنية واتجهت إلى تصنيع تهمة في جريمة لم يكن قضاة التحقيق قد وضعوا أيديهم على مسرح الجريمة ليباشروا عملهم في البحث عن الوقائع والأدلة وتفتقت عبقريات بعض الكتبة والمعلقين الذين استدعتهم قنوات معينة على عجل لعرض لوائح اتهام جاهزة خلافا للقوانين وللأصول وبممارسة تحريضية لا توصيف لها سوى محاولة إحراق البلد.
لا يخفى على الفطين ذاك الخيط الرفيع بين حلقات السيناريو وربما ينبغي تذكير بعض المتذاكين ان حقائب المتفجرات عندما أعلن اكتشافها قبل سنوات على الشواطيء قيل إنها كانت ودائع إسرائيلية لعملاء الموساد كما برهنت بعض التحقيقات مع الشبكات المكتشفة او المكشوفة..
القطاع المصرفي مستهدف وحزب الله مستهدف ولبنان كله مستهدف ولكن حين تكون نقطة الانطلاق والبداية قرارا اميركيا فالسؤال بداهة هو عن مصلحة إسرائيل وتاليا عن الجهات اللبنانية المجندة للتنفيذ سواء مباشرة ام بالواسطة.
إعلاميا خرجت أمس معظم المؤسسات اللبنانية عن الأصول المهنية وخرقت القوانين واحكامها كالعادة فليس من حق المراسل او المحلل ولا السياسي كذلك سوق اتهام مسبق واختراع الاتهام السياسي الذي فبركته قوى 14 آذار كمفهوم قبل سنوات هو ضرب من التوحش الذي لا صلة له بالقوانين والأعراف الإعلامية في جميع انحاء العالم وهو في الوضع اللبناني جريمة مكملة لجريمة التفجير ويمكن اعتباره قرينة اتهام باعتبار مطلقه صاحب مصلحة.
السلوك الذي ألفه اللبنانيون في تعامل المؤسسات المرئية والمسموعة مع الأحداث ليس من حرية الإعلام في شيء فالتغطيات الحية التي تفتح الهواء أمام معلقين يدلون باستنتاجات معلبة غالبا ( بعضها تعممه عليهم غرف استخباراتية) ويدلون بمواقف تحريضية حول حدث معين ويسوقون الاتهامات متدخلين في عمل القضاء الذين يغتصبون دوره الحصري في التحقيق والاتهام تلك الممارسات الإعلامية مسؤولة عن فوضى خطيرة ومتورطة في تنفيذ عملية إعلامية سياسية مكملة للتفجيرات سواء كانت على علم بذلك ام لا وأيا كانت دوافعها فهي ليست بريئة طالما النتيجة تعني المغامرة بتحريض يقود إلى تفجير البلد وينبغي عليها ان تعتبر وتكف عن لعبتها الجهنمية بعدما برهنت التجربة على كذب عشرات الروايات المسبقة وما ارتبط بها من اتهامات … ولكنهم يدرون ما يفعلون!.
يؤكد استرجاع الوقائع أن من أمر بزرع العبوة هو نفسه من حرك جوقة الاتهامات التي أراد الإيحاء بها لاستكمال حلقة العقوبات المالية والمصرفية المستندة أصلا إلى شيطنة حزب الله واتهامه بالإرهاب بناء على طلب اللوبي الصهيوني الذي تعود إليه حصريا القدرة على جمع الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول أي قانون أو قرار في الولايات المتحدة.
هذه العبوة ليست عملية معزولة بل هي حلقة من سيناريو العقوبات الأميركية التي أريد منها قبل أي شيء آخرتعميق شرخ لبناني داخلي متجدد حول المقاومة وتحويل التنصل من العلاقة بحزب الله إلى ضرورة حياة لأي لبناني في ظل واقع سياسي يغلب عليه الإذعان للمشيئة الأميركية في كل شاردة وواردة وتنتهك فيه جميع مباديء السيادة والاستقلال التي يلوكها معظم الساسة ليل نهار .