وسائل الإعلام والانتخابات
غالب قنديل
كرس التعامل الإعلامي مع الانتخابات البلدية واقع التوزع السياسي للمنابر الإعلامية على المواقع التي ينتمي إليها مالكو المؤسسات المرئية والمسموعة والإلكترونية بحيث تولت وسائلنا الإعلامية الترويج الانتخابي وتجاوزت في كثير من الحالات مبدأ الحق المتساوي في الظهور الإعلامي لضمان حق المواطنين في المعرفة والاطلاع ولتحقيق تكافؤ الفرص بين المتنافسين في الانتخابات النيابية او البلدية.
باستثناء بعض المبادرات الإعلامية اليتيمة لتنظيم نقاشات بين المتنافسين تميز الهواء السياسي والفضاء الإلكتروني اللبناني بالجمع بين الترويج للوائح معينة والتشهير بلوائح اخرى في الدوائر ذاتها لخدمة توجه سياسي محدد وفي أحسن الأحوال تحجيم أخبار ونشاطات بعض المتنافسين بصورة متعمدة لدوافع سياسية وانتخابية و…؟ ومن الطبيعي ان ترسم إشارات الاستفهام حول احتمال وجود مصالح مالية وراء بعض الظواهر الإعلامية وحيث لا قواعد مطبقة في مراقبة تمويل الحملات الانتخابية سوى ما يتصل نظريا بمبدأ ملاحقة الرشاوى خلال يوم الاقتراع.
هذا الخلل الإعلامي له انعكاسه الأكيد على خيارات الناخبين وبالتالي على النتائج لأن القاعدة المتعارف عليها عالميا هي إلزام وسائل الإعلام بضمان التكافؤ في مساحة الظهور الإعلامي بذات المدة والمساحة والشكل وهو ما يعتبر في الدول المتقدمة ملزما لوسائل الإعلام وتوكل مسؤولية متابعته لمجالس الإعلام والمرجعيات المسؤولة عن متابعة الأداء الإعلامي وفي بعض الدول تتولى الهيئات العليا للانتخابات تلك المسؤولية فتقوم بمتابعة حثيثة ومستمرة لكل ما يبث وينشر خلال فترة الحملات الانتخابية ولها صلاحية التدخل المباشر تلقائيا او بناء على شكوى لإلزام الوسائل المخالفة بالتصحيح الفوري المناسب الذي يضمن حقوق المتضرر من أي خبر او تقرير او تحقيق او برنامج.
في لبنان أصرت الحكومات المتعاقبة على إبعاد الحدث الانتخابي بوجهه الإعلامي عن دور المجلس الوطني للإعلام الذي حصرت صلاحياته منذ عام 1994 وفق أحكام القانون رقم 382 برفع توصياته إلى وزير الإعلام او مجلس الوزراء وهذا ما جرى تعديله في نص اقتراح قانون الإعلام الجديد الذي أعدته لجنة الإعلام النيابية مما سيحدث بعد صدوره إصلاحا جذريا في الواقع الإعلامي وفي عمل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.
أنيطت صلاحية متابعة الأداء الانتخابي للإعلام اللبناني في انتخابات عام 2009 النيابية بهيئة الإشراف على الحملات الانتخابية التي شارك المجلس الوطني للمرئي والمسموع في اقتراح اعضائها وهي أعدت تقريرا وافيا عن التجاوزات والأخطاء الإعلامية التي شابت تلك الانتخابات كما خاضت تجربة مهمة في التواصل على مدار الساعة مع مديريات الأخبار في المحطات التلفزيونية والإذاعية بصورة خفضت بنسبة عالية من مظاهر الانحياز والإقصاء الإعلامي وقد اعترف العديد من الزملاء بأن تلك التجربة زادت من خبراتهم كثيرا في قواعد التعامل مع الحدث الانتخابي بشيء من التوازن النسبي والدقة كما اجمعت جهات عديدة على اعتبارها تجربة إيجابية في الإصلاح الانتخابي.
أكدت الانتخابات البلدية أن إنشاء قواعد ديمقراطية حديثة للأداء الإعلامي خلال الانتخابات هو إضافة إلى النظام النسبي من أبرز الإصلاحات المنشودة سواء ما يتعلق بالحق المتكافيء للمتنافسين في الظهور الإعلامي كما ونوعا ام بقواعد تنظيم المناظرات الانتخابية أوما يتصل بقواعد التعامل الإعلامي مع الإحصاءات واستطلاعات الرأي بحيث تلزم الوسيلة الإعلامية بكشف الجهة التي نظمت الاستطلاع وتلك التي مولته لحسابها وحجم العينات المعتمدة في أي دراسة إحصائية وقواعد اختيارها إضافة إلى التشدد في تطبيق الصمت الانتخابي … فهل نتعلم من التجربة وننتقل إلى تحديث القانون لتطبيقه في أول انتخابات مقبلة حتى لا تضيع أصوات الناس وأحلامهم؟
عن مجلة الأمن العام نيسان 2016